12-يوليو-2022
تعكس زيارة بايدن انخراطًا أمريكيًا أكبر في المنطقة (Getty)

تعكس زيارة بايدن انخراطًا أمريكيًا أكبر في المنطقة (Getty)

كانت الأيام الماضية حافلةً لدى المستوى السياسي الرسمي الفلسطيني، فقد انشغل جدول أعمالهم بزيارات ومهاتفات من مستويات إسرائيلية رسمية هي الأعلى منذ سنوات. رغم ذلك، لا يمكن القول إن هذا التواصل كان مفاجئًا في ظل مكونات الحكومة الانتقالية الحالية وتصوراتها. فاللقاء بين رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ووزير الأمن الإسرائيلي بيني غانتس ومنسق أعمال الحكومة الإسرائيلية غسان عليان لم يكن الأول خلال العام الأول والوحيد من عُمر الحكومة الإسرائيلية، كما أن يائير لابيد عندما كان وزيرًا للخارجية التقى مسؤولين من السلطة الفلسطينية.

كان هناك تأكيد مستمر على أن هذه اللقاءات "خالية من السياسة"، والسياسة تعني هنا العودة للمفاوضات وإعادة مناقشة حل الدولتين ومحاولة التوصل إلى حل نهائي مؤجل منذ 20 عامًا

كان هناك تأكيد مستمر على أن هذه اللقاءات "خالية من السياسة"، والسياسة تعني هنا العودة للمفاوضات وإعادة مناقشة حل الدولتين ومحاولة التوصل إلى حل نهائي مؤجل منذ 20 عامًا. فيما جاءت غالبيتها، وخاصةً تلك اللقاءات أو الأحاديث بين رئيس السلطة ووزير الأمن والخارجية وصولًا إلى رئيس الوزراء ورئيس الدولة، مرتبطةً عامةً بأحداث أمنية طارئة مثل التصعيد الأخير في آذار/ مارس ونيسان/ أبريل. لكن أحاديث هذه المرة تبدو مختلفةً قليلًا، وهي تأتي على هامش زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، للمنطقة. ورغم ذلك فهي لم تخل من الأمن، فالمؤسسة الأمنية الإسرائيلية تحدثت مؤخرًا عن احتمالية حدوث تصعيد فلسطيني شعبي مترافق مع زيارة بايدن للمنطقة، مما دفع غانتس للتأكيد على تعزيز دور السلطة في الأمن والتنسيق الأمني في اللقاء الأخير مع عباس.

وفي حين ظهرت العديد من التحليلات في السنوات الأخيرة، وبالأخص في فترة ولاية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تشير إلى أن الاهتمام الأمريكي بالشرق الأوسط تراجع بشكلٍ كبير، وارتبط ذلك بخطوات فعلية مثل تقليل الحضور الأمريكي في المنطقة واتخاذ خطوات يمكن وصفها بأحادية الجانب في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، وتجاوزها من خلال التوجه إلى اتفاقيات التطبيع وصفقات لا ممثل للفلسطينيين فيها. غير أن السياسات الخارجية لإدارة بايدن لا تبدو واضحة تمامًا، وفي حين أن التحركات الأخيرة تظهر انخراطًا أمريكيًا أوسع، لكنها لا تعد بتغير كبير.

ومع قرار زيارة بايدن إلى المنطقة بما في ذلك السعودية التي وعد أن يبقيها معزولةً إثر قضية مقتل المعارض السعودي جمال خاشقجي، وهو ما فعله فعلًا لمدة 18 شهرًا من ولايته، يبدو أن المنطقة لا تزال ضمن الملفات التي تحظى بأولوية بالنسبة لصانع السياسات الأمريكي، خاصة في سياق الاستقطاب الدولي الذي تلا غزو أوكرانيا، وأزمة ملف الطاقة وتوريدات الغاز. وفي حين أثار إعلان الزيارة موجةً من الجدل في أمريكا على خلفية تراجع بايدن عن التزامه الذي قدمه خلال حملته الانتخابية، نشر الرئيس الأمريكي مقالًا في صحيفة واشنطن بوست التي ساهم فيها جمال خاشقجي سابقًا، شارحًا مبررات زيارته. حيث بدأ الرئيس الأمريكي الذي تتراجع شعبيته مقاله بالتأكيد على أهمية الشرق الأوسط والفائدة التي تعود منه على الأمريكيين، وحاول أن يقدم الإنجازات الأمريكية في كل دولة في الشرق الأوسط. وفي حديثه عن القضية الفلسطينية، أشار إلى المساهمة في إيقاف حرب أيار/ مايو 2021 خلال مدة سريعة، مع الإشارة إلى استعادة العلاقة مع السلطة الفلسطينية وتقديم الدعم لها. كما تحدث عن تمرير أكبر حزمة دعم لإسرائيل في التاريخ، وعن رمزية سفره من تل أبيب إلى جدة ومساهمة ذلك بالتطبيع، كما تطرق إلى مكالمة رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس.

وبالنظر إلى مسار الزيارة الحالي، يبدو أن إسرائيل تبقى المستفيد الأكبر، من ناحية أنها ستحظى بفرصة أكبر من أجل الضغط أكثر على واشنطن بشأن المفاوضات النووية مع إيران، بالإضافة إلى محاولة الحصول على الموافقة من أجل استثمارات عسكرية في مجالات الدفاع الجوي، والمساهمة في دفع علاقات التطبيع مع السعودية، عطفًا على تنظيم التحالف الدفاعي الإقليمي القائم بشكلٍ رسمي أكثر، والذي ساهمت أمريكا فيه منذ بداية العام الحالي. كما يبدو أن ملف اغتيال الشهيدة شيرين أبو عاقلة لم يعد مؤرقًا بالنسبة لإدارة بايدن، وأقلها لن يحتل حيزًا كبيرًا من الزيارة، مما يبعث على الارتياح في تل أبيب.

الأمن أولًا، السياسة لاحقًا

مكالمة لابيد مع عباس التي تفاخر بها بايدن، كانت أول اتصال هاتفي بين رئيس وزراء إسرائيلي ورئيس السلطة الفلسطينية منذ عام 2017، وهي أول مكالمة هاتفية لم تعقب عملية فلسطينية. ففي 2017 تحدث نتنياهو مع عباس عقب عملية ضد شرطة الاحتلال في المسجد الأقصى، وفي 2014 عقب اختطاف ثلاثة مستوطنين. وتم ترتيب المكالمة بوصفها بروتوكولية أكثر من أي شيء آخر، فقد تبعها أخرى مع ملك الأردن ومع عبد الفتاح السيسي ورئيس الإمارات محمد بن زايد. وفي حين أن هذه اللقاءات تدور في مجملها حول الطابع الأمني أو تعزيز التعاون ومحاولة احتواء أيّ تصعيد فلسطيني، من خلال تقديم مساعدات اقتصادية وتحسينات في مستوى الحياة ضمن التعامل الإسرائيلي التقليدي مع الهبات الشعبية الفلسطينية، يبقى السؤال، هل من سياسة في هذه المكالمة أو في سلسلة اللقاءات السابقة؟

تأتي هذه الخطوات من أجل استعادة حيوية العلاقات بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، بعد فترة طويلة من ولاية بنيامين نتنياهو الذي همشها بشكلٍ كبير وتجاوزها باستمرار. كما كان وجود رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق نفتالي بينيت يشكل عائقًا بالنسبة إلى السلطة الفلسطينية، حيث رفض أي تواصل أو لقاء سياسي، وهو ما وافق عليه الائتلاف بكافة أطرافه، بما فيه ميرتس ضمنيًا والذي يُعد الحزب الإسرائيلي الوحيد المُتمسك فعليًا بحل الدولتين. أما السلطة الفلسطينية فقد أبدت ارتياحًا عند وصول لابيد للحكم، وهو ارتياح لا يبدو مدعومًا بأي مؤشرات من الأرض. فغانتس ولابيد، المحسوبين على المركز/ الوسط في إسرائيل التزما أيضًا بالمحددات الأمنية وأكدا باستمرار على عدم وجود أي لقاءات سياسية مع السلطة الفلسطينية، سواء خلال ولاية بينيت أو عقب تسلم لابيد الحكم.

لا يرتبط هذا الموقف فقط بتوازنات الحكومة، فعدم وجود عملية سياسية مع السلطة الفلسطينية، كما يشير متابعون، أصبح معطى ثابتًا في السياسة الإسرائيلية. وهذا ما تؤكده اللقاءات السابقة بين السلطة وإسرائيل، وما رشح عن اللقاء بين لابيد والرئيس إيمانويل ماكرون، الذي بحسب مصادر لم يتطرق كثيرًا للقضية الفلسطينية نظرًا لحساسية وضع الحكومة الإسرائيلية الحالية. وكذا ما تبعه من تصريح لابيد الذي أبدى استعدادًا لمقابلة أبو مازن في حال كان ذلك مفيدًا لإسرائيل. حيث قال الأخير "لا أصنع مبدأً من عدم لقائهم، وأيضًا لا أصنع مبدأً من لقائهم"، مضيفًا أن اللقاء يحصل عند الحاجة لخدمة العلاقة مع السلطة أو للتعاون الأمني. وفي سياق رده حول إمكانية أن يدفع بايدن باتجاه عملية سياسية مع السلطة الفلسطينية، فقد أشار إلى أن بايدن يعرف حدود الحكومة الإسرائيلية الحالية.

فيما يتعلق بلقاء غانتس وعباس قبل أيام في رام الله، فجاء لتهيئة الأجواء لزيارة الرئيس الأمريكي كما تم وصفه، وبعد أخبار سابقة تتحدث عن نية غانتس الطلب من بايدن الضغط على عباس من أجل زيادة كثافة الأمن الفلسطيني في مناطق "أ" في الضفة الغربية، والتوقف عن التلويح بملاحقة جيش الاحتلال في المحاكم الدولية. وحول تفاصيل اللقاء، قال مصدر أمني إسرائيلي إن غانتس أكد على ضرورة الحفاظ على الاستقرار والتأكيد على التنسيق الأمني ومنع العمليات. مع توضيحه للوضع السياسي في إسرائيل، أي في إشارةٍ إلى عدم إمكانية الوصول إلى مفاوضات سياسية في الوقت الراهن. والشق الآخر، هو بحث الوضع الاقتصادي للسلطة الفلسطينية والسعي إلى تعزيز دورها وإضعاف حماس.

أما بالنسبة لمكالمة لابيد وعباس، فقد قلل المراسل الدبلوماسي لصحيفة جيروزاليم بوست من أهميتها، فهي لم تطلق عملية سلام جديدة ولم تغير الواقع اليومي، والاستثنائي فيها هي أنها أول مكالمة منذ 5 سنوات، كما أنها تساهم في جزءٍ منها بمساعدة بايدن في تبرير زيارته إلى المنطقة بما فيها السعودية، رغم أن الجيل الشاب في الحزب الديمقراطي لم ينتقد زيارته إلى السعودية فقط بل إلى إسرائيل أيضًا.

وتشير تسريبات إلى أن بايدن خلال زيارته للقدس، سوف يعلن عن مساعدات تصل إلى 100 مليون دولار لمستشفيات المدينة الفلسطينية من أجل إخراجها من الأزمة المالية التي تعاني منها، وهذا أقصى ما يمكن أن ينتج عن الزيارة في ظل الوضع العربي القائم وانعدام فاعلية السلطة الفلسطينية التي ستحصل على أقل من ساعة خلال الزيارة. ولا يبدو أن هناك أيّ أفق للحديث عن مشاريع سياسية في الفترة الحالية، فيما يبدو أن منحة بايدن لمستشفيات القدس قريبةٌ من طرح لابيد- غانتس الاقتصادي. أمّا القضية الفلسطينية والحوار السياسي فهي ليست على جدول الأعمال الحالي لبايدن الطامح بزيادة إنتاج النفط، وإسرائيل التي قد تكون أكبر الرابحين من هذه الزيارة.

عدم وجود عملية سياسية مع السلطة الفلسطينية، كما يشير متابعون، أصبح معطى ثابتًا في السياسة الإسرائيلية

وفي تقاطع مع نفس هذا التوجه، أعلن منسق أعمال الحكومة الإسرائيلية في المناطق غسان عليان، الثلاثاء، عن 5500 لم شمل، و1500 تصاريح جديدة للعمال من قطاع غزة ومنح مخططات هيكلية لقرى فلسطينية في مناطق "ج"، ضمن مبادرات بناء الثقة بين غانتس وعباس، كما كان القرار الأخير في هذه "التسهيلات والتحسينات" فتح حاجز يربط بين شمال الضفة الغربية والداخل المحتل.