18-أبريل-2025
استشهدت فاطمة حسونة مع عشرة من أفراد أسرتها، بينهم شقيقتها الحامل (وسائل التواصل الاجتماعي)

استشهدت فاطمة حسونة مع عشرة من أفراد أسرتها، بينهم شقيقتها الحامل (وسائل التواصل الاجتماعي)

في 16 نيسان/أبريل، استهدفت غارة جوية إسرائيلية منزلًا في حي التفاح شمال غزة، فاستشهدت فاطمة حسونة مع عشرة من أفراد أسرتها، بينهم شقيقتها الحامل. قبل استشهادها، نشرت في حسابها على "فيسبوك" صورة لغزة، وأرفقتها بعبارة: "مثل النهار العمر كله مثل طلعة الشمس وغيبتها".

استشهدت فاطمة، المصورة الصحفية التي وثّقت الحرب في غزة طيلة 18 شهرًا. وكصحفية شابة تعيش في غزة، كانت تدرك جيدًا أن الموت يلاحقها في كل لحظة.
وبينما أمضت الأشهر الماضية في توثيق الغارات الجوية، لم تكن تطلب سوى أمرٍ واحد: "ألّا تُقتل بصمت".

قالت فاطمة في منشور عبر مواقع التواصل: "إذا مُتُّ، أريد موتًا صاخبًا. لا أريد أن أكون مجرد خبر عاجل، أو رقم في قائمة. أريد موتًا يسمعه العالم، وأثرًا يبقى مع الزمن، وصورة لا يُمكن دفنها في الذاكرة أو في الجغرافيا".

استشهدت فاطمة، المصورة الصحفية التي وثّقت الحرب في غزة طيلة 18 شهرًا. وكصحفية شابة تعيش في غزة، كانت تدرك جيدًا أن الموت يلاحقها في كل لحظة

"فاطِم كانت شمسًا"

قبل استشهادها بيوم واحد فقط، نشرت فاطمة خبر عرض فيلم وثائقي يتناول حياتها في غزة، ضمن مهرجان سينمائي مستقل يُقام بالتوازي مع مهرجان "كان" في فرنسا.

الفيلم، الذي يحمل عنوان "ضع روحك على كفك وامشِ"، من إخراج المخرجة الإيرانية سپيده فارسي، يحكي عن المعاناة اليومية في غزة من خلال محادثات مصورة بين فارسي وفاطمة. تقول فاطمة في أحد مشاهد الفيلم "أنا فخورة بذلك. لن يتمكنوا من هزيمتنا، مهما فعلوا. لأنه ليس لدينا ما نخسره".

فارسي، التي عملت مع فاطمة على جمع موادها البصرية لإنتاج الفيلم، جعلت من فاطمة بطلة العمل، تنقل من خلال "عينيها" يوميات غزة. تقول المخرجة إنها كانت على تواصل شبه يومي مع حسونة: "كانت تشاركني مخاوفها، والدمار، والقيود. رأيت قصفًا مباشرًا قرب فاطِم، وسمعت صراخها عبر الهاتف. كنت أطرح على نفسي سؤالًا مؤلمًا: هل ستلتقط هاتفها الذي سقط من يدها بعد الانفجار؟"

"كانت عيناي في غزة"

تصف فارسي علاقتها مع فاطمة لصحيفة "لوموند" الفرنسية، قائلةً: "كانت عيناي في غزة… مشتعلة بالحياة. صوّرت ضحكاتها، دموعها، آمالها، واكتئابها". وأضافت: "كانت نورًا. عندما ترى الفيلم، ستفهم ذلك." وتابعت: "تحدثتُ إليها قبل ساعات فقط لأخبرها أن الفيلم سيُعرض في كان، ودعوتها لحضوره."

رغم شعورها بالخوف عليها، قالت فارسي: "كنت أقول لنفسي إنه لا يحق لي أن أخاف، طالما هي نفسها لم تكن خائفة. كنت أتشبث بقوتها وبإيمانها الذي لا يتزعزع". وأضافت أن فاطمة ربما استُهدفت بسبب عملها الصحفي المعروف ومشاركتها في الفيلم الوثائقي. وأشارت إلى أن غزة باتت تمثل أخطر منطقة على الصحفيين في العالم، حيث قتلت إسرائيل أكثر من 200 صحفي هناك.

بداية التواصل

عن تعرفها بفاطمة، أوضحت فارسي أنها حاولت دخول غزة في نيسان/أبريل 2024 عبر القاهرة، بعد عجزها عن تحمّل مشاهد القصف، لكنها فشلت. وهناك، التقت بصديقة فلسطينية تحدثت لها عن "مصوّرة شابة موهوبة ولامعة" تدعى فاطمة حسونة، ومن هنا بدأ التواصل معها.

تقول المخرجة الإيرانية: "كانت فاطِم تغطّي الحرب يومًا بيوم، وتبعث إليّ يوميًا بصور، وملاحظات صوتية، ورسائل مكتوبة. وعندما تسمح الاتصالات، كنا نجري مكالمات فيديو. كنت أستيقظ كل صباح أتساءل: هل ما تزال على قيد الحياة؟"

وشددت المخرجة على أن استشهاد فاطمة قلب مضمون الفيلم رأسًا على عقب، قائلةً: "الفيلم كان ينتهي بجملة تقول إنها لا تزال على قيد الحياة في غزة وتواصل التصوير، لكن الآن سيشاهده الناس وهم يدركون أنها رحلت، ويعرفون تمامًا كيف قُتلت. وهذا كفيل بأن يمنح التجربة معنىً مختلفًا بالكامل."

صوتٌ للأطفال

إلى جانب عملها الصحفي، شاركت فاطمة في تنظيم ورشات كتابة لأطفال غزة داخل مدرسة في شمال القطاع تحوّلت إلى مركز إيواء للنازحين. وهناك، التقت بخطيبها الشاب معتز، وهو مهندس حاسوب "ذو قلب كبير"، كما تصفه فارسي.

في أواخر كانون الأول/ديسمبر 2024، كانت تنتظر اتصالًا لتخبر فارسي بخبر خطوبتها. وقالت لها: "سنبدو رائعين." وكان اللقاء الأول مع العائلتين مصحوبًا بشاي وحلويات: لحظة حلم وسط جحيم العدوان.

في إحدى المرات، سألتها المخرجة الإيرانية عن خوفها من تغطية مناطق الاستهداف، فأجابتها فاطمة ببساطة: "لا أفكر بذلك".

أما عن المستقبل، فكانت تقول دائمًا: "أرغب في السفر واكتشاف العالم، لكنني أريد أن أعود إلى غزة".

خسارة فاطمة بين زملائها

زملاؤها الصحفيون عبّروا عن غضبهم العميق لفقدانها. قال مراسل قناة "الجزيرة"، أنس الشريف: "فاطمة حسونة المصوّرة الغزية التي لم تُغادر الميدان منذ بداية الإبادة، وثّقت المجازر بعدستها تحت القصف والنار، حملت وجع الناس وصرخاتهم في صورها، وواجهت الموت يوميًا دون أن تتراجع، حتى جاء اليوم الذي ارتكب فيه الاحتلال الاسرائيلي مجزرته الأخيرة بحقها، فاستُهدفت مع منزلها واستُشهدت هي وعشرة من أفراد عائلتها — الاحتلال لا يقتل فقط الإنسان، بل يقتل الصوت، الصورة، والحقيقة".

الصحفي المقدسي مقداد جميل كتب: "انظروا إلى صورها، اقرأوا كلماتها، شاهِدوا غزة، ومعاناة أطفالها من خلال عدستها."

أما الشاعر الفلسطيني حيدر الغزالي، فكشف أن فاطمة طلبت منه كتابة قصيدة تُقرأ بعد موتها. وكتب في حسابه على "إنستغرام": "لا أصدق رحيل فاطِم، ولا أن هذه المدينة ستفقد صوتًا من أصواتها الواضحة. لا أصدق، لأنها تليق بالحياة أكثر، وبأحلامها التي ترسمها خطوةً خطوة، صورةً صورةً، قصيدةً قصيدة، أغنيةً أغنية. نعم، كانت هي الصورة والقصيدة، وصوت عصفورة تطل من الصباح. لا أصدق، وأتذكر يوم التقينا في الإبادة بعد مدة طويلة، وحديثنا عن غزة التي نحبها بلا سبب، بلا مبرر، ودون أن نفهم، لماذا نحب مدينة نُقتل فيها كل يوم؟"

"مشينا في سوق "الصحابة" مع أحد الأصدقاء، وقالت مازحة: صار عندك وكيلة أدبية يا حيدر، بدنا التحلاية. ولم أجد حينها إلا أن نشرب البرّاد. كنا في مجاعة، وفوقنا طائرة، نشرب البرّاد، ونمشي كأننا نمتلك العالم".

كان لابتسامتها سحرٌ يشبه عنادها

يُعرض فيلم "ضع روحك على كفك وامشِ" ضمن قسم "ACID" في مهرجان "كان" السينمائي، المقرر انطلاقه في 13 أيار/مايو المقبل. ونعى فريق "ACID" المصورة الفلسطينية، قائلًا في بيان: "كان لابتسامتها سحرٌ يشبه عنادها: كانت شاهدة على ما يحدث، تلتقط صورًا لغزة، توزع الطعام رغم القصف، تحزن وتقاوم الجوع. سمعنا قصتها، وفرحنا بكل ظهور لها لأنها كانت على قيد الحياة، وكنا نخشى عليها".

وأضاف البيان: "شاهدنا فيلمًا بدت فيه طاقتها الحياتية كأنها معجزة. لم يعد هذا الفيلم كما كان، سنقدّمه الآن من منطلق مختلف في جميع دور العرض، بدءًا من مهرجان كان. يجب علينا، نحن صُنّاع الأفلام والجمهور، أن نكون على قدر ضوء فاطمة".