17-أكتوبر-2015

من الفيلم

بوسترات لأفلام من سنوات مضت، وأخرى لأفلام خيال علمي وأفلام رعب وأنيميشن، والعديد من الإفيشات الدعائية تواجهك عند مدخل السينما الحديثة في ساحة مدينة بواتييه الفرنسية، مع نشرات أسبوعية ورقية ملونة عن العروض ومواعيدها. 

يواجه كل هذا إقبال خجول من مرتادي هذه السينما. إلى أن وُضع بوستر جديد وهو عبارة عن بورتريه لامرأة عربية محجبة كان من شأنه أن يتبدل حالة الركود ويجلب الكثير من المهتمين بهذا الأمر. على حد تعبير إحداى العاملات في السينما والمهتمة بتنظيم واختيار الأفلام المعروضة. الموضوع لم يخرج عن إطار التسويق الأوروبي للمنتجات العربية والآتية من البعيد، مثل تلك الأفلام تلقى رواجًا كبيرًا عند الفرنسيين حيث يكون الحديث عن المهاجرين والأجانب.

في أغلب المدن الفرنسية بدأ يُعرض في الأول من تشرين الأول/ أكتوبر الجاري الفيلم الفرنسي  "فاطمة" Fatima، الذي شارك على هامش "مهرجان كان" هذا العام في تظاهرة "نصف شهر المخرجين" وحاز على جائزة خاصة فيه، وبعدها أصبح يُعرض في جميع دور العرض في فرنسا. 

مع الكثير من الحماس لقصة فاطمة المغربية التي لم تستطع الاندماج في المجتمع الفرنسي، وهي المرأة العربية المتمسكة بجذورها التي لا بدُّ وقد خنقتها. نتابع سير أحداث الفيلم الجديد والمميز كما وصفه بعض الفرنسيين من الحضور، حتى نعلق في مشاهد المخرج فيليب فكون Philippe Faucon الطويلة حيث البوح الفردي الخاص الذي تعبر عنه لقطات قريبة للممثلين، فنصبح أمام لقطة من فيلم وثائقي، ويتعمق أكثر في الذاتية ليُرينا مجموعة من الجمل اليومية المكتوبة كمذكرات تقرأها الشخصية بصوت عال، نشعر فيها بوجدانية ثقيلة تدلنا على وحدتها ومسؤوليتها الكبيرة التي ترى بأنها تصبح مستحيلة في فرنسا. 

هي أم لابنتين، الكبرى عليها متابعة دراستها وترك الأم، والثانية متطلبة تريد العيش على هواها، مما يضيق الخناق على فاطمة أكثر، ويبقيها عالقة تحت تأثير سيطرة مزاج ابنتها ومسؤوليتها اتجاهها، وبالتالي لا تُهمل البطلة لحظة مناسبة حتى تذكرها بها، إلى أن تتحول فاطمة نفسها لتصبح عبئًا كبيرًا على ابنتيها. حيث نصبح أمام صراع جيلين من العوائل المهاجرة من شمال أفريقيا إلى مكان بدأ يضيق بهم. 

بين المغرب الذي تحمله شخصية فاطمة وفرنسا التي تحملها بناتها تضيع خيوط الحكاية، وتضيع الصورة أمام تكرار في الكلام والمشاهد واللقطات، حيث لم يجد المخرج حلًا منطقيًا ليضع ضمنه مأساة البطلة، بل أغرق فيلمه وشخصياته في دوامة عاطفية لا تنتهي، كالتباكي على الوطن ولعن الهجرة وسرد التفاصيل اليومية الساكنة. 

لم يتوان المخرج عن نقل المحيط اليومي المغربي الذي تعيش ضمنه فاطمة، حين جعل إحدى جاراتها تصرخ في وجهها وتعاتبها لأن ابنتها لم ترمي عليها السلام، وترد فاطمة بأنها لم تربي بناتها على قلة الاحترام، هي التي تعاني في إقناع ابنتها بأن تحتشم في لباسها لأن ذلك ينقص من هيبة والديها، فنرى بأن أزمة البطلة الحقيقية هي العادات والتقاليد المغربية التي حملتها معها وتريد أن تمليها على بناتها في فرنسا، حتى يصل بها الأمر إلى الخلط بين العام والخاص، الفرنسي والعربي. 

ونتابع معها يومياتها في العمل حيث يلجأ المخرج لزج بعض المشاهد النمطية عن العاملات في البيوت حين يقوم أصحاب البيت باختبار أمانتها ووضع المال أمامها، ليعرفوا إذا كانت ستتمنع عنه أو تأخذه، وعلى ذلك تستمر في عملها إثر حسن سلوكها. وهي كشخصية واقعية وبطلة فيلم تمثيلي تحاول دائمًا أن تتحدث عن الأخلاق والتربية العربية التي تفضلها عن تلك الفرنسية التي أدخلتها في دوامة ضياع مع أسرتها، إلى جانب مشهد آخر حين ترفض إحدى الفرنسيات التحدث معها لأنها مغربية ومحجبة، من هنا يعتبر المخرج أنه أضاء على مأساة آألاف المهاجرين المغاربة في فرنسا. 

عدم القدرة على الاندماج، وصعوبة تعلم الفرنسية، والعنصرية، والفارق الكبير بين الجيل الأول من المهاجرين والأجيال الأخرى.. هي أمور من شأنها أن تؤثر في نفس المشاهد الفرنسي وتدفعه للتعاطف والتأثر. 

يعتمد الفيلم في بنائه على كتاب مذكرات فاطمة الأيوبي "صلاة للقمر" الذي صدر في باريس، وعندما اطلع عليه المخرج رأى بأنه من المناسب أن تكون الراوية هي بطلة فيلمها. وضمن ذلك وقع المخرج في فخ التمثيل والواقع حيث غابت عن فيلمه الصنعة السينمائية، فأصبحنا أمام فيلم وثائقي تجريبي بمشاهده الطويلة ومونولوجات البطلة الانفعالية. فلا ممثلين ولا رواية متكاملة ولا إخراج يدفعك للتفكير والبحث في حقيقة أوضاع المهاجرين. يبقى فقط السرد الفردي هو نواة الأحداث في الفيلم. وبذلك تكون أهمية  قصة بوستر فيلم فاطمة بأنها حركت شعور الفرنسي ودفعته لحضور هذا الفيلم تحديداً دوناً عن كل ما يُقدم في هذه السينما. 

اقرأ/ي أيضًا

فايزة غين.. استنطاق الضواحي

"قانون السوق".. مأساة عاطل عن العمل