فتى الخشب.. الهمسات تهدرُ في الرمل

في كثير من إعلانات العطور للماركات التجارية المعروفة، لا يركز مخرج العمل على شكل المنتج، بل يركز عادةً على خلق انطباع للمشاهد، أو في بعض الأحيان على فكرة ملحمية أو وجودية بشكل غير واضح وتحمل تأويلات كبيرة.

من الملاحظ أن أغاني "فتى الخشب" ملأى بالعديد من الدلالات الرمزية

خلال مشاهدتي لإعلانين لعلامة "Dior"، كانت الموسيقى التصويرية للإعلان الأول لفرقة "London Grammar"، حاول مخرج العمل خلق جو ملحمي بدمج الإعلان المصور مع الأغنية، وجاء الإعلان الثاني مصاحبًا لأغنية لم أسمعها من قبل، بحثت عن المطرب فوجدت أنه فتى الخشب "Woodkid"، وبحثت عن الأغنية فوجدتها باسم "I love you"، وعندما سمعت الأغنية للمرة الأولى شعرت بالغرابة، ولم أفهم حقًا الأغنية المصورة، ولم أستطع أن أميز إن كان العمل جيدًا، وأقول عملًا وليس فقط أغنية، بسبب أنها جاءت أشبه بعمل سينمائي، وكان التركيز على إخراج العمل بشكل مذهل.

اقرأ/ي أيضًا: فرج سليمان.. تطويع البيانو لحكاية المدينة

الغوص مع الحيتان

جسد مسجّى، خوذة من العصور الوسطى بقرنين كبيرين، بياض أشبه برحابة الفضاء يشعرك بالمرارة. ينقطع المشهد على الجسد المرمي، كأنه طُرد من ملكوت ما، يدخل رجل يرتدي ملابس كلاسيكية وقبعة سوداء، الكنيسة ممتلئة، يبدأ العزف على آلة الأرغن التي كانت موضوعة بدلًا من مذبح الكنيسة. يتحول المشهد إلى الرجل الذي يعزف، لكنه الآن وسط سعة الأرض التي تبدو هي الأخرى ضاقت عليه، ويبدو أن الرجل يبحث عن شيء مصيري. للتصوير دلائل موحية، وتأويلات بأن الرجل يبحث عن شيء أكبر من الجبال والأنهار البلورية التي يتيه فيها.

نلاحظ في جميع الأغاني المصورة لفتى الخشب، وجود دلالة رمزية، بل حتى التكثيف من الصور الرمزية والغرائبية المستخدمة في العمل. مثلاً في أغنية "Iron"، أول أغنية للمغني، يقف أربعة أشخاص باتجاهات الكون وكل شخص يصاحب حيوانًا – مثل طائر البوم و الكلاب – يحاول يوان، فتى الخشب، إضافة إلى الغناء كتابة وإخراج الأغاني الخاصة به،  فيجعل العمل أشبه بفيلم سينمائي بصور دقيقة ومختزلة، لكنها عميقة، في أغنية "Run Boy Run" والتي ترشح بفضلها للحصول على جائزة الغرامي لعام 2013، والتي تستخدم إعلان لعبة "Dying Light"، يظهر فتى يحمل حقيبة مدرسية، يبدأ بالركض هربًا من كائنات غريبة، تعطيه فيما بعد سيفًا يحمله ويركض. يصل الرجل إلى الشاطئ الذي بدا في حالة هائجة، حتى يختفي ليظهر في أعماق البحر، وتسبح بالقرب منه حيتان ضخمة ثم تبدأ يدا الرجل بالتحول إلى خشب متشقق تحت مياه البحر.

تحمل أعمال يوان طابعًا فانتازيًا يشبه أفلام الخيال والأدب الخيالي. يوضح يوان في مقابلة معه مثلًا، الرمزية في تحول الفتى إلى خشب: "هناك بعد آخر لعملي، مثل الطريق التي أود أن أجعل الاستعارات والرمزية حول القوام، أو المواد والقصة التي أحاول بها خلق فتى الخشب. إنهت قصة الفتى الذي يكبر وبعد وقت يتحول إلى حجر أو رخام، إنها مادة صعبة جدًا أن يتحول البشر إلى أصوات، وهذه هي فكرة المشروع".

الموسيقى

هناك صورة نُشرت على الإنترنت تجمع بين يوان وفيليب غلاس، الموسيقي الأمريكي، ويبدو أن غلاس معجب بأعمال يوان من حيث التقنية العالية والاحترافية في استخدام الالآت الموسيقية الكلاسيكية مع الحديثة. تنفرد أغنية "The Golden Age" بعزف منفرد يمتد لثلاث دقائق ونصف – يبلغ طول الأغنية عشر دقائق – وكان العزف متناسقًا مع حال العائلة في الأغنية المصورة. الموسيقى المستخدمة بانورامية وتشبه المقاطع الكلاسيكية من حيث خلق قصة كاملة من خلال الموسيقى، فهناك مدخل موسيقي – افتتاحية – حتى تصل الموسيقى إلى الخفوت ثم الذروة الموسيقية والتلاشي.

فتى الخشب: هناك بعد آخر لعملي، مثل الطريق التي أود أن أجعل الاستعارات والرمزية حول القوام، أو المواد والقصة

كتبت كلمات الأغاني على طريقة أغاني البوب، لكن يوان لم يوزع الموسيقى لكي تشبه لحن أغاني البوب. يقول: "أردتُ أن تبدو الموسيقى مختلفة بطريقة جديدة، فكرتي كانت الذهاب إلى عالم الموسيقى التصويرية والموسيقى العملية، قررتُ عدم استخدام أي طبول أو غيتار. كان تركيزي على الأوركسترا، على استخدام قوة الأوركسترا، لأنها الصوت والأداة التي تساعدني للتعبير عن مشاعري بطريقة أفضل". ويحتوي لحن الأغاني على طابع ديني مميز، مثله مثل الكلمات والرموز المستخدمة في الأغاني. "هناك الكثير من الإدخالات الدينية في مشروعي. بطبيعة الحال، فإن الدين مهم جدًا لموسيقاي".

اقرأ/ي أيضًا: فيروز.. الغناء بعد زمن عاصي

سوادٌ غامق

في الأغاني المصورة لفتى الخشب، حتى التي تمت إعادة توزيع الموسيقى الخاصة بها، كانت ألوان الفيديو المصور تقتصرُ على اللونين الأبيض والأسود الغامق، الذي يبدو أكثر عمقًا وإيحاءً من الأبيض، باستثناء أغنية "Land of all" والتي كان تصويرها باستخدام تقنية رقمية من خلال رسم خريطة كُتبت عليها كلمات الأغنية. يبدو الشكل الخارجي للأغاني المصورة أشبه بالصور الفوتوغرافية المجمعة، في أغنية "I love you" تظهر مويجات البحر بطريقة سوداوية وهي تضرب الشاطئ، وكان زغب البحر قاتلًا وهو يخترق سواد الرمال والغيوم الممتدة في الأفق. يقول يوان عندما سئل حول استخدام اللونين الأبيض والأسود في تصوير الأغاني: "عندما تم تصوير أغنية "Iron"، كان التصوير على شاشة خضراء لأن لدينا الكثير من التأثيرات البصرية، ولكن كان لدينا ميزانية منخفضةـ وإنتاج الأغنية باللونين الأبيض والأسود يريحنا من تعقيد المشاركة في التلوين في عملية ما بعد الإنتاج. ولكن في الواقع، كان ذلك نصف الإبداعية، ونصف الميزانية. إنها رائعة".

---

أغنية: أحبك*

حيث الضوء يرتجفُ على الشاطئ

عبر المد والجزر من المحيط

نحن نتألق مع الشمس الصاعدة

ونحن نطفو في "الأزرق"

أوه، يا ولد عيناك تخونُ ما يحترق في داخلك.

مهما كان شعوري لك

يبدو أنك تهتم بك فقط

هل هناك سبيل لتراني أنا أيضًا

لأنني أحبك؟

هل هناك أي شيء أستيطع فعله

فقط للحصول على بعض الاهتمام منك؟

فقدتُ كل أثر لك في الأمواج

أين أنت؟

بعد كل الانجراف على الشاطئ

خلال تيارات المحيطات

الهمسات تهدرُ في الرملِ

وبينما كنا نرقص في "الأزرق"

كنتُ متزامنًا معك

لكن الآن، صوت الحب خالٍ من اللحن.

 

• ترجمة الأغنية عن الإنجليزية لـ ضحى أحمد

اقرأ/ي أيضًا:

فرقة "ناس الغيوان".. الزمن المغربي لم يرحل

توم وايتس.. سريالي فوق العادة‬