06-أبريل-2017

هل يجمع حراك اللبنانية ما باعدته الاصطفافات بين الطلبة؟ (جوزيف براق/أ.ف.ب)

تتناوب أجيال من الطلاب اللبنانيين والعرب على ولوج البوابتين الشمالية والجنوبية لمجمع رفيق الحريري الجامعي في مدينة الحدث اللبنانية في كل عام، لتحصيل علومها في عدد كبير من الاختصاصات. ثم تواظب هذه الأجيال على الاجتهاد لنيل شهاداتها منه والخروج من نفس البوابتين إلى سوق العمل. ففي الكليات المتنوّعة للجامعة اللبنانية، التي جُمعت في رقعة واحدة تمتدّ على مساحة 700 ألف متر مربع، آلاف "طلّاب العلا" الذين يسهرون الليالي على أمل بناء مستقبلٍ أفضل في لبنان أو بلاد المهجر.

أدى الحراك الطلابي  في الجامعة اللبنانية على خلفية توقف الخدمات داخلها إلى تأجيل امتحانات الطلبة وتعطل الدروس

في المجمع نفسه، الذي بُني في "نقطة وسط" قريبة من العاصمة بيروت وعلى تخوم الجبل وليست ببعيدة من الجنوب، يتجلّى موزاييك المجتمع اللبناني، وإن كان يبدو ذلك، في كثير من الأحيان، على مضض وبلا كثير من البهجة. فالجامعة الرسمية هي "من حيث المبدأ" لكل اللبنانيين، ومع تنامي الجامعات الخاصة وارتفاع أقساطها، لم يعد من خيار سواها أمام الفقراء وسط الظروف المعيشية الضاغطة. غير أن الانقسامات السياسية العمودية في الشارع اللبناني انعكست هي الأخرى على هذه الجامعة التي لطالما شكّلت، بالنظر إلى تاريخها، مرآةً للواقع اللبناني بكل مساوئه وسيئاته.

اقرأ/ي أيضًا: حزب الله يجتاح كلية العلوم في الجامعة اللبنانية

وقد ساعد قرب المجمع من الضاحية الجنوبية، على سيطرة "حركة أمل" و"حزب الله" على مجالس كلياته الطلابية بالقوة بعد أن غابت الانتخابات "الديمقراطية" وانتشرت الأعلام والرايات الحسينية وسيطرت أعمال الضرب والبلطجة لفرض الرأي الواحد ومنع أي صوت معارض أو معترض داخل الحرم الجامعي ـ الرسمي.

هذه المشهدية العنفيّة أشاعت أجواءً تخالف الواقع عمومًا عن يوميات الطلاب في المجمّع فنفر من التسجيل في كلياتها آلاف الطلاب وآثروا التوجّه إلى بعض الجامعات ذات الأقساط المتوسطة هرباً من "المجهول". رغم أن الإشكالات نفسها، والتي تتراوح في ضراوتها بين التهديد اللفظي والضرب المبرح، كانت أصبحت مع الوقت روتينية في يوميات الطلاب الذين لا حول لهم ولا قوّة، بعد أن تحاشت الغالبية العظمى منهم التعاطي بالشأن السياسي ولو كان ذلك في حرم كلية الحقوق والعلوم السياسية.   

ما تقدّم، ووسط صمت القيّمين على الجامعة بدءًا من مدراء كلياتها وصولًا إلى رئاستها، لم يحُلْ في تماديه خلال اشتداد الأزمات السياسية دون متابعة "شبه" طبيعية للأعوام الدراسية على امتداد ما يزيد عن العقد من الزمن وتحديدًا منذ فترة بدء الاصطفاف السياسي بين معسكري الثامن والرابع عشر من آذار، عقب اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري. لا سيما مع غياب أي حالة اعتراض طلابية معارضة أو عابرة للانقسامات على أوضاع الجامعة اللبنانية في المجمع وفي أي فرع خارجه.

أعاد حراك طلاب الجامعة اللبنانية إلى الأذهان أمجاد الحركة الطلابية السابقة بعيدًا عن الاصطفافات السياسية والطائفية

اقرأ/ي أيضًا: الجامعة اللبنانية.. "حارة كل مين إيدو إلو"

الطارئ على المياه الراكدة في الجامعة اللبنانية، كان الحراك الطلابي الذي ظهر قبل أيام على خلفية توقف الخدمات داخل "حرم" الحدث. فبعد أن رست مناقصة تشغيل وصيانة المجمع على شركة جديدة، قامت هذه الشركة بصرف عمال الشركة السابقة، مما دفع هؤلاء العمل إلى إعلان إضراب مفتوح اعتراضاً على "قطع أرزاقهم" وانقطعت نتيجة لذلك المياه وتبعها انقطاع الكهرباء. وراح الطلّاب يحضرون صفوفهم في القاعات على ضوء الشموع والهواتف الذكية، ليتمّ مؤخراً تأجيل امتحاناتهم في الدروس التي كانوا واظبوا على متابعتها في العتمة، دافعين بذلك فاتورةً باهظة على حساب عامهم الدراسي.

حراك طلاب "الحدث" المفاجئ في حشده، كان إذن هو الحدث الجديد، فقد رفعوا أصواتهم المندّدة بالاستهتار المتعمّد والممارس بحقهم، بعد أن لمّوا شملهم وتوحّدوا على اختلاف ألوانهم السياسية وانتماءاتهم المناطقية والطائفية والمذهبية، وذلك لرفض تحويلهم إلى "كبش محرقة" في الخلافات القائمة بين الشركة الجديدة وموظفي الشركة السابقة وللمطالبة بحقهم الطبيعي بالدراسة والخضوع للامتحان.   

ورغم أن التحرك الطلابي المطلبي لم يلقَ حتى الساعة أي آذان صاغية تبادر إلى تحييد الطلاب ومستقبلهم عن أزمة لا علاقة لهم بها لا من قريب ولا من بعيد، إلا أنه أعاد إلى الأذهان "أمجاد" الحركة الطلابية في خمسينات القرن الماضي، والتي حملت هموم الطالب ومصالحه وخرجت في تظاهرات بهدف الضغط على المجلس النيابي لتشريع قوانين تصب في مصلحة الجامعة ثم تشرذمت بعدما نخرتها الانقسامات السياسية. فهل يجمع "مجمع الحدث" ما باعدته الاصطفافات وتُضيء "العتمة" شعلة النضال الطلابي من جديد؟

 

اقرأ/ي أيضًا:

ملف التعاقد في "اللبنانية".. تنفيعات وفضائح

"بلطجة" حزب الله في الجامعة اللبنانية.. لا لفيروز