غزة تحت النار والنزوح... وأميركا تمنح إسرائيل هامشًا لضم الضفة

تواصل آلة الحرب الإسرائيلية حملتها المدمرة على قطاع غزة بلا هوادة، حيث تتعرض الأحياء السكنية والمباني المدنية لغارات جوية وقصف ميداني خلّف دمارًا واسعًا وخسائر بشرية متزايدة، فيما دفعت الاعتداءات المستمرة آلاف العائلات إلى النزوح القسري في ظل حصار خانق وتجويع ممنهج وانقطاع متواصل للخدمات الأساسية. 

هذا المشهد المأساوي يتزامن مع مؤشرات سياسية خطيرة في الضفة الغربية، حيث يلوح في الأفق ضوء أميركي يمنح إسرائيل هامشًا أوسع للمضي في مشروع ضم أراضٍ محتلة، ما ينذر بتصعيد إضافي على المستويين الميداني والدبلوماسي.

شهداء وضحايا جدد

أفادت مصادر طبية في غزة باستشهاد 34 فلسطينيًا منذ فجر اليوم جراء قصف جيش الاحتلال، بينهم 19 في مدينة غزة و7 من منتظري المساعدات جنوب القطاع. 

ففي حي الشيخ رضوان شمال المدينة، استُشهد خمسة أفراد من عائلة دبابش إثر قصف منزلهم، كما استُشهد ثلاثة مواطنين آخرين وأصيب آخرون في غارة استهدفت تجمعًا قرب مفترق أبو إسكندر. وفي حي الزيتون جنوب شرقي غزة، أسفرت غارة إسرائيلية عن سقوط شهيدين وعدد من الجرحى، بينما شهدت مدينة خانيونس جنوبي القطاع استشهاد ثلاثة فلسطينيين في بلدة بني سهيلا وسيدة في منطقة المواصي غرب المدينة. 

في وقت أكدت فيه مصادر محلية أن قوات الاحتلال فجّرت عددًا من منازل المواطنين في حي الزيتون بمدينة غزة.

أطلقت منظمة مراسلون بلا حدود بالتعاون مع منصة "آفاز"، حملة إعلامية عالمية للمطالبة بفتح حدود غزة أمام الصحفيين الدوليين وضمان حمايتهم

أزمة إنسانية في المستشفيات

في موازاة التصعيد العسكري، يواجه مستشفى شهداء الأقصى وسط غزة أزمة خطيرة نتيجة ضعف التيار الكهربائي، حيث فاقت أعداد المرضى طاقته الاستيعابية بأربع مرات. وحذرت إدارة المستشفى من أن استمرار الوضع قد يهدد حياة مئات الجرحى والمرضى.

كميات محدودة من المساعدات دخلت القطاع

أفاد المكتب الإعلامي الحكومي في غزة أن إجمالي الشاحنات التي دخلت القطاع على مدار 35 يومًا بلغ 3188 شاحنة مساعدات فقط، من أصل 21.000 شاحنة كانت متوقعة، أي ما يعادل نحو 15% من الاحتياجات الفعلية. وأوضح المكتب أن هذه الكميات تعرضت للنهب والسرقة، مشيرًا إلى أن الاحتلال يمنع إدخال المساعدات بالكميات الكافية ويعرقل تأمين ما يدخل منها.

وخلال الأيام الخمسة الماضية، دخل القطاع 534 شاحنة مساعدات فقط، من أصل 3000 شاحنة متوقعة، وسط فوضى أمنية متعمدة، وفق بيان المكتب، ما يزيد من تفاقم الأزمة الإنسانية في ظل استمرار الحصار.

استهداف الصحافة وحملة دولية

أعلن المكتب الإعلامي الحكومي في غزة عن استشهاد 247 صحفيًا منذ بداية الحرب، بينهم الصحفية إسلام محارب عابد، مراسلة قناة القدس اليوم.

وفي خطوة تضامنية، أطلقت منظمة مراسلون بلا حدود بالتعاون مع منصة "آفاز"، حملة إعلامية عالمية للمطالبة بفتح حدود غزة أمام الصحفيين الدوليين وضمان حمايتهم. وتشارك في الحملة نحو 150 وسيلة إعلامية من 50 دولة، حيث ستقوم مؤقتًا بتعتيم صفحاتها الأولى أو وقف البث، في رسالة موحدة لوقف استهداف الإعلاميين.

انتهاكات في الضفة الغربية

لم يقتصر التصعيد على غزة؛ ففي الخليل بالضفة الغربية المحتلة، شددت قوات الاحتلال الإجراءات الأمنية وأغلقت مداخل المدينة، وأطلقت النار على فلسطينيين قرب قرية قلقس. كما اقتحمت قوة عسكرية محيط مدرسة سلوان الإعدادية للبنين في القدس، لتفريق وقفة احتجاجية نظمها الأهالي والطلاب ضد محاولات "أسرلة" المناهج ونقل المدرسة، وأمهلتهم دقائق لمغادرة المكان.

وفي رام الله، اعتقلت قوات الاحتلال الشاب مجد طه التميمي من قرية النبي صالح بعد الاعتداء عليه وتفتيش مركبته. كما نفذ المستوطنون اعتداءً جديداً على بئر عين سامية شرق رام الله، مما أدى إلى توقف ضخ المياه نحو 19 تجمعًا سكانيًا، وهدد باندلاع أزمة مائية خانقة. وهاجم المستوطنون مساكن الأهالي في قرية سوسيا بمسافر يطا جنوب الخليل بعد منتصف الليل.

نقاشات سياسية في إسرائيل

بالتوازي مع التطورات الميدانية، تواصلت النقاشات داخل المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر حول إمكانية إبرام صفقة تبادل جزئية. فبينما أبدى الجيش الإسرائيلي دعمه للفكرة، نفى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وجود أي صفقة على الطاولة، مؤكداً أن "صفقة جزئية ليست مطروحة". وأيد غالبية الوزراء هذا الموقف، فيما شدد وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير على ضرورة التصويت ضد أي طرح بهذا الاتجاه.

في المقابل، كشف رئيس الأركان الإسرائيلي عن وجود خطة يمكن الاستفادة منها، مشددًا على ضرورة بحثها رغم عدم إدراجها على جدول الأعمال.

واشنطن لـتل أبيب: قرار السيادة شأن داخلي

ذكرت صحيفة "يسرائيل هيوم" العبرية أن مسؤولين أميركيين كبار أبلغوا نظراءهم الإسرائيليين بأن مسألة "السيادة" تبقى قرارًا إسرائيليًا خالصًا. وبحسب مصادر إسرائيلية، يُدرس بجدية تطبيق السيادة على مناطق محددة، لكن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو لم يحسم موقفه بعد. وخلال الأسابيع الماضية، شدّد المسؤولون الأميركيون على أن رسالتهم لا تمثل ضوءًا أخضر كاملًا، لكنها في الوقت نفسه ليست رفضًا قاطعًا، حيث نقل أحدهم بالقول: "الأميركيون يقولون لنتنياهو وكبار المسؤولين: قرروا أولًا ما تريدون، ثم سنتحدث".