26-يوليو-2016

الفنان فادي فيّاض

تخلق لوحة التشكيلي اللبناني فادي فيّاض "1963" جملة من الارتباكات في الذات التي تتلقاها للمرة الأولى، منها صعوبة التفريق بينها وبين الصورة الفوتوغرافية، بالنظر إلى الدقة المستعملة في التقاط الملامح والمشاعر الخاصّين بالإنسان والمكان اللذين يجدان طريقًا إلى ريشته.

فادي فيّاض: لقد تشوّه العالم والإنسان المعاصران بأن تصالحا مع الصخب

هذه الحيرة التي تحمل بعض متلقي لوحة سليل "قرية صوفر" على أن يطلبوا منه أن يُقسم أنها ليست صورة، يُقابلها هدوء صارخ في الملامح والمشاعر المرسومة يصل حدّ التصوف. يقول لـ"الترا صوت" إنه يرسم السلام الروحي الذي يسكن الأماكن والشخوص وهي تقاوم الصخب والعنف بالغرق في الطمأنينة. "لقد تشوّه العالم والإنسان المعاصران بأن تصالحا مع الصخب، وباتا لا ينتبهان إلى الجماليات المقيمة في الموجودات الصغيرة".

اقرأ/ي أيضًا: نقولا فورنوني.. أداء المعوقين

يعترف فيّاض الذي كبر على فلسفة جبران خليل جبران الجانحة إلى فهم الوجود بالتماهي مع عناصره، بأنه لم يرسم لوحته بعد، وأن ما رسمه لحد اليوم، هو ما التقطته عيناه فقط، وأوهمتاه بأنه الأفق النهائي. "هناك لوحة أرسمها لروحي المتحرّرة من الانتماء، وأخرى أرسمها للآخرين الذين ليسوا هم الجحيم بالضرورة كما ذهب إليه سارتر، بل هم شركاء لهم عيون مثلي ومن حقهم علي أن أرسم لعيونهم، لكن في حالاتٍ قليلةٍ مؤطرةٍ بإحساس خاص"

 

يظهر هذا الإحساس الخاص في لوحات فيّاض، بصفته البوصلة التي ترشد المتلقي إلى جهات العاطفة في الألوان وهي تعانق بعضها بحرارة، فكأنها تدعوه إلى تقليدها حتى يكتشف البرودة التي تسكنه نتيجة الابتعاد عن معانقة أخيه الإنسان. "لا أقبل على لوحةٍ جديدة إلا مدفوعًا بدعوة الألوان لي، فالرداءة في الفن التشكيلي هي ثمرة لإقبال الرسامين على لوحاتهم من غير تلك الدعوة الخفية". من هنا يأتي تركيز فياض على رسم الوجوه الإنسانية والحيوانية في بعدها الروحي الصرف. "إن التقوقع الذي يعيش فيه كثير من البشر خطير على الروح، خاصة أنهم لا يكتفون بأن يتقوقعوا على أنفسهم، فقد يكون هذا حقًّا من حقوق الإنسان، بل يصادرون حقَّ الآخرين في الوجود. إنهم يعدمون أرواحًا باسم الروح نفسها، وهذه مفارقة يجد الفنُّ نفسَه معنيًا بإدانتها".

فادي فيّاض: أحسّ بأن لوحتي تكرهني لحظة الأخذ والرد مع الزبون بخصوص سعرها

يقول فيّاض إن اللوحة معطًى مالي أيضًا، بعد كونها معطًى فنّيًا، "وأجدني مضطرًّا أحيانًا إلى مراعاة ذلك حتى أعيش، غير أنني أصطدم بغياب الثقافة التشكيلية في الفضاء العربي، من ثمارها أن كثيرين لا يُفرّقون بين اللوحة الأصلية واللوحة المقلَّدة، ويريدون أن يقتنوا الأولى بسعر الثانية". يشير محدّثنا إلى المفارقة الكامنة في المشهد: "الشخص الذي يفعل مع التشكيلي ذلك، يملك سيارة وبيتًا بمئات آلاف الدولارات، ويحرص على قضاء عطلته السنوية في متنزهات ومنتجعات وازنة، مما يؤشر على برجوازية مغشوشة يحكمها المال لا الجمال".

اقرأ/ي أيضًا: بانكسي في ميونيخ.. درس الشارع وفنونه

وعن الإحساس الذي ينتابه في تلك اللحظة يقول: "أحسّ بأن لوحتي تكرهني لحظة الأخذ والرد مع الزبون بخصوص سعرها، فأختار أن أحرم نفسي من المال الذي قد أكون محتاجًا إليه، على أن أسلّم لوحتي التي هي عرقُ الروح والجبين، لشخص قد لا يعرف قيمتها فيتركها في متناول الأطفال والغبار".

يرى فيّاض ممارسة الفن وتلقيه أرقى أنواع المقاومة لأشكال المسخ المكاني والإنساني، وأفضل الطرق للتطهر من الغبار بكلِّ أنواعه: "لم أتوقف عن الرسم، حين كانت إسرائيل تقصف الإنسان اللبناني في حرب تمّوز 2006، وقلت لنفسي إنك لا تحسنين إطلاق الرصاص لكنك تحسنين إطلاق الألوان".

وينفي صاحب لوحة "العازف" أن يكون الخوف هو ما دفعه إلى أن يترك لبنانه إلى الخليج العربي، فالموت في نظره وجه آخر من أوجه الحياة، "لكنني لم أتحمّل الانقسام الذي أثمره موت الرئيس رفيق الحريري، فهو من النوع الذي يشوّه صورة لبنان المتعدّد في رأسي". يشرح فكرته: "كوني فنّانًا لا يسمح لي بأن أنحاز إلى طرف معيّن من الأطراف الوطنية، فالانحياز الوحيد المبرر هو الانحياز إلى الألوان في تعدّدها".

هذه القناعة بالانتماء إلى تعدّد الألوان، جعلت فادي فيّاض لا يُورّط لوحته في تبنّي رمز من الرموز الدينية التي تنتمي إليها أسرته. فالروح، في نظره، مثل الفن ليس لها مذهب ما عدا الإنسانية. 

اقرأ/ي أيضًا: 

إسماعيل مالكي.. أن تترصّد للموت بصورة

Meet the Syria.. فنون الشتات السوري