17-فبراير-2019

لوحة عجوزان يأكلان لـ غويا

ظلّت اللوحات السوداء التي أنجزها الرّسام الإسباني فرانسيسكو دي غويّا بين عاميّ 1819-1823 محطّ اهتمام الدّراسات الفنية عبر سنين طويلة.  

إلّا أنّه ثمّة إجماع من الباحثين على أنّ هذه السلسلة من اللوحات عكست اختلاجات غويّا الأصدق بعد تخطّيه السبعين من العمر، ووفاة زوجته الذي أودى به إلى الانتقال للعيش في منزل ريفي اشتراه في ضاحية كارابانتيشل على ضفاف نهر المانثاناريس في أطراف مدريد بعد أن كان مرضه قد تفاقم على إثر إصابته بجرثومة مجهولة فدخل مرحلة جديدة أصابته بالطرش.

رسم غويا اللوحات السوداء على جدران المنزل الذي سكنه

شكّل كل هذا البؤس والانعزال بالإضافة إلى سياق سياسي سنأتي على ذكره حالة سوداويّة دفعته لإنجاز رسوماته السوداء على جدران هذا المنزل دون أن يطلق حتّى الأسماء عليها،  وهو الرّسّام الذي درس في ايطاليا واعتاد رسم المعارك والملوك في البلاطات تخليدًا لهم. 

لكن ما هي اللوحات السّوداء، وفي أي ظرف تاريخي قام غويّا برسمها؟

ووفقًا للصفحة الرّسميّة لمتحف البرادو في مدريد، وهو المتحف الذي يحتضن عديد أعمال غويّا بما فيها اللوحات السوداء فإنّ هذه المجموعة تضمّ  أربعة عشر عملًا بالألوان الزيتيّة أُنجزت على جدران طابقيّ المنزل الذي يطلق عليه اسم "كينتا ديل سوردو" أو منزل الأطرش. غير أنّ صاحب المنزل السّابق الذي اشتراه منه غويّا كان أصمًّا لذلك فإنّ التسمية على الأرجح لم تكن بسبب غويّا نفسه. وكان الرّسّام العجوز أواخر حياته قد غادر الكينتا ديل سوردو ليستقرّ في فرنسا عام 1823 ويموت فيها عقب اشتداد المرض مضطرًّا لأن يطلب إذنًا بمغادرة إسبانيا من الملك فيرناندو السّابع الذي منحه هذا الإذن بغية تلقّي العلاج في منتيجع بلومبيير قرب مدينة بوردو الفرنسية.

اقرأ/ي أيضًا: 10 أعمال فنية عالمية يجب على كل مهتم معرفتها

قام الرسّام سالفادور مارتينيث فيما بعد بنقل اللوحات السّوداء إلى القماش بطلب من مالكها فريدريك ايميل ديرلانجيه

الذي اشترى المنزل من حفيد غويّا ماريانو مع اللوحات عام 1859 أي بعد نحو ثلاثين عامًا من وفاة غويّا. وقد حاول فريدريك عرض اللوحات في العاصمة الفرنسيّة باريس لبيعها دون أن يفلح بذلك ليقوم بعدها بالتبرّع بها لإسبانيا التي عرضتها في متحف البرادو عام 1881.

تعتبر هذه المجموعة من أبرز أعمال الرّسام الإسباني، فهي في وقت مبكّر قاربت التجريد، والرسم التصويري الذي ظهر في القرن العشرين. ويهيمن السواد على اللوحات لونًا ومضمونًا، وتظهر شخوص الرّسم لديه مشوّهة وشاحبة، إنّها وجوه تشبه الأشباح عكست الحالة الصحيّة والنفسيّة البائسة لرسّامها الليبيرالي المحبط من الأوضاع السيّاسيّة في إسبانيا.

 عاصر غويّا الثورة الفرنسيّة منذ بداياتها عام 1789، وكان متعاطفًا مع قيمها بيد أنّه رفض احتلال فرنسا لإسبانيا عام 1808، ووقف موقفًا وطنيًّا خلال حرب الاستقلال وإعادة الملك فيرناندو السّابع إلى الحكم بعد الفرار المؤقّت للملكيّة الإسبانية خارج البلاد.

لكنّ غويّا المناصر للأفكار التحرّريّة سيغادر إسبانيا هربًا من مدريد والملك فيرناندو السابع لعدم قدرته على تحمّل التضييق والملاحقة، فقد تقدّم به السّن واستشرى في جسده المرض، رحل تاركًا وراءه لوحات تشاؤمه السوداء على جدران المنزل الذي تنازل عنه لحفيده ماريانو.

وفي دراسة نشرها عام 2003 الباحث خوان خوسيه خونكيرا أستاذ تاريخ الفن في جامعة الكومبولتينسيه في مدريد شكّك فيها بقيام غويّا برسم اللوحات السوداء، أو على الأقل ببعضٍ منها مرجّحًا أن يكون ابنه خابيير غويّا قد رسم عدّة من  هذه الأعمال السوداء. وخابيير هو والد ماريانو، لم يأتِ لزيارة والده فرانسيسكو دي غويّا الذي تراجعت صحّته في أسبوعه الأخير بعد أن وصلت زوجة خابيير وماريانو ابنهما لزيارته في فرنسا. ومات غويّا بحسرة رؤية خابيير في النهاية.


اللوحات الأربع عشرة

1- ساتورن يأكل ابنه

لعلّ أبرز لوحات غويّا السوداء هي "ساتورن يأكل ابنه"، الذي صوّر فيها إله الخصب والحصاد الرّوماني ساتورنو وهو يلتهم بذعر ولدًا صغيرًا في إشارة إلى فظائع الحرب والفقر وظهرت الخلفيّة سوداء تمامًا في الرسم.

2- كلب نصف غارق

في لوحة أخرى أُطلق عليها اسم "كلب نصف غارق"، يظهر كلب خائف من الغرق والموت وقد ابتلعته مياه غريبة في فضاء أغرب تسوده الألوان الشاحبة.

 

3- مبارزة بالعصيّ

سُمّيت مبارزة بالعصيّ. يظهر إسبانيّان يتصارعان بالعصي في أرضٍ متصحّرة، في دلالة إلى إسبانيا وقد غمرت المياه قدميهما حتّى الركب، للتدليل على الصراع الإسباني-الإسباني الناجم عن تمسّك بعض الإسبان بالتقاليد القديمة ضد التحرّريّين الذين أرادوا إصلاح الحياة السياسيّة والاجتماعيّة.

 

4- اجتماع السحرة

في اجتماع السحرة، تظهر مجموعة من السحرة قبيحي المظهر، وجوههم مشوّهة وقد ترأسهم ذكر ماعز، وعلى يمينه امرأةُ متّشحةٌ بالحداد.

 

5- حج القدّيس اسيدريو

هذه لوحة ملأى بالحشود من البؤساء، في مشهد كتيم، بالغ السوداوية.

6- سانتو أوفيثيو  

تظهر طوابير من الناس الذين يبدو انّهم يذكِّرون بالنازحين الهاربين من ويلات الحرب وقد امتلأت تعابير وجوههم بالذعر.

 

7- عجوزان يأكلان

ربّما أراد غويا في هذه اللوحة تصوير صعوبة الحياة عندما يبلغ أحدنا سنّ الشيخوخة، يظهر العجوزان نحيلين متعبين وكأنّ صحتهما متدهورة وتعابير وجهيهما تحمل الخوف والحرمان.

 

8- عجوزان

هي الأخرى تحمل معنى مشابهًا، وقد صورّت عجوزين أحدهما يحمل ملامح مشوّهة أو مخيفة وهو يحاول التهام آخر وقور ومسنّ.

 

9- سيّدتان ورجل

تظهر فتاتان وصبي، ويبدو أنّ ثلاثتهم يعاني من  إعاقة أو تشويه، يطلقون ابتسامات مخيفة أقرب أن تكون إلى شرّيرة في جوٍّ يعمّه اللون الأسود.

 

10- القراءة

في هذه اللوحة، خمسة رجال يحاولون القراءة لكنّهم جميعًا مغمضو الأعين لا يبصرون.

11- أتروبوس

هو اسم آلهة القدر أو المصير اليونانيّة، ولعل غويا أراد تقدير تفسير آخر لهذه الحكاية.

12- الرؤيا الرهيبة

تظهر فيهما كائنات غريبة تطفو في الهواء في مشهد ملحمي يحمل الكثير من المعاني المتصلة بالواقع الإسباني آنذاك.

 

 13- جوديت وهولوفيرنيس

لوحة مستوحاة من إحدى قصص الكتاب المقدس.

14- مانولا

آخر اللوحات السوداء بعنوان مانولا، تظهر فيها امرأة يبدو عليها التشاؤم واضحًا.

اقرأ/ي أيضًا:

لماذا يحبّ الآسيويون بيكاسو إلى هذا الحد؟

فيلم "موديلياني".. سيرة الموت اللامتناهي