24-أبريل-2022
قواب الموت في لبنان

بات المشهد اللبناني أشبه بمسرحية تراجيدية. يكاد لا يمر يوم دون مأساة تحل على هذا الوطن وشعبه. فمن الانهيار المالي في البلاد وتدهور قيمة العملة المحلية والتي جعلت سبل العيش تخنق اللبنانيين، لا بل تسحقهم، مرورًا بانفجار بيروت الذي أودى بزهاء 200 ضحية وتدمير ربع العاصمة، وصولًا إلى أحداث أمنية أسبوعية صارت وكأنها حالة طبيعية يجب أن يتعود عليها اللبنانيون. ووما يزيد من الحزن واللوعة عدم وجود أي محاسبة لأجهزة الدولة والحكومة. ويبقى تعداد المآسي محاولة غير ناجحة لكثرة المآسي وتكرارها، في بلد مزقته الصراعات السياسية والطائفية، وفي بلد يقع موقعه الجغرافي على حافة بركان لا يهدأ غليانه.

هروب من الموت إلى الموت

بتاريخ 23 نيسان /أبريل الحالي، وفي الساعة السابعة مساء، انطلق مركب من سواحل طرابلس في شمال لبنان، وكان يحمل على متنه حوالي 60 مواطنًا لبنانيًا في محاولة للهرب والهجرة غير النظامية بحثًا عن حياة أفضل وأكثر كرامة. لكن الكارثة وقعت بعدما كشف الجيش اللبناني لعملية الهجرة غير النظامية، فما كان من خفر السواحل التابع للجيش اللبناني سوى أن يمنع إكمال مسيرة المركب. وبعد مناوشات بين عناصر الدورية، تم الاصطدام بين الطراد البحري للجيش اللبناني والمركب مما أدى إلى غرقه ووفاة تسعة أشخاص من بينهم أطفال، فيما تم إنقاذ 48 شخصًا آخرين، وما يزال البحث جاريًا عن مفقودين.

صرح الجيش اللبناني خلال مؤتمر صحفي ملابسات الحادثة بالقول "المركب قديم وليس هناك اجراءات للسلامة على متنه"، وأضاف بيان الجيش اللبناني بأن "المركب محمل بوزن أكبر 15 مرة مما هي قدرته الاجمالية"، وبأن المركب صنع عام 1974، وهو مركب صغير طوله 10 أمتار وعرضه 3 أمتار، وأما "عدد الأشخاص المسموح له هو 6 أشخاص فقط". لكن اللافت في قول قائد القوات البحرية في الجيش اللبناني، هيثم الضناوي، أن "الغرق كان محتمًا ولا مهرب منه"، وهي جملة افتراضية تكهنية لا يمكن أبدًا التأكد من صحتها، ومما يبدو أنها قيلت لتبرير حادثة الاصطدام بين الطراد البحري التابع للجيش اللبناني ومركب المهاجرين ما أدى إلى غرقه. وقد رمى الضناوي المسؤولية على قبطان المركب "الذي قام بمناورات من أجل الهرب لكنه أدى للاصطدام، ولم يلبث أن غرق بظرف ثواني".

قوارب الموت

ليس هذا القارب الأول. شهد لبنان خلال الأعوام الثلاثة الماضية حوالي 17 رحلة غير نظامية من موانئه، وقد انتهت بعض هذه الرحلات بكوارث إنسانية. جميع هذه الرحلات خرجت من شمال لبنان نحو السواحل القبرصية غير أن الكثير منها لم يكتب لها النجاح، وكثيرون وقعوا في فخ المهربين الذين كانوا يحصلون على مبالغ مالية متفاوتة لقاء تأمين قوارب "غير شرعية". وعلى المقلب الأخر، من كان يصل إلى السواحل القبرصية كان يصطدم بإجراءات خفر الساحل القبرصي الذي يقوم بإعتقالهم وإعادتهم إلى لبنان، فيما قلة قليلة تنجح في العبور إلى أرض الأحلام في إيطاليا ومنها إلى دول القارة الأوروبية.

يشير الهاربون إلى "فساد الدولة وارتفاع الفقر والبطالة" لذلك لجأوا إلى البحر الذي بات الطريق الوحيد أمامهم بعد ثلاثة أعوام من انهيار في مفاصل الدولة الأساسية. أدى ذلك إلى انهيار شبكات الأمان الاجتماعي وسحق الطبقات الفقيرة. وقد أشارت مفوضية اللاجئين إلى ارتفاع ملحوظ في أرقام المهاجرين من لبنان من حملة الجنسية السورية والفلسطينية واللبنانية في السنوات الثلاث الأخيرة.

استياء شعبي

فور سماع النبأ بدأت بعض الهتافات الغاضبة في طرابلس والمسيرات الشعبية التي عبرت عن ضلوع الجيش اللبناني في "قتل المهاجرين" وعدم قدرته على التعامل السليم مع المسألة واستهتاره بأرواح اللبنانيين. وفي المقابل، خرجت أصوات تقول بأن هناك مؤامرة على طرابلس وعلى الجيش اللبناني لجعلهم يصطدمون ببعضهم البعض، فيما أشار أخرون إلى أن هناك أطراف تريد الإطاحة بالانتخابات النيابية في لبنان المقرر إجرائها بعد ثلالثة أسابيع.

وقد ضجت وسائل التواصل الاجتماعي بالتضامن مع ضحايا المركب ومع طرابلس، ونددوا بسلوك الجيش اللبناني. وقد أشار البعض إلى أن هناك سجل حافل للجيش اللبناني في عدم المقدرة على التعامل مع قضايا ومسائل وأحداث عدة منذ عام 2019. ذكر هؤلاء قضية انفجار عكار واحتكار الدواء والمحروقات من قبل التجار دون قدرة على إيجاد الحلول، في مقابل تهاون الجيش اللبناني مع مسائل أمنية وقعت في مناطق ذات أغلبية طائفية، غامزين من قناة انحيا الجيش ومخابراته إلى الشيعة على حساب الطائفة السنية في لبنان.

للمزيد حول انفجار عكار اقرأ الآن هذا المقال على التراصوت

وقد انتشر وسم #طرابلس على نطاق واسع. غرد ذولفقار الحركة على تويتر نقلًا عن أحد الركاب الأطفال قوله "إمي وإختي كانو حدي بس وقعنا وأنا إيدي مكسورة ما قدرت إعملهن شي بعد لحظات شفت إمي عبطت إختي وقالت بسم الله و نزلت تحت المي. ماتت إمي وإختي، وأبي ما عارف مصيرو". كلام هل طفل اللي نجا بأعجوبة من زورق الموت بيحرق القلب بتحسه ضايع إذا عنجد فقد أهله أو بعد عندو أمل يرجعوا.

وكتب عبدالله "#طرابلس، مدينة تعد الأكبر على ساحل المتوسط، يقطن فيها ملياردير (وشقيقه) صنفتهما مجلة "فوربس" من الأكثر ثراء في الشرق الأوسط، يركب سكانها الأمواج تحت جنح الليل برفقة أطفال رضع هربًا من الفقر".

وغرد سلمان العنداري بالقول "طفلة لفظت أنفاسها الأخيرة.. كلنا نلفظ أنفاسنا الأخيرة في هذا البلد الملعون. ما ذنب هذه الطفلة الهاربة مع أهلها نحو مستقبل أفضل لتلقى حتفها؟ #طرابلس دائمًا توقظنا وتؤكد لنا حقيقة ما نعيشه في هذا البلد الذي يحكمه قتلة.

وسرعان ما نشر مغردون وناشطون مقولة سابقة لرئيس الجمهورية ميشال عون، تعود إلى العام 2019 حين قال "إذا ما عاجبهم.. يروحوا يهاجروا".