14-مارس-2017

أحمد عسقلاني/ مصر

لديّ مَن أحادثه من قلبي، بهذه العبارة كنت أكيدُ لمكيّف الهواء، للتلفاز الذي يقحمني في مشاهدات لست معنيًّا بها، لولا الوقت الذي أتعطل فيه عن استدراج كائنات الحياة المفيدةِ بالطبع، بالإضافة إلى الأفلام والكتب. لا أجد تسمية لسيمفونيات الإزعاج والألم، إنها آلات حرب تنشر قواتها في فضاء غرفة ضيّق كما هو صدري، وأنا إذ تنفد ذخيرتي من قصص الناجين بمفردهم، لا أستطيع أن أوقف الزحف الملعون على جثتي، هكذا كانت الآلات تعمل في الغرفة قبل أن يكنس الحبّ جموع أصواتها، فجأة البشر يسودون مرة أخرى، والآلات مجرد أدوات نحرّكها ونلقيها جانبًا متى نشاء.

لا أعدّ الأيام ولا اليوم الأخير، لا مشكلة عندي في حال أحبّت القيامة أن تعلن اليوم عن انفجارها الكبير، تم إلغاء الفكرة، هناك من لم يبدأ يومه الأول، فلنقل للانفجار أن يحدث حين تصبح السعادة وجبة اليوم، وإلا فما هو طعم الخسارة لمن يحيّونها أول النهار، ثم ينامون في خرائبها آخر اليوم؟

أعرف كثيرين تخوّفوا من الحب، عن نفسي لا أستطيع أن أنشغل بالخوف بينما أشرب وأقول هل من مزيد، كأنّ قدرةً ما كانت تدفعك للسباحة أكثر من استطاعتك، لكنه الواقع، فحين اتسعت الغرفة لم يكن سوى الحب، حين اكتشفتُ العجز في كائناتٍ كنت أرتعش لمجرد مرورها خيالًا، لم يكن سوى الحب، وحين لم أعد أكترث للأقدام الضخمة، ثم أقول إنها رخوة، ظُّلها على الحائط كبير لكنها رخوة، لم يكن سوى الحب. ماذا لو اخترنا أن نراقص أعداءنا؟ هذه "شطحة" يجب عدم تكرارها، على الحب أن يتوقف عندما تبدأ الحرب، حقا؟

أقرأ في الحائط عبارة تقول: سوف تعود للنظر إلى وجهي، كما لن أمنحك سوى نظرة اللئيم، نظرة الطبيب عندما تقول بخطورة حالتك، لكنه يحاول أن يبحث في قاموسه الضعيف عن كلمات أخرى لا يجدها. أمد لساني لمكيف الهواء من وراء ظهر الحب، وأعرف أنه لن يوفّرني لساعة واحدة، بمجرد انغلاق الباب على الرجل الوحيد.

الحب في القائمة القصيرة للأعداء، أعدائي؟ عن نفسي لا أعتبره عدوًّا، لكنه أفشلَ هدنة كنتُ أبرمتها، لقد أطلقتُ من صيحات الانتصار ما لن تغفره كائنات غرفتي لي، تصوروا ضعيفًا ينهض بقوة لا تملكون قدرة على ردها، لقد اقتضت الحاجة أن أنظر للفراغ على أنه مجال واسع للخيال، بينما أحدّث عقلي بأهمية الواقع رغم رغبتنا بالخلاص منه، لا أريد أن نحاور أحدًا لا نراه، الهلوسات لا مكان لها في مكانٍ تحاول أن تُنهِض فيه شجرة العائلة.

الميكروفون الآن مع الحائط، مع مكيف الهواء، والتلفاز, بينما أبحث عن كتاب ينقذني من كل هؤلاء، وكما لو أنه التواطؤ الخسيس، يصبح الكتاب أداةً أخرى من أدوات التعذيب لا التجميل، تبًا، كان عليهم أن يمنعوا الكتاب، لا، كان عليهم أن ينشروا الحبّ فلا يتسرب القبحُ إلى الكتب، ولا تتحرك حياتنا بالريموت كنترول. 

 

اقرأ/ي أيضًا:

الحي الآخر

مُدَخّن شِعر