20-فبراير-2019

بلغ عدد من أعدمهم السيسي خلال الشهر الحالي 15 شخصًا (تويتر)

منذ الثامن من شباط/فبراير الجاري، أعدم نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي 15 مصريًا، وسط إدانات حقوقية واسعة، وصمت دولي معتاد. 15 شخصًا أُعدموا لا يملك أحد أن يثبت أو ينفي التهمة التي وُجهت ضدهم، لكن المؤكد أن أحكام الإعدام التي نُفذت بحقهم، جاءت عقب محاكمة غير عادلة.

من المرجح أن تنفيذ الإعدام بهذا الشكل المتكرر والمستمر أحد الرسائل التي يوجهها النظام المصري للمعارضة، خاصة  في سياق التمهيد للتعديلات الدستورية

 ثلاث قضايا ذات منحى سياسي، تشابكت خيوطها المتفرقة ووقعت لدى قضاء يرفض سماع الحقائق وكشف الجناة، بينما اعتاد على إصدار أحكام الإعدام، في جلسات هزلية، يرفض فيها القاضي التحقيق والتدبر وسماع المتهمين والتحقيق في تعذيبهم واعترافاتهم التي يجبرون عليها. ترافقه نيابة اعتادت تأكيد الاتهامات قبل التحقق منها، وشرطة تبطش بمن يتحدث ويصرخ لطلب النجدة، ولا تجد من يحاسبها على تجاوزتها، وإعلام يصدر الأحكام دون انتظار الدلائل، ومعارضة تخذل أنصارها، وتكتفي بالتخوين المتبادل، ومجتمع دولي يبارك خطوات السيسي ونظامه، ويصمت على أفعاله.

فبراير الحزين

أحكام إعدام تم تنفيذها ضد 15 شابًا مصريًا، غالبيتهم دون سن الخامسة والثلاثين في شهر شباط/فبراير الجاري فقط، ليصل عدد المنفذ فيهم حكم الإعدام في قضايا سياسية خلال الفترة من 2015 إلى اليوم نحو 41 متهمًا، وفقًا لحصر قام به "ألترا صوت". كان آخر هذه الحالات فجر يوم الأربعاء، عقب تنفيذ الإعدام بحق 9 شباب متهمين في قضية اغتيال النائب العام هشام بركات.

اقرأ/ي أيضًا: السيسي يستهل التعديلات الدستورية بالإعدامات

تصاعدت ذروة تنفيذ الأحكام خلال الأيام الماضية، ما اعتبره البعض رسائل سياسية من النظام المصري الذي اعتاد استخدام "الإعدام التعسفي" كنوع من الضغط على المعارضة، وتثبيت أركان "دولة الخوف"، مع دوران عجلة الـ"تعديلات الدستورية"، أبرز وأهم معارك السيسي الشخصية، بينما يتزامن كل ذلك مع صخب في الشارع المصري عقب عدد من العمليات المسلحة والتفجيرات التي ضربت وسط القاهرة، ما يساهم بشكل كبير في الترويج لتبريرات أنصاره حول ضرورة استمراره كرئيس لمصر للحفاظ على الاستقرار، حسب سرديته الرئيسية.

ونفذت وزارة الداخلية في وقت سابق من الشهر الجاري حكمين بإعدام ستة معارضين، ثلاثة منهم متهمون في قضية "ابن المستشار المورلي"، وثلاثة آخرون في قضية اقتحام كرداسة "مقتل اللواء نبيل فراج".

 وجرى تنفيذ الحكم الأخير يوم الأربعاء بالرغم من مطالبات عدة بوقفه، من أبرزها بيان لمنظمة العفو الدولية، يوم الثلاثاء، جاء فيه أن منظمة العفو الدولية تطالب السلطات المصرية بوقف تنفيذ حكم إعدام بحق 9 معارضين علمت المنظمة أنه قد ينفذ صباح الأربعاء، لكن السلطات المصرية ترفض دائمًا أي مطالب من منظمات دولية لوقف أحكام الإعدام وتعتبر ذلك تدخلًا في شؤونها الداخلية.

حيث أدان عدد من المنظمات المصرية تنفيذ حكم الإعدام في قضية "قتل اللواء نبيل فراج"، بعد أيام من تنفيذ حكم الإعدام بحق ثلاثة أشخاص آخرين في قضية مقتل نجل المستشار، وأشار البيان الذي صدر في 15 شباط/ فبراير الجاري، أي قبل تنفيذ الإعدام على المدانين في قضية النائب العام، إلى ارتفاع عدد المنفذ بهم حكم الإعدام في قضايا ذات طابع سياسي إلى "38 شخصًا" منذ تموز/يوليو 2013، في حين ينتظر 59 شخصًا على الأقل تنفيذ الإعدام كل يوم.

سلسلة الإعدام التعسفي

بدأت سلسلة الإعدامات التعسفية  في شباط/فبراير الجاري بإعدام ثلاثة شباب في قضية مقتل نجل المستشار محمود السيد المورلي، نائب رئيس محكمة استئناف القاهرة، وتبعها في يوم 13 من نفس الشهر، إعدام ثلاثة في قضية كرداسة المعروفة إعلاميًا بـ"مقتل الضابط نبيل فرج"، بينما كانت ثالث القضايا مقتل النائب العام ونفذ الإعدام شنقًا في حق تسعة شباب.

وأعلنت مصلحة السجون صباح الأربعاء، تنفيذ حكم الإعدام شنقاً بحق تسعة متهمين في قضية اغتيال النائب العام المستشار هشام بركات، وتم تنفيذ الحكم على كل من أبو القاسم أحمد، أحمد جمال حجازي، محمود الأحمدي، أبوبكر السيد، عبدالرحمن سليمان، أحمد محمد، أحمد محروس سيد وإسلام محمد، بالإضافة إلى  أحمد طه وهدان، نجل طه وهدان عضو مكتب الإرشاد لجماعة الإخوان المسلمين، أعلى جهة إدارية وتنفيذية  في الجماعة، وهو الإعدام الأول الذي يطول أحد أبناء القيادات.

وتعود أحداث القضية إلي 29 حزيران/يونيو 2015، بعد تفجير موكب النائب العام عقب خروجه من منزله، وبلغ عدد المتهمين في القضية نحو 67 متهمًا، وتولت دائرة المستشار حسن فريد الفصل في القضية، وأصدرت حكمها في 22 تموز/يوليو 2017 بالإعدام شنقا لـ28 متهمًا، وبعد نقض المتهمين، عرضت القضية على محكمة النقض، وهي أعلى هيئة لنظر الطعون في مصر، التي أصدرت حكمها النهائي في تشرين الثاني/نوفمبر 2018، بتأييد عقوبة الإعدام لتسعة متهمين في القضية، كما قضت ببراءة خمسة آخرين مما أسند إليهم، وقضت بتخفيف عقوبة الإعدام لستة متهمين إلى السجن المؤبد، وبتخفيف عقوبة السجن المؤبد لأربعة متهمين بالسجن المشدد 15 سنة، كما خففت عقوبة السجن المشدد لمتهم واحد لعقوبة السجن المشدد ثلاث سنوات.

الاستخدام السياسي

تعد قضية اغتيال النائب العام من أبرز القضايا المتشابكة في مصر، وتدور حولها عدة علامات استفهام، الأولى نجاة سائق السيارة وطاقم الحراسة، وشهادة السائق الذي أكد أن النائب العام كان يسير إلى المستشفى بشكل طبيعي، وهو الأمر الذي تسبب في فتح باب للتشكيك، من جانب رافضي رواية النظام، إضافة إلى رفض القاضي فتح تحقيق جاد في شهادات المتهمين حول  تعرضهم للتعذيب، لإجبارهم على الاعتراف بمسؤوليتهم عن الاغتيال، واستخدام الاعترافات كجزء من حيثيات الحكم.

واعتبرت منظمات أن النظام المصري يستغل الحادث من أجل مكاسب سياسية، كان من أبرزها اتهام وزير الداخلية المصري السابق مجدي عبد الغفار جماعة الإخوان المسلمين وحركة حماس بالوقوف وراء عملية الاغتيال، وبالرغم من ذلك لم يرد اسم حماس أو أي من قياداتها كمتهمين، وأعلن وزير الداخلية خلال مؤتمر صحفي في آذار/مارس 2016، أن اغتيال بركات كان في إطار "مؤامرة كبرى بدأت منذ فترة طويلة"، وتمت بتوجيه من قيادات جماعة الإخوان المسلمين تعيش في تركيا، بالتنسيق مع الذراع المسلح للجماعة في غزة حركة حماس، التي كان لها دور كبير جدًا في هذه المؤامرة وأشرفت على العملية منذ بدايتها وحتى انتهائها، ونفت حركة حماس التهمة، وتصاعد التقارب المصري مع حركة حماس في الشهور التي تلت الحادث.

جنازة النائب العام كانت واحدة من أبرز الدلالات على الاستخدام السياسي للقضية من جانب الرئيس المصري، حين أعلن بشكل واضح وصريح تدخله مباشرة في أحكام القضاء المصري، إذ وقف السيسي خلال الجنازة في 30 حزيران/ يونيو 2015 وسط جمع القضاة، قائلًا: "مش هينفع إن إحنا نمشي كده. إحنا بنتكلم في أكتر من سنتين. لا المحاكم بالطريقة دي وفي الظروف دي هتنفع، ولا القوانين في الظروف دي هتنفع". وبالفعل كان الرد سريعًا من القضاء ورفضت محكمة النقض إعادة أوراق القضية مرة أخرى كما هو معتاد في قضايا الإعدامات.

اقرأ/ي أيضًا: مقترح تعديل الدستور المصري.. كل شيء للسيسي!

ويري البعض أن النظام المصري يستخدم القضاء بشكل عام للتنكيل بخصومه، ويظهر ذلك من خلال الاستمرار في حبس المعارضين من مختلف التيارات حبسًا احتياطيًا، كنوع من التنكيل بهم، ويرفض القضاة التحقيق في التعذيب، كما لا يضمن للمتهمين حق زيارات الأهالي والمحامين، ويعبر بعضهم عن مواقف مؤيدة للنظام ومعارضة للثورة بشكل معلن.

يري البعض أن النظام المصري يستخدم القضاء بشكل عام للتنكيل بخصومه ويظهر ذلك من خلال الاستمرار في حبس المعارضين من مختلف التيارات حبسًا احتياطيًا

ومن المرجح أن تنفيذ الإعدام بهذا الشكل المتكرر والمستمر أحد الرسائل التي يوجهها النظام المصري للمعارضة، خاصة  في سياق التعديلات الدستورية، والتمهيد لإعطاء السيسي صلاحيات غير معهودة، وإقحامها في القوانين والدستور.

 

اقرأ/ي أيضًا:

القضاء والإخوان.. ثلاث سنوات كرّ وفرّ

مصر.. المدنيون أمام القضاء العسكري