تموز
وبازلت غوزانا في متحف البرغامون:
الإنسان برأس أسد،
الرجال الثيران،
وجنّ مجنحة.
وأنتِ خلخال آسيا ونجمتها الساحرة
وحنين صخر ما قبل التاريخ!
أعداؤك يا حبيبتي - أيتها
الدافئة كبيوت الطين - مَن هم؟
أعداؤك يا حبيبتي - أيتها
الرسولة الآثمة - من أي الجهات أتوا؟
ما أزال في برلين
أغادر جزيرة المتاحف
وفي نفسي أشياء منكِ:
الشرق الأدنى بلادي
مِلْءُ حنجرتي عتاب
وجفناك غبار وسراب.
شيء عن النشيد
الوقت الآن ظهرًا
في ساحة الساعة
هتف الحشد:
حرية..
جفّت
أنهر وحناجر،
وفرّت مذعورة
أسراب القطاة.
(وكنتِ الظلال الوارفة على تخوم الصحراء
أيتها الجميلة المتعبة منذ قرون)
تبدل الحشد
والطوائف
والآلهة جميعها:
طرقوا بابك المحصن بالعيون النحاسية
والتمائم والبخور
لم تفتح لهم..
طرقنا بابك
لم تفتح لنا..
صيّرنا الخوف واحدًا
وكنا قبل ذلك
في الحب
وفي الكره
أقانيم الإله.
في الساحات العامة داهمنا البكاء
أصابنا الرصاص
وتفجّرت الينابيع جثثًا حمراء،
طفَت..
(الموت يطفو)
فسد الماء
تفرق الحشد
سقط الرفاق
وراحت غربان سود
تصيح: غاااق غاااق غاااق
وهي تضرب بأجنحتها رؤوس المخبرين
وتبحث في الأرض
لترينا كيف نواري سوءتنا
وقلنا:
يا ويلتنا من هذا العجز
لنصبحنّ من النادمين.
العهد القديم: سفر أخبار الأيام الأول
تحت جسر الرئيس
مياه آسنة
وأطفال جوعى
يستنشقون حشيش رخيص
وآخرون يلقون بأنفسهم من فوق الجسر
أمام السيارات
وتحت أقدام المارة
أشباحٌ كانت في البدء بشرًا طيبين!
(أهل
هذه المدينة
كلهم
موتى..)
العهد الجديد: سفر السقوط
فجر الثامن من ديسمبر
آليات عسكرية تُركت
في الطرقات
وبزّات جنود فروا
رميت في حاويات القمامة.
فرّ الرئيس
انتهت المعركة، قالوا.
تعالت الزغاريد
تساقطت الدموع
نُثر الياسمين
نُكست أعلام
رُفعت أعلام
انتهت معركة.
بدّل الموت ثيابه،
واختلط علينا:
إلى أي حد كنا جناة؟
إلى أي حد كنا الضحايا؟
العهد القديم: سفر أخبار الأيام الثاني
وحشة المدينة في الشتاء
تنخر العظام
الأحياء معتمة
مولدات الكهرباء لا تعمل
أفران الخبز أُغلقت على طابور الانتظار بمن فيه
والمخبرون ورجال الأمن يلاحقوننا في كل مكان.
عرفنا من لغتهم
أنهم ليسوا سلافيين ولا فرسًا
وقد عرفونا جيدًا
وكان الحصار.
وكنا في الريح
التي تصفر خارج الأبواب.
وتركتنا
لكل ما يفترس دمنا،
ورحتِ تؤرخين أسباب موتنا:
لا علامات تدل على التعذيب
(أسباب الوفاة: طبيعية
ماتوا بذبحة قلبية).
ورحتِ تسرفين في العاصفة
أنّى ولّينا وجوهنا
أياً كانت الجدران التي لذنا بها
اقتلعتنا الريح
وقلنا:
البحر من الآن أهلنا
سننشغل بشؤوننا الصغيرة بعد أن نقطعه
وسنحرص ألا يتعرف إلينا أحد:
فليس للحزن أن يشي بنا
ولا نوبات الهلع..
لا عقد الناجين
ولا اضطرابات ما بعد الصدمة؛
الأسنمة فوق الظهور المحدودبة
لا شيء من ذلك له أن يدّل علينا..
(لكنتنا الأجنبية وحدها ما يُثير القلق)
البحر وعشر سنين
تحت ظل الظهيرة
لمبنى ذا طراز ستاليني من الحقبة السوفيتية
في شارع "كارل ماركس أليه"
أرى ماضياً محفوظاً بعناية الألمان وصرامتهم
رغم ما يُقال بأن الإنكار مر أيضاً من هنا.
وأرى جسدك الضئيل يا حبيبتي
مثخناً بجراح ملؤها يرقات صغيرة
ما أن تتكاثر
وتقف على ساقين
سرعان ما تخفي القتيل
وعلى عجل تمحي الأدلة..
يقول مذيع الأخبار في النشرة المسائية:
تقصينا الحقائق
أظهرنا شجاعة لا نظير لها
والآن أقول لكم:
الذاكرة تكذب
كُفوا
وحدهم الحمقى يدّعون ما لا يستطيعون إثباته!
(القتلة يتجولون بيننا
القتلة منّا)
من سيحفظ ذاكرتنا من النسيان؟
أسمع الموتى يصرخون
تعبنا..
العفو
العفو
بعد الآن سيحل السلم..
أي سلم بعد الآن؟
وأية مغفرة؟