17-أبريل-2017

غياث المدهون (تصوير: ماري سيلكيبيري)

برز اسم غياث المدهون كثيرًا في الآونة الأخيرة، وخصوصًا بعد وصول كتابه الشعري "بعيدًا عن دمشق"، الصادر باللغة الهولندية عام 2014، إلى قائمة الكتب الأكثر مبيعًا في بلجيكا، وصدور طبعة ثانية منه، في حالة غريبة عن عادة كتب الشعر.

يتكون الكون من قصائد لدى غياث المدهون وليس من ذرات كما تقول الفيزياء

يصدر اليوم ديوان غياث المدهون الجديد "أدرينالين" عن "المتوسط" في 98 صفحة، وقد تضمن مجموعة من قصائده التي كتبت في المنفى، وأصرت على أن تتشاكل مع أسئلة راهنة تخص سوريا، أو الوجود العربي في أوروبا.

يكتب غياث المدهون صاحب "لا أستطيع الحضور" نصًا متخففًا من الاستعارات، ولكنه لا يتورط أبدًا بالمباشرة. يعتمد التداعي السردي للأفكار ويركز على المواربة في انتقاء المفردات التي تساعده في تفكيك ذرات الماء وتقديمها لنا. فبدلًا من أن يقول ماء، على سبيل المثال، نجده يقول H2O. يتكلم عن الفيزياء والكيمياء ويستند غياث المدهون إلى قوانينهما ليثبت لنا فساد الطبيعة، في قصيدة من الكتاب يقول: "الفيزياء./ لعنةُ اللهِ على الفيزياء./ لماذا يغرقُ المهاجرونَ، وبعدَ أنْ يلفظوا أنفاسَهُم الأخيرة يطفونَ فوقَ وجهِ الماءِ؟/ لماذا لا يحدثُ العكسُ؟/ لماذا لا يطفو الإنسانُ حين يكونُ حيَّا، ويغرقُ حين يموتُ؟". وفي نص آخر يقول غياث المدهون: "وأعتقدُ أنَّ هنالك بعضَ الأمل لأنْ يكون هنالك بعض الأمل/ إذ حتّى تاريخ كتابة هذا النصّ لم تتوصّل أجهزة الاستشعار في الفيزياء الحديثة إلى أجوبة مقنعة حول التأثير الذي أحدثتْه الأمواج الصوتية لكلماتِكِ في أذنيّ على الشعر في الشرق الأوس/ كذلك يمكنُ أنْ أقعَ في حبَّكِ مرّةً أُخرى". 

اقرأ/ي أيضًا: شيزوفرينيا

هكذا يبدو غياث المدهون، في كتابه هذا؛ عالم فيزيائي ولكنه بدلًا أن يؤمن بأن الكون يتكون من ذرات، يؤمن بأنه يتكون من قصائد. ويتفق مع الفيزيائيين بأن الشعر لا يفنى ولا يولد من عدم.

[[{"fid":"69071","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"1":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":324,"width":200,"class":"media-element file-default","data-delta":"1"}}]]

يذكر أن غياث المدهون شاعر فلسطينيّ من دمشق، يقيم في السويد منذ 2008، صدر له: "قصائد سقطتْ سهوًا"، اتحاد الكتاب العرب 2004، و"كلّما اتّسعت المدينة، ضاقتْ غُرفتي" احتفالية دمشق عاصمة الثقافة العربية 2008، و"طلب لجوء" مختارات شعرية مُترجمة إلى اللغة السويدية، دار أيرساتز، ستوكهولم، 2010، وحصلت هذه المجموعة على جائزة "دي فيلدر" للكاتب الأجنبيّ من مؤسّسة دي فيلدر واتّحاد الكتّاب السويديين، 2012. "المدينة"، قصيدة صدرتْ بكُتيِّب باللغة السلوفينية والعربية، ليوبليانا 2012. "طريق دمشق" مجموعة شعرية مشتركة مع الشاعرة السويدية ماري سيلكيبيري، دار آلبرت بونير 2014. اختير الكتاب، ليكون ضمن قائمة النقّاد في أكبر صحيفة سويدية "داغينز نيهيتر" لأفضل الكُتُب الصادرة في السويد في العام 2014، وحُوِّل الكتاب إلى مسرحية إذاعية في الراديو السويدي عام 2015. "لا أستطيع الحضور" مجموعة شعرية، المؤسّسة العربية للدراسات والنشر، بيروت - عمان 2014. "بعيدًا عن دمشق" مجموعة شعرية مترجمة إلى اللغة الهولندية عن دار يورجن ماس الهولندية، أمستردام 2014.

ترجمت قصائد غياث المدهون إلى عدد من اللغات العالمية

اقرأ/ي أيضًا: فوزي كريم.. ثلاثية نقدية

ظهرت قصائد غياث المدهون في عدد من الترجمات، وسيصدر له: "أنا هنا، أنت هناك" مجموعة شعرية مشتركة مع الشاعرة الهولندية آنا فيجتر، دار يورغن ماس، أمستردام 2017. "أدرينالين" مختارات شعرية باللغة الإنجليزية، أكشن بوك، الولايات المتحدة 2017. "أدرينالين" مختارات شعرية باللغة الألمانية، دار آركيه، سويسرا - ألمانيا 2018.


في ما يلي مختارات من الكتاب:

شيزوفرينيا (مقاطع)

أحلمُ بالنساء، يا الله، كم أحبُّ النساءَ، لقد تعلّمتُ من النساء أكثرَ ممّا تعلّمتُ من المدارس، وتعلّمتُ من الحربِ أكثرَ ممّا تعلّمتُ من السِّلْم، وأستطيعُ أنْ أؤكّدَ لكم، أنَّ كثيرًا من الجنودِ يتحوّلون إلى مجرمي حربٍ، وكثيرًا من الشعراء يتحوّلون إلى مجرمي سِلْمٍ، وأنَّ الأخبارَ الجيّدةَ في الحربِ هي أنْ لا يكونَ هناكَ أخبارٌ سيّئةٌ، وأنَّ الذين خسروا الحربَ هم الذين ماتوا، من الطرفَين، وأنَّ الحربَ في طفولتها ترضعُ دَمَ الجنودِ، وحين تكبرُ تشوي بساطيرهم على نارٍ هادئةٍ، وأنَّها تموتُ حينَ يعيشون. 
*

أُفكّرُ في فلسطين، البلادِ التي اخترعتِ اللهَ، فتسبّبتْ بسفكِ ملايين الأرواحِ باسم الله، بلادِ الحليبِ والعسلِ، التي لا يوجدُ فيها لا حليبٌ ولا عسلٌ، البلادُ المقدّسةُ، التي خُضنا من أجلها حروبًا مقدّسةً، وهُزمنا فيها هزائمَ مقدّسةً، وهُجِّرْنَا منها تهجيرًا مقدّسًا، وسكنّا من أجلها في مخيّماتِ لجوءٍ مقدّسةٍ، ومُتنا من أجلها موتًا مقدّسًا، أفكّرُ فيها، فيلاحقني صوتُ الشيخِ الذي كلّما سألتُهُ ردَّدَ سطرًا من القرآن: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ}، ولا أزال أتساءَل: أيُّهما أبعدُ عن الأرض؛ كوكب المشتري؟ أم حلّ الدولتين؟ أيّهما أقربُ إلى روحي؛ جنديٌّ من بلدي؟ أم شاعرٌ من أعدائي؟ ما هو أسوأُ شيءٍ قامَ به ألفريد نوبل؛ الديناميت؟ أم جائزةُ نوبل؟ 

العاصمة (مقاطع)

الفيزياء.
لعنةُ اللهِ على الفيزياء.
لماذا يغرقُ المهاجرونَ، وبعدَ أنْ يلفظوا أنفاسَهُم الأخيرة يطفونَ فوقَ وجهِ الماءِ؟
لماذا لا يحدثُ العكسُ؟
لماذا لا يطفو الإنسانُ حين يكونُ حيَّا، ويغرقُ حين يموتُ؟
*

حسنًا.
فلنُسمِّ الأشياءَ بمسمّياتِها.
الكُتُبُ مقابرُ للقصائدِ.
البيوتُ خيامٌ إسمنتيةٌ.
الكلابُ ذئابٌ، ارتضتِ الذُّلَّ.
سجّادةُ الصلاةِ تذكّرُنِي ببساطِ الريح.
غرفتي وقعتْ بحبِّ حذائِكِ الأخضر.
أنا أغرقُ فيكِ، كما يغرقُ السوريّونَ في البحارِ.
يا إلهي.
انظري إلى أين أوصلتْنا الحرب.
حتّى في أسوأ كوابيسي، لم يخطر لي
أنَّنِي في يومٍ من الأيّامِ.
سأقولُ في قصيدةٍ:
أغرقُ فيكِ، كما يغرقُ السوريّونَ في البحار.
*

حينَ وُلِدْنَا.
كانتِ الحياةُ ملوّنةً.
وكانتِ الصورُ بالأسودِ والأبيض.
اليوم أصبحتِ الصورُ ملوّنةً.
وأصبحتْ الحياةُ بالأسودِ والأبيض.
*

الحليب الأسود (مقاطع)

وفي نفس الزمكان الذي أتمتّعُ فيه بالرفاهية في أقصى شمال أوروبا، في بلدٍ يحوي سبعًا وتسعين ألفًا وخمسمئة بحيرةٍ من الماء العذب، تخبرني أمّي أنّها عطشانة، فأتذكّر رواية الغريب...
... 
وأحاول ألا أتذكّرُ ألبير كامو.
*

وفي تلك الأيّام، كنّا نعلمُ أنَّه سيقتلنا جميعًا، لكننا لم نكن نعلمُ أنَّ العالمَ سيقفُ صامتًا.
*

وفي تلك الأيّام، حين كنتُ أهمسُ لكِ أنكِ أنتِ سورة النساء، وأخصبُ امرأةٍ في مدار السرطان، كان الإرهابُ يضربُ وسطَ أوروبا، وكان قلبي الذي يستطيع أنْ يتحمّلَ خمسةَ حروبٍ همجية، يُتأتئ حين يلفظُ اسمكِ، وكان أصدقائي الأوروبيّون ينسحبون منّي بهدوء، فأتذكّرُ كيف انسحبَ الأوروبيّون من أصدقائهم اليهود قبل سبعين عامًا، وأتذكّرُ الحليب الأسود...
...
وأحاول ألا أتذكّرَ بول سيلان.

 

وكانتْ دمشقُ تبتعد (مقاطع)

كتبتُ هذه القصيدة لامرأةٍ أحببتُها، وافترقنا، هي الآن لديها رجلٌ آخر، وأنا لديّ هذه القصيدة.
*

حين غادرتُ دمشقَ، كنتُ أنا ثابتًا في مكاني، وكانت دمشقُ تبتعدُ، هذا تحديدًا الذي حاولَ آينشتاين أنْ يقوله في النظرية النسبية، والذي حاول ويتمان أنْ يقوله في أوراق العشب، والذي حاولتُ أنا أنْ أهمسهُ في أذنكِ حين كنتِ تحاولين أنْ تحبّيني.
*

كانت دمشق تبتعدُ، وكان قلبي ملفوفًا بعنايةٍ في حقيبةِ السفرِ، قلبي الذي تعرفينه جيّدًا، كان يعوي مثل ذئبٍ في صحراء الأردن، وأنا أقصُ الأثر خلف جوعٍ قديمٍ، لأني لم أشبعِ الحبّ مُذْ غادرتْني دمشقُ، فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَالله المسْتَعَانُ.

يمكنُ للشاعرِ أنْ يتحوَّلَ إلى ذئب (مقاطع)

قالتْ لهم: انظروا إلى الجبلِ، كي تروني
نظروا إليها، كي يروا الجبلَ
وكانت دمشق تبدو أقربَ، كلّما حدّثتُكِ عنها
فالأجسامُ التي نراها في المرآة تبدو أقربَ ممّا هي عليهِ في الواقع
وتلك التي تحملُ أرواحنا ابتعدتْ كثيرًا
وصارَ لزامًا عليها أنْ تأخذَ أقربَ وسيلة مواصلاتٍ للعودة
وهكذا…
يمكنُ للشاعرِ أنْ يتحوَّلَ إلى ذئبٍ
إنْ هو فكَّرَ في المرأةِ التي يحبّها بطريقةٍ مُمنهجة

 

اقرأ/ي أيضًا:

لا شيء يهتز.. حتى الهواء!

أنطوني هوروفيتز: شرلوك هولمز مات