06-ديسمبر-2016

الناشط المسرحي فتح النور بن إبراهيم (فضيل حدهم)

ينتمي الناشط المسرحي فتح النور بن إبراهيم، 1964، إلى جيل جزائري فتح عينيه على الفترة الذهبية للمسرح الجزائري، سواء في الجزائر، أو في مدينته مستغانم، التي تعدّ عاصمة الفن الرّابع جزائريًا، بحكم احتضانها لأقدم مهرجان أفريقي هو "مهرجان مسرح الهواة".

لم يتوانَ فتح النور بن إبراهيم عن نشر صوره أثناء العلاج الكيماوي: "ما أنا فيه ليس عيبًا، فلماذا أتعامل معه كأنه فعل مخلّ بالحياء؟

مع مطلع القرن العشرين، كان في طليعة الشباب المثقف الذي ترك مدنه الدّاخلية واقتحم عاصمة البلاد، وهي خارجة لتوّها من موجة عنف وإرهاب خلّفت عشرات الآلاف من القتلى والجرحى والمفقودين والمصدومين والمهجّرين، بحثًا عن نافذة يتنفّس من خلالها، ويساهم في إنعاش مشهد فني وثقافي ورث كل مفردات الصّدمة، فكان أحد العرّابين الذين مدّوا أيديهم للجيل الجديد، بحيث تحوّل بيته ومحيطه في الجزائر العاصمة إلى "زاوية" يقصدها هؤلاء من المحافظات الثماني والأربعين.

على يديه، والفريق العامل معه، استطاعت عشرات الأسماء الشابّة أن تضع لها قدمًا في سياق جزائري محكوم بقيم الشللية والجهوية والرّشوة والتعتيم والإقصاء والتهميش واستصغار الجيل الجديد، وهو ما جعل منه أحد رموز هذا الجيل، وأحد خصوم عرّابي الإجهاض والعرقلة والتثبيط في الوقت نفسه.

اقرأ/ي أيضًا: أيوب عمريش.. سندباد المسرح في الجزائر

يقول الإعلامي محمّد شماني لـ"ألترا صوت" إن زمن ما بعد الإرهاب في الجزائر رفع من مقام القدوة السيّئة في الشارع. "لقد صار صرّاف الحشيش قدوة للشابّ الجديد، وكذلك المتسرّب مدرسيًا والعنيف في الملاعب والتاجر والمقاول الغشاشان، ما عدا نخبة قليلة كانت قدوة في القيم الجميلة، ويعدّ فتح النور بن إبراهيم واحدًا منها".

رحل شيخ المسرحيين الجزائريين امحمد بن قطاف مطلع عام 2014، ووقعت تحوّلات في المشهد المسرحي العاصمي، اضطرّت فتح النور إلى أن يعود إلى بيته في مدينة مستغانم، ليكون منتصف عام 2016 بداية لمرحلة جديدة تمامًا في حياته. لقد اكتشف فجأة أنه مصاب بالسرطان. يقول: "غرقي في العمل واهتمامي الزائد بمفرداته، جعلني لا أنتبه إلى صحتي ولا أراجع طبيبًا ولا أهتمّ بنظامي الغذائي أو وتيرة نومي".

كثيرًا ما نلتفت إلى الوجع والخوف اللذين يسكنان المصاب بـ"المرض الخبيث" وهو على الفراش، لكننا لا نفعل ذلك أثناء اللحظات الأولى التي يعلم فيها بأنه مسرطن. "سبق أن اسودّت الحياة في عيني، لقد عشت تجارب سوداء كثيرة، لكن سواد اللحظة التي وقعت فيها الكشوف الطبية بين يدي كان استثنائيًا". يضيف: "لم يكذب من قال إن الأمل يولد من قلب اليأس، لقد نسيت خوفي وارتباكي بمجرد أن سمعت إحدى المريضات تقول إنها ستستقيل من كل أمر، وتتفرّغ لانتظار مصيرها".

لقد رأى فتح النور في كلام تلك المريضة انتصارًا للموت، "وهذا ما لا أستطيع أن أقبله، أنا ابن شعب هزم موت الاحتلال ثم موت الإرهاب، مضحيًا بما يقترب من مليوني روح، فكيف أسمح للمرض بأن يصبح هويتي؟". يشرح: "جلست مع نفسي في لحظة صفاء، وتمثّلت المرض بصفته إنسانًا، وقلت له إنه مقيم غير شرعي داخلي، ولا داعي لأن يُتعب نفسه، لأنه سيخرج عاجلًا أم آجلًا، وقرّرت أن أخالف رغبة عائلتي، فأعلنت مرضي فورًا".

كلّ إنسان مؤهل لأن يمرض، وهو مطالب بأن ينتصر للحياة، لأنها حق قبل كل شيء

شملت الصدمة المحبّين والمناوئين معًا، وتحوّل الأمر إلى حديث عام، في المجالس والفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي، وشُدّت الرحال إلى بيته في "بازار سي سعيد" وسط مدينة مستغانم، الكبير والصغير والمدني والعسكري والوزراء والولاة والنشطاء في القطاعات كلها. يقول: "هناك عرفت عائلتي صواب قراري إعلان مرضي، لأنها رأت أثر محبة الآخرين في نفسيتي. لا أعتقد أن هناك كنزًا في الدنيا، يضاهي كنز محبة الآخرين لك".

اقرأ/ي أيضًا: عزّوز عبد القادر.. أن تسحب أفريقيا إلى المسرح

أصبح المشهد الجزائري يصحو يوميًا، على شهادات ينشرها الناس، معروفين وغير معروفين، عن "المريول" كما يُلقّب، شكّل بعضها مثالًا بات نادرًا في الزمن الجديد، منها أن فتح النور كان يتقاسم راتبه وبيته مع شباب قدموا من مدن بعيدة، قبل أن يتدبّر لهم عملًا، وأنه كان سببًا في زواج آخرين، وأنه تدخّل لرفع الغبن عن آخرين في مؤسساتهم، وأنه توسّط لبعضهم في قضاء حاجات غيّرت حياتهم.

يعترف عبد الله كرد، أحد أشهر المطربين الشباب اليوم، بأنه دعي في بداياته للمشاركة في عمل مسرحي، "وكنت مع زملائي لا نتوفر على المال، فكنا نتحايل على جوعنا بالخبز والمشروبات الغازية، ولولا المال الذي كان يصلنا من جيب فتح النور، لما استطعنا أن نصمد، لأن مستحقاتنا المالية لم تصلنا إلا بعد تقديم العرض الشرفي".

في المقابل، لم يتوانَ "خادم المحرومين"، كما يسمّيه رفيق دربه الأكاديمي إبراهيم نوّال، عن نشر يومياته وصوره، أثناء عمليات العلاج الكيمياوي، رغم أنه فقد شعره وبعض أسنانه. "ما أنا فيه ليس عيبًا، فلماذا أتعامل معه كأنه فعل مخلّ بالحياء علي أن أخفيه؟ كلّ إنسان مؤهل لأن يمرض، وهو مطالب بأن ينتصر للحياة، لأنها حق قبل كل شيء. الحياة حق دائم والمرض باطل عابر، وهو فرصة لنا لأن نراجع بعض حساباتنا الخاطئة".

الناشط المسرحي فتح النور بن إبراهيم(فضيل حدهم)

اقرأ/ي أيضًا:

المهرجان الجزائري للمسرح المحترف.. دورة متقشّفة

عبد الله بهلول.. أن تمارس المسرح وتدرسه