24-فبراير-2018

ماريون ماريشال لوبان في مؤتمر العمل السياسي المحافظ الأمريكي (جيم واتسون/ أ.ف.ب)

نقدم لكم في السطور التالية ترجمةً بتصرف لمقال صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، الذي يرصد فيه ما يعتبره تقربًا من الحزب الجمهوري الأمريكي "المحافظ" إلى اليمين المتطرف الأوروبي، أو بالأحرى وقوعًا في حفرته، بدفعٍ من راعي التطرف الغربي، دونالد ترامب.


يُعقد حاليًا "مؤتمر العمل السياسي المحافظ" (CPAC)، وهو مؤتمر سنوي لليمين الأمريكي، خارج واشنطن. وألقى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خطابًا هناك يوم الجمعة 23 شباط/فبراير 2018، بينما افتتح نائب الرئيس، مايك بنس، يوم الخميس الماضي، فعاليات المؤتمر مشيدًا بالعام الأول لرئيسه في إدارة البلاد، إضافة إلى تلاوة نيته الانجليكانية الصادقة، وحشد الجمهوريين المتحمسين قبل انتخابات منتصف المدة الأساسية هذا العام.

لم تعد المشاعر القومية الشعبوية الجديدة المستوحاة من الفكر الترامبي، شيئًا مهمشًا، بل أصبحت التيار الرئيسي للحزب الجمهوري

ولم ينقضِ مُؤتمر هذا العام دون جدل، فلقد تحدثت ماريون ماريشال لوبان، حفيدة السياسي اليميني الفرنسي جان ماري لوبان، مؤسس الجبهة الوطنية في عام 1972، وابنة شقيقة مارين لوبان، رئيسة الجبهة منذ عام 2011 والمرشحة الخاسرة في انتخابات فرنسا الأخيرة.

اقرأ/ي أيضًا: تنامي الحركات اليمينية مع مجيء ترامب.. راعي التطرف في الولايات المتحدة 

وقد أثار ظهورها استياء بعض الجمهوريين الذين لم يكونوا توّاقين إلى الاقتران بفصيل سياسي مرتبط بالبقايا المظلمة للفاشية الأوروبية. ويبدو أن قبول أشخاص مثل مارشال لوبان، والسياسي البريطاني نايغل فاريج، المعروف عنه معارضته للهجرة والاتحاد الأوروبي، الذي تحدث يوم الجمعة؛ يؤكد على انحراف الحزب الجمهوري ليميل أكثر نحو اليمين المتطرف.

قال مات لويس، وهو عضو جمهوري معتدل، لشبكة راديو "إن بي سي نيوز": "هؤلاء ليسوا محافظين، بل أعضاء في حركة شعوبية عرقية قومية دولية"، مُشيرًا إلى أن هذا يتماشى مع نزعة ترامب القومية المتطرفة، مضيفًا: "لم تعد المشاعر القومية الشعبوية الجديدة المستوحاة من الفكر الترامبي، شيئًا مهمشًا، بل أصبحت التيار الرئيسي لمؤتمر العمل السياسي المحافظ".

في مقال على موقع صحيفة واشنطن بوست، أشارت جنيفر روبين، وهي مدونة يمينية، لكنها دائمة الانتقاد لسياسات ترامب، إلى أن "المؤتمر شارك فيه العديد من المتحدثين الذين هاجموا مثليي الجنس والمسلمين والمهاجرين، على الرغم من منع النقاش حول حقوق المثليين لسنوات"، مضيفةً: "ومع ذلك، كان أيضًا مكانًا حيث اجتمع المحافظون الرئيسيون للحديث، وحيث أجرى معلمو السياسة من مراكز الأبحاث والتفكير، مناقشات هادئة. وباختصار، مَثل المؤتمر تجمعًا هامشيًا لسنوات عديدة، حيث يجتمع بضعة آلاف من محاربي اليمين المتطرف، بما في ذلك العديد من الطلاب، ضمن حركة أكبر في اليمين. أما الآن فأصبح المؤتمر يوجز توجه الحزب الجمهوري. حيث لم يعد أنصار الرئيس ترامب المُروجين لسياسة الحزب الجمهوري، يُكلفون أنفسهم عناء إخفاء التطرف أو نظريات المؤامرة او جنون العظمة أو كراهية الأجانب".

وأظهرت ماريون ماريشال لوبان البالغة من العمر 28 عامًا، الكثير من جنون العظمة وكراهية الأجانب خلال خطابها الذي استمر 10 دقائق، فقد قالت على سبيل المثال، إن "فرنسا لم تعد حرة اليوم. بعد 1500 سنة على وجودها، ينبغي علينا الآن أن نكافح من أجل استقلالنا". واستمرت في الإساءة إلى الاتحاد الأوروبي، ما أكسبها هتافات الحشد في المؤتمر. 

وقالت لوبان أيضًا، إن الاتحاد الأوروبي كان "أيديولوجيا بلا أرض ولا شعب ولا جذور ولا حضارة"، وسرعان ما أوضحت ما تقصده، فأشارت إلى أن فرنسا تحولت "من الابنة الكبرى للكنيسة الكاثوليكية، إلى ابنة أخ الإسلام الصغيرة"! ونددت بما وصفته بأنه آفة الهجرة، وهاجمت العولمة، وأشارت إلى الرغبة في الانسحاب من منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، والتودد إلى روسيا، وأشارت كذلك إلى معارضتها للزواج من نفس الجنس.

ثم قالت عبارة نالت استحسان المستمعين، وجلبت لها موجة تصفيق حاد، وهي: "أنا لا أشعر بالإهانة عندما أسمع الرئيس دونالد ترامب يقول (أمريكا أولًا)، ثم أضافت: "في الواقع، أريد أن تصبح أمريكا أولًا بالنسبة للشعب الأمريكي، وبريطانيا أولًا بالنسبة للشعب البريطاني، وأريد أن تصبح فرنسا أولًا بالنسبة للشعب الفرنسي".

سبب اصطدام ماريشال لوبان، بخالتها مارين لوبان، أن الأولى ترى أن مارين معتدلة أكثر من اللازم، وليس العكس!

يمكننا اعتبار ذلك من زاوية ما، نوعًا من القومية النمطية التي يتوقعها المرء من شخص في موقعها. وحتى نقادها، قد يعتبرون أن دعوتها لحضور فعاليات المؤتمر لا تشكل ضررًا كبيرًا، إذ كانت ماريشال لوبان تجسد آفاقًا سياسية أكثر جاذبية قبل عام من الآن، حين كانت الجبهة الوطنية التي تترأسها خالتها مارين لوبان، تقترب من الفوز في الانتخابات الفرنسية، من خلال قيادتها موجة من الشعوبية اليمينية المتطرفة، تجتاح كامل أوروبا، غير أنه بحلول الصيف، تعرضت الجبهة الوطنية لانتكاسة على يدي إيمانويل ماكرون، الوسطي، ما تسبب في احتدام موجة مريرة من التناحر الداخلي، في صفوف حزب مارين لوبان.

اقرأ/ي أيضًا: هل تحكم الشعبوية المجتمع الغربي؟

وتضاءل وجود ماريشال لوبان بعد الهزيمة الساحقة التي منيت بها خالتها، ما جعلها تتوارى عن الأنظار وتنسحب من الساحة السياسة ودائرة الأضواء. وقد اعتُبر ظهورها على المسرح خلال "مؤتمر العمل السياسي المحافظ" الأمريكي، نوعًا من العودة إلى مسرح الحدث السياسي، وإن كان لا يزال من الصعب معرفة ما الذي ستكسبه ماريشال محليًا من خلال مخاطبة الجمهور الأمريكي في الخارج، خاصة وأن عملية استطلاع الآراء العامة في فرنسا تظهر رفضًا للرئيس الأمريكي، حتى وسط ناخبي الجبهة الوطنية.

وقبل إلقائها الخطاب، قام منظمو الحدث بتوزيع أبرز نقاط خطاب ماريشال على المؤيدين، حرصًا منهم على تبرير وجودها بالمؤتمر والتقليل من أثر السمعة البغيضة التي يثيرها اسم لوبان عمومًا. ومن جملة هذه التبريرات، ما جاء في رسالة البريد الإلكتروني: "لقد نأت ماريشال بنفسها، وبشكل علني، عن مواقف خالتها وهي تناضل من أجل الليبرالية الكلاسيكية (أي النهج المحافظ)، كما أعربت عن تأييدها لاختيار المدارس، والممتلكات الخاصة، وانخفاض الضرائب، وانخفاض الإنفاق الحكومي، والمنافسة في السوق، والزواج التقليدي".

وقال بنجامين حداد، الخبير في السياسة الأوروبية في معهد هدسون المحافظ في واشنطن، إن مثل هذه القراءة "تجانب صلب الموضوع تمامًا". وقد اصطدمت ماريشال لوبان فعلًا مع عمتها، لكنها أقرب أيضًا إلى جدها، جان ماري لوبان، مؤسس الجبهة الوطنية المعروف بسجله الطويل من مواقف التطرف والتعصب والفاشية.

والعام الماضي، صرحت ماريشال لوبان قائلة: "أنا الوريثة السياسية لجان ماري لوبان (جدها)"، مُضيفةً: "في الجبهة الوطنية، نحن جميعًا ورثته، لقد تميز جان ماري بقدرة استشرافية هائلة، وكان على حق في الكثير من الأشياء". وفي إطار بذل الجهود من أجل جذب قسم أوسع من الناخبين من الطبقة العاملة، اُضطرت مارين لوبان أن تنأى بنفسها عن والدها وابنة شقيقتها.

وقال حداد، إن "ماريون لوبان شخصية سياسية قومية يمينيةٌ متطرفةٌ مثل جدها، وسبب معارضتها لخالتها مارين، يعود فقط لأن مارين لوبان حاولت إبعاد الحزب عن الصورة البغيضة التي يثيرها والدها جان ماري، ولكي تزيد من سعة انتشار تواجدها وسط المواطنين الفرنسيين، واجتذاب الناخبين من الطبقة العاملة"، إذن فسبب انفصال ماريون عن خالتها، يعود لاعتقادها بأن الأخيرة معتدلة أكثر من اللازم، وليس العكس.

وبينما استمرت ماريشال لوبان في الاستناد إلى تفويض شعوبي مفترض، يقول حداد: "من الجيد أن نتذكر أن أفكارها مُنيت بهزيمة في فرنسا، فعندما تتحدث عن قوة الشعب، فلا بد من الإشارة أن هذه القوة التي تتحدث عنها قد كبدت مارين لوبان هزيمةً ساحقةً في انتخابات عام 2017".

ترك اليمين المتطرف بصمته على السياسة الفرنسية، حتى أن العديد من سياسيي تيار يمين الوسط، باتوا يرددون شعارات كانت ترفعها لوبان

ومع ذلك، فقد ترك اليمين المتطرف بصماته على السياسة الفرنسية، ويُلاحظ أن المزيد من السياسيين المهيمنين من تيار يمين الوسط، أصبحوا يقلدون الشعار الذي ترفعه لوبان في مجال سياسة الهوية، وهذه ظاهرةٌ مألوفةٌ جدًا بالنسبة لكل من يشاهد ما يجري في أمريكا برئاسة ترامب، فضلًا عن الأحداث التي تتكشف في واشنطن هذا الأسبوع.

 

اقرأ/ي أيضًا:

حين أصبح بشار الأسد أيقونةً لليمين المتطرف في الولايات المتحدة

إرث أمريكا "البيضاء".. ترامب المخلص لرسالة البلطجة الإمبريالية