يصور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الحرب في أوكرانيا على أنها اللحظة الفاصلة في علاقة روسيا مع الغرب، لكن كثر يتوجسون من أن بوتين وضع البلاد على مسار طويل ومكلف بلا داعٍ، من ناحية الموارد والأرواح.
منذ بداية غزو أوكرانيا، شددت السلطات الروسية حملتها على معارضة الحرب، عبر تمرير تشريع ينص على أحكام بالسجن تصل إلى 15 عامًا لكل من ينشر "معلومات كاذبة عن الجيش"
وخلال إعطاءه الأوامر لقواته بغزو أوكرانيا في 24 شباط/فبراير 2022، كان حاكم الكرملين يأمل في تحقيق نصرٍ سريع، يضع له مكانًا في التاريخ إلى جانب العظماء الروس، عن طريق مواجهة الغرب وحلف الناتو وتعزيز دور روسيا العالمي، مستحضرًا لحظات قومية، مثل مواجهة الاتحاد السوفيتي لألمانيا النازية، مقدمًا نفسه باعتباره محاربًا لـ"النازية الجديدة".
رهان بوتين فشل، فيما أودت الحرب بحياة الآلاف من الجنود، ووصمت روسيا حول العالم باعتبارها مرتكبةً لجرائم الحرب، وخضعت لعقوبات قاسية من قبل الغرب، والأهم أن بوتين لا يتحدث عن نهاية وشيكة للحرب. إلى جانب كل ذلك، عمل بوتين على إظهار روسيا باعتبارها كتلةً واحدةً تواجه الغرب، بشكلٍ متجانس، وفوضته من أجل القيام بهذه المهمة.
عملية عسكرية وليست حرب
تبددت آمال بوتين في إعادة الاعتبار لسمعته، والأمر أصبح أكثر صعوبة وتكلفة، خاصةً مع احتلال مساحات محدودة نسبيًا، أو لا تلبي الأهداف الروسية من الحرب أو "العملية العسكرية الخاصة"، كما تصفها موسكو، بحجم خسائر كبير، دفع بوتين إلى إنشاء صندوق خاص لضحايا الحرب.
أمّا التصور الذي يقدمه بوتين، فهو أكبر من الحرب على أوكرانيا فعليًا، فهو يرى نفسه في حرب تواجه الغرب، وتخوضها أوكرانيا بالوكالة، هذا التصور البوتيني، كان أساس التعامل الروسي الداخلي مع الحرب.
منذ بداية غزو أوكرانيا، شددت السلطات الروسية حملتها على معارضة الحرب، عبر تمرير تشريع ينص على أحكام بالسجن تصل إلى 15 عامًا لكل من ينشر "معلومات كاذبة عن الجيش". وشنت قوى الأمن الروسي حملات اعتقالات ضد كل الأصوات التي عارضت الحرب. وتم التنكيل بالمتظاهرين في الشوارع خلال الأيام الأولى للغزو، وقدرت منظمة "OVD-Info" غير الحكومية، المتخصصة في رصد التظاهرات، عدد المعتقلين المعارضين للحرب، بحدود العشرين ألف مواطن روسي، منذ بداية الغزو في أنحاء متفرقة من البلاد.
ووصلت هذه الاعتقالات إلى صحفيين وصفوا، الغزو الروسي لأوكرانيا بـ"الحرب"، وذلك بعد إعلان بوتين انطلاق "العملية العسكرية الخاصة"، رافضًا وصفها بالحرب، وعلى هذا الأساس نفذت بعض الاعتقالات.
كيف تطورت قوانين معارضة الحرب؟
أدخلت روسيا إضافات مهمة على مادتين من القانون الجنائي الروسي بموجب قانون صدر في 4 آذار/مارس 2022، ونصت المادة 208.3 على أن "الأفعال التي تهدف إلى تشويه سمعة القوات المسلحة للاتحاد الروسي"، يُعاقب عليها بغرامات وأحكام بالسجن تصل إلى ثلاثة أعوام في حدها الأدنى، وتصل إلى خمسة أعوام إذا نجم عنها ضرر للحياة أو الممتلكات، أو للنظام العام والأمن.
أما المادة 207.3 من القانون الجنائي الروسي، وبعد تعديلها فقد نصت على أن "النشر العلني لمعلومات كاذبة عمدًا عن القوات المسلحة للاتحاد الروسي"، يعاقب عليه القانون بغرامات وأحكام بالسجن تتراوح ما بين ثلاثة أو خمسة أو عشرة أعوام.
ويقول المحامي والناشط في مجال حقوق الإنسان بافيل تشيكوف، إنه تم فتح حوالي 3500 قضية بتهم "تشويه سمعة الجيش [الروسي]"، وأن جميع المتورطين تقريبًا تمت إدانتهم بلوائح اتهام.
وأضاف أن التعامل مع هذه القضايا في البداية كان على أساس أنها "مخالفات"، لا تؤدي ينتج عنها إلّا أحكام بالغرامة المالية، لكن أي شخص يتحدث الآن عن معارضته للحرب، فهو يخاطر بالملاحقة الجنائية.
وبحلول آب/ أغسطس من العام الماضي فتحت أكثر من 85 قضيةً جنائيةً تتعلق بنشر "معلومات كاذبة"، وفقًا لمنظمة "Agora" التي تعنى بحقوق الإنسان.
كسر حاجز الخوف
رغم حملات القمع والتضييق التي مارستها السلطات الروسية تجاه معارضي الحرب، إلا أن حاجز الخوف كسر. وبرزت على الساحة الروسية أصوات مناهضة للحرب بشكلٍ لافت.
ففي آذار/مارس 2022، اقتحمت الصحافية الروسية مارينا أوفسيانيكوفا بثًا مباشرًا في القناة الحكومية الأولى التي تعمل فيها، حاملةً لافتةً كتب عليها "لا للحرب"، باللغة الإنجليزية. وكان ذلك حدثًا غير عاديًا في روسيا، حيث تخضع وسائل الإعلام الحكومية لرقابة صارمة.
اعتقلت أوفسيانيكوفا وتعرضت للاستجواب قبل أن يتم إطلاق سراحها، وواصلت أوفسيانيكوفا الاحتجاج على الحرب بعد أن تركت وظيفتها في القناة الأولى، واتُهمت في آب/ أغسطس من العام الماضي بنشر معلومات كاذبة عن الجيش الروسي بسبب رفع ملصق كتب عليه "بوتين قاتل، وجنوده فاشيون". وبعد ذلك، وضعت قيد الإقامة الجبرية، وكانت تواجه عقوبة بالسجن تصل إلى 10 سنوات إذا ثبتت إدانتها. لتتمكن من الفرار إلى خارج روسيا في تشرين أول/أكتوبر 2022. وبعد فترة تخرج عن صمتها، وتصدر كتابًا تكشف فيه تفاصيل الدعاية الإعلامية التي يعتمدها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
سلط هروب أوفسيانيكوفا، الضوء على شبكات سرية أنقذت مئات المعارضين الروس المناهضين للحرب، وكيفية نقلهم خارج البلاد. وكان عمل تلك الشبكات يتمثل في تأمين طرق الهروب، عبر توفير سيارات وأموال للسفر، ومنازل آمنة، وطرق للوصول إلى المعابر الحدودية، وتأشيرات للسفر، بعيدًا عن أعين المخبرين وكاميرات المراقبة.
هزيمة في أوكرانيا وتصاعد معارضة في روسيا
مع تزايد هزائم الجيش الروسي في أوكرانيا، وتحطيم آمال بوتين في النصر، رفع الرئيس من حدة خطابه تجاه معارضي الحرب. ففي خطاب أمام أنصاره، شبه بوتين المعارضين بــ"البعوض الذي يحاول إضعاف البلاد بأمر من الغرب"، وقال "سيكون الشعب الروسي دائمًا قادرًا على التمييز بين الوطنيين الحقيقيين والحثالة والخونة، وسيبصقهم ببساطة مثل البعوض الذي طار بطريق الخطأ في الفم، ويتم رميه على الرصيف"، وأضاف "أنا مقتنع بأن مثل هذا التطهير الذاتي الطبيعي والضروري للمجتمع، لن يؤدي إلا تتقوية بلدنا وتضامننا وتماسكنا واستعدادنا لمواجهة أي تحديات".
وحملت هذه اللغة الفظة، مؤشرًا على اتساع حملات القمع تجاه معارضة الحرب. فقد أعلنت لجنة التحقيق الحكومية الروسية فتح تحقيقات جنائية ضد عددٍ من الأشخاص متهمين بنشر "معلومات كاذبة" حول "العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا". ومن بين هؤلاء الأشخاص فيرونيكا بيلوتسركوفسكايا، وهي صحفية روسية ومدونة ومقدمة برامج تلفزيونية، ورائدة أعمال ومؤلفة عدد من الكتب عن المطبخ الفرنسي والإيطالي، وكانت تعيش بين روسيا وجنوب فرنسا.
بدت فيرونيكا وكأنها الهدف المناسب لوصف بوتين الفظ للروس الذين يرفضون الحرب والذين وصفهم بـ"الحثالة والخونة". وقالت لجنة التحقيق إنها ستتحرك لإصدار مذكرة توقيف دولية بحق بيلوتسركوفسكايا، بعد إدانتها غيابيًا بتسعة أعوام سجن، بتهمة نشر معلومات كاذبة عن الجيش على "إنستعرام".
وردت بيلوتسركوفسكايا، على قرار المحكمة عبر حسابها بـ"إنستغرام"، بأنها "ولدت في أوديسا جنوبي أوكرانيا"، وأضافت "أنا من ناحية مرتبكة، ومن ناحية أخرى فخورة بالطبع". وتعتبر قضية بيلوتسركوفسكايا من القضايا التي يتم الحكم فيها بموجب التشريع الجديد الذي يعاقب على "نشر معلومات تحط من قدر الجيش الروسي". وبيلوتسركوفسكايا هي ثاني شخصية عامة بارزة تدان غيابيًا. فقد قضت محكمة في موسكو بسجن الصحفي التلفزيوني والنائب البرلماني السابق ألكسندر نيفزوروف، غيابيًا لمدة ثمانية أعوام. واتهم نيفزوروف بنشر معلومات كاذبة على مواقع التواصل الاجتماعي بشأن قصف روسي لمستشفى ولادة في مدينة ماريوبول الأوكرانية.
كما سجن عضو مجلس بلدية موسكو أليكسي غورينوف، لمدة سبعة أعوام بعد أن تم تصويره وهو يتحدث ضد الحرب الروسية في أوكرانيا، خلال اجتماع لمجلس المدينة. وأدانت المحكمة غورينوف بتهمة "نشر معلومات كاذبة بشكل واضح عن الجيش الروسي، مستغلًا مهامه الرسمية، وقيامه بذلك في إطار مجموعة منظمة مدفوعة بالكراهية السياسية".
وشدّد غورينوف أثناء محاكمته على أنه "ضدّ كل الحروب"، مشيرًا إلى أن "والده عاد معاقًا من الحرب العالمية الثانية"، وذكر غورينوف، أسماء مدن أوكرانية مثل بوتشا حيث تتهم القوات الروسية بارتكاب جرائم حرب وانتهاكات داخلها.
وقبل ذلك حُكم على إيليا ياشين، وهوما أحد منتقدي الكرملين القلائل الذين بقوا في روسيا، بالسجن لمدة ثمانية أعوام ونصف، بعد إدانته بتهم مرتبطة بانتقاده لطريقة تعامل الكرملين مع الوضع بأوكرانيا.
واتهم ياشين خلال بث فيديو مباشر على موقع يوتيوب قبل اعتقاله القوات الروسية بالمسؤولية عن "مقتل أوكرانيين في ضاحية بوتشا قرب كييف". وتحدث ياشين قبل النطق بالحكم وعبر عن رفضه لتلك الاتهامات باعتبارها ذات دوافع سياسية. وحث بوتين على "وقف هذا الجنون فورًا، والاعتراف بأن السياسة بشأن أوكرانيا كانت خاطئة"، داعيًا لـ"سحب القوات الروسية من أوكرانيا والتحول إلى تسوية دبلوماسية للصراع".
وفي آخر فصول تلك المحاكمات التي تستهدف معارضي الحرب، حكمت محكمة روسية في سيبيريا بسجن الصحفية ماريا بونومارينكو بالسجن لمدة ستة أعوام، والمنع من ممارسة مهنة الصحافة لمدة خمسة أعوام.
واتهمت المحكمة، بونومارينكو بنشر "أخبار كاذبة"، بموجب التشريع الذي تم سنه بهدف خنق أصوات المعارضة لغزو أوكرانيا. وكانت الصحفية الروسية، قد اتهمت القوات الروسية بالوقوف وراء غارة استهدفت مسرح مدينة ماريوبول، وأدى القصف إلى مقتل المئات من المدنيين الأوكرانيين.
كما ضمت السلطات الروسية ممثلًا شهيرًا إلى قائمة "العملاء الأجانب" بعدما أبدى استعداده للقتال إلى جانب القوات الأوكرانية ضد القوات الروسية. وغادر آرثر سموليانينوف روسيا، بعد حملة التضييق التي طالت الآلاف من الروس بعد شن الكرملين حربه على أوكرانيا. وقال الممثل المعروف في روسيا، بدوره في فيلم "الفرقة التاسعة" الذي عرض عام 2005 وتدور أحداثه حول الغزو السوفياتي لأفغانستان، في مقابلة مع صحيفة روسية معارضة، إن "شاركت في هذه الحرب فسيكون ذلك إلى جانب أوكرانيا".
وأضاف أنه لا يكترث لما قد يحصل لروسيا مستقبلًا حتى لو تحولت إلى "رماد مشع"، وهو ما أثار غضب وتنديد كبير من قبل أعضاء بمجلس النواب الروسي. وطالب النواب من لجنة التحقيقات البداية في إجراءات قضية جنائية ضد سموليانينوف.
وفي حزيران/يونيو من العام الماضي، شددت السلطات الروسية من القانون المتعلق بـ"العملاء الأجانب"، وصنفت شخصيات روسية معارضة في فئة "العملاء الأجانب"، من بينهم الناقد الموسيقي أرتيمي ترويتسكي المقيم في المنفى والمعروف بمعارضته لسياسة بوتين.
الحرب تصل روسيا
مع بداية الهجوم الأوكراني المعاكس، في شهر أيلول/ سبتمبر 2022، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التعبئة الجزئية لجنود الاحتياط، من خلال خطة لتجنيد 300 ألف شخص، في تصعيدٍ جديد للحرب بأوكرانيا. شكل هذا القرار نقطة تحول، فالسلطة الحاكمة في موسكو، حافظت حتى ذلك الوقت على استقرار المجتمع، وحرصت على استمرار المواطنين في العيش بشكلٍ طبيعي، مقابل دعمهم لقراراتها.
القرار السابق المرتبط في خطة التعبئة الجزئية، والذي ترافق مع انتكاسات الجيش الروسي في أوكرانيا، كان له معنى واحد أساسي داخل روسيا وهو أن "الحرب أصبحت تطرق أبواب المواطنين الروس"، إذ سبق وتحدثت الحكومة الروسية عن عدم تواجهها إلى هذا الخيار.
نتيجة القرار كانت خرج المئات من معارضي الحرب في أوكرانيا إلى الشوارع، وواجهتهم قوى الأمن بحملة اعتقالات واسعة. ولم يقتصر الأمر على الشارع، إذ انتقل حتى إلى صفوف مجالس الحكم المنتخبة، فقد كتب العديد من المسؤولين المحليين المنتخبين في إحدى بلديات سانت بطرسبرغ خطابًا يطالبون فيه بـ"إقالة الرئيس بتهمة الخيانة العظمى"، وتم توزيع عريضة موقعة من حوالي 60 مسؤولًا منتخبًا. ونشر المسؤولون، تفاصيل الطلب الذي تقدموا به للبرلمان، حيث قالوا إن "بوتين مسؤول عن هلاك الشباب الروس الأصحاء الذين يمكنهم الانضمام إلى سوق العمل أفضل من الانضمام إلى الجيش، والتسبب في الانكماش الاقتصادي لروسيا وهجرة الأدمغة".
بعد هذه العريضة، جاء رد الشرطة سريعًا، فقد أبلغ النواب الموقعين على العريضة، بأنهم يواجهون تهمًا قانونية تتعلق بـ"تشويه سمعة الحكومة الروسية". وعلى الرغم من محدودية الخطوة، لكن أبعادها الرمزية داخل روسيا كانت كبيرةً.
ذراع مكسور بدلًا من الحرب
شكل قرار السلطة بالتعبئة، نقلةً جديدةً في طرق وأساليب المعارضة، بدءًا بعمليات الهروب الواسعة خارج روسيا، إذ اختار البعض الهروب إلى خارج روسيا كي لا يجازفوا بإرسالهم إلى الجبهة، بعد أن أصبح حصولهم على إعفاء لأسباب طبية أو مهنية غير مضمون.
وانتشرت ظاهرة واسعة، تمثلت في قيام الشبان بكسر ساقٍ أو ذراع، لتجنب التجنيد. كما تم اتباع تكتيكات أخرى، منها عدم الإبلاغ عن تغيير عنوان السكن، والإقامة في منطقة نائية، والتواري في المدن الكبيرة، من خلال تجنب الأماكن التي يمكن للشرطة إجراء عمليات تفتيش فيها.
ومع تسلم مئات الآلاف من جنود الاحتياط المدنيين أمر استدعائهم، فضل عدد غير معروف منهم عدم الاستجابة للاستدعاء.
يشير المعارض الروسي ميخائيل خودوركوفسكي، إلى أنه من غير المرجح التوصل إلى السلام في أوكرانيا، وطالما بقي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في السلطة، فإن الحرب لن تنتهي.
وبحسب خودوركوفسكي، الحرب بأوكرانيا تسببت في انقسامات عميقة داخل المجتمع الروسي، مع حدوث انشقاقات حتى داخل العائلات. وأضاف أن هذه ليست حربًا من الشعب الروسي. وأوضح أنه إذا كان 15% إلى 20% من الناس ضد الحرب، في ظل أجواء تحكمها القبضة الأمنية والسلطة الديكتاتورية، فعلينا اعتبار ذلك أمرً كبيرًا، في ظل أن "الدعم المؤثر للحرب أو الرغبة في التجنيد في صفوف الجيش الروسي ضعيفة".
وقال خودوركوفسكي، خلال الافتتاح الرسمي لمؤتمر "ميونخ للأمن والتعاون" والذي حضره بصفته معارضًا روسيًا بدلًا من دعوة الدولة الروسية، إن بوتين يحاول إقناع الناس بأن سبب الحرب غير مهم، لكن تلك الهزيمة ستكون ضارة لهم ولعائلاتهم.
كيف يتظاهر الروس ضد الحرب؟
تخلل روسيا عشرات المظاهرات في بداية الغزو الروسي، تم مواجهتها سريعًا، وأصبح مشهد انتشار الشرطة وسط موسكو، أمرًا مألوفًا بشكلٍ كبير، فيما تحول شكل المظاهرات والاعتراض على الحرب إلى وقفات بأعداد قليلة أو وضع الزهور في محيط تماثيل كتاب أوكران.
ففي موسكو، وبعد الهجوم الروسي على دنيبرو الذي أسقط أكبر حصيلة داخل أوكرانيا في ضربة واحدة منذ بداية الحرب تحول تمثال الشاعرة الأوكرانية ليسيا أوكرينكا (عاشت في الإمبراطورية الروسية)، إلى مزار لوضع الزهور وذلك تعبيرًا عن مناهضة الحرب.
وتحول موقع التمثال إلى ساحة صراع مع السلطات الروسية، التي تعمل باستمرار على إزالة الزهور، في واحدة من الاحتجاجات العامة المحدودة ضد الحرب، كما تعمل الشرطة على منع تصوير النصب التذكاري، فيما يتواجد الروس الرافضين للحرب بمجموعات محدودة أمام تمثل حتى لا يتم اعتقالهم بتهمة التجمهر غير القانوني.
روسيا على صورة بوتين
وصلت الخسائر الروسية إلى حوالي 200 ألف شخص في الحرب بأوكرانيا ما بين مصاب وجريح، ورغم المعارضة الروسية للحرب، إلّا أن بوتين مستمر في استدعاء المشاعر القومية بشكلٍ أكبر. اليوم وبحسب تقرير لـ"نيويورك تايمز"، يتعلم الأطفال في المدارس أن"الجيش الروسي حرّر البشرية دائمًا من المعتدين الذين يسعون للهيمنة على العالم"، ومع تصفية المعارض المناهضة للحرب بين المثقفين والفنانين، أصبحت المعارض الفنية تتحدث عن "حلف الناتو"، والمسرحيات عن "النازية" ومواجهتها.
وبحسب التقرير، اليوم احتلت الجماعات القومية مركز الصدارة في روسيا، وساهمت انتكاسات الجيش الروسي في منح بوتين وسلطات موسكو الفرصة من أجل إعادة تشكيل روسيا و"الذهاب أبعد مما كان يعتقد الكثيرون أنه ممكن في إعادة تشكيل روسيا على صورته".
اليوم احتلت الجماعات القومية مركز الصدارة في روسيا، وساهمت انتكاسات الجيش الروسي في منح بوتين وسلطات موسكو الفرصة من أجل إعادة تشكيل روسيا
في تعليقه على هذه الحرب، قال رجل الأعمال الروسي المحافظ كونستانتين مالوفييف: "الليبرالية في روسيا ماتت إلى الأبد، والحمد لله، كلما طال أمد هذه الحرب، زاد المجتمع الروسي من تطهير نفسه من الليبرالية والسم الغربي".