30-أبريل-2016

الرئيس الغامبي يحيى جامع

تحت عنوان "أسوأ دكتاتورية قد تكون سمعت عنها" كتب جيفري سميث في الفورين بوليسي الأمريكية متحدثًا عن يحيى جامع الرئيس الغامبي، والتالي ترجمة بتصرف لـهذا المقال.

الرئيس الغامبي يمارس طقوسًا غريبة ويدعي علاج كل الأمراض من الإيدز وحتى العقم بوصفات أعشاب علاجية، ويحكم بلاده الصغيرة بمزيج من الخرافة والخوف

 

__

غامبيا تواجه أكبر حركات الاحتجاج منذ سنوات، فإما أن تحقق إنجازًا عظيمًا وإما أن يكون حمامًا للدماء.

منذ وصوله إلى السلطة عن طريق انقلاب غير دموي عام 1994، فقد استوى يحيى جامع على عرش أسوأ دكتاتورية قد تكون سمعت بها من قبل.

الرئيس الغامبي غريب الأطوار الذي يمارس طقوسًا غريبة ويدعي علاج كل الأمراض من الإيدز وحتى العقم بوصفات أعشاب علاجية، يحكم بلاده الصغيرة الواقعة في غرب أفريقيا بمزيج من الخرافة والخوف.

الأحكام العرفية ،التعذيب، الاختفاء القسري، والإعدامات العشوائية هي بعض التكتيكات التي يستخدمها في حكمه والتي يمارسها من خلال قواته الأمنية سيئة السمعة وجهاز مخابراته.

اقرأ/ي أيضًا: حقوقيون..حقوق الإنسان قاتمة في المغرب

في أماكن أخرى في أفريقيا يعاني المدافعون عن الحقوق من تنامي كارثة "فترة الولاية الثالثة" التي يلجأ إليها الحكام الأفارقة بشكل متزايد مخالفين في سبيل ذلك الدستور لتمديد فترة بقائهم في السلطة.

و لكن يحيى جامع يبدو أنه سيعبر إلى السنة الخامسة في خامس فترة رئاسية له في الانتخابات المقررة في ديسمبر القادم. هذا بالطبع إذا لم تحدث ثورة مكتملة ومباشرة وغير مسبوقة بدأت بشائرها الأسبوع الماضي.

الضغوط ظلت لفترة طويلة تتنامى في غامبيا لأسباب عديدة منها أجواء القمع الأمنية والانتشار الواسع للفساد في كل مؤسسات الدولة، نقص مزمن في المواد الغذائية، وإدارة اقتصادية للبلاد بالغة السوء (تعد غامبيا من الدول المعدومة على مستوى دخل الفرد من إجمالي الناتج المحلي).

اقرأ/ي أيضًا: فلسطين..الاحتلال في محاكمه

و لكن يحيى جامع نجح في تجاوز مرحلة الخطر بسبب قانون التعويضات الغامبي -الذي وقعه الرئيس عام 2001- والذي كان بمناسبة فتح قوات الأمن النار على معارضين. كان عدد القتلى 14 شخصًا لكن ذلك القانون أعطى الرئيس صلاحيات واسعة لمنع ملاحقة قوات الأمن من قبل القانون في حال ارتكابهم للقتل أثناء قمع التجمعات "غير القانونية".

في الرابع عشر من نيسان/أبريل الماضي فاض الكيل، حيث خرج إلى الشوارع عشرات من الغامبيين مطالبين بإصلاحات انتخابية قبل انتخابات ديسمبر المقبل. ولكن قامت شرطة مكافحة الشغب بتفريق المظاهرات بالغاز المسيل للدموع لتفريق الحشود التي اجتمعت على ضفة أحد ضواحي العاصمة بنجول.

 قوات النظام أخضعت تمامًا حركة التظاهرات في الشارع ولكن الناس تجمعوا بعدها بيومين فيما يعد أكبر وأوسع حركات الاحتجاج التي حدثت في عهد يحيى جامع منذ توليه السلطة قبل أكثر من عقدين من الزمن.

الشرطة المهتاجة هذه المرة، ضربت المتظاهرين بالرصاص الحي، وهاجمت الناس في الشوارع، والحصيلة 55 معتقلًا كثير منهم تعرض للتعذيب في السجون.

أما الأسوأ على الإطلاق والذي كان بمثابة صدمة للشارع، فكان مقتل صولو ساندنج قائد جناح الشباب في الحركة المعارضة الرئيسية (حزب الاتحاد الديمقراطي) في الشارع أثناء حبسه، بعدها خرجت مسيرة سلمية جابت العاصمة كان هدفها الأساسي المطالبة بإفشاء وقائع مقتله على الرأي العام.

وكنتيجة لذلك عادت قوات مكافحة الشغب إلى المشهد مرة أخرى فاعتقلت كثيرًا من أعضاء الحزب وقتلت عضوين آخرين بتهمة التجمع غير المشروع فرد الحزب بتصميمه على تنظيم المزيد من التظاهرات في الشارع.

الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون وحكومة الولايات المتحدة شجبت رد الفعل العنيف على المتظاهرين العزل، بينما هدد الرئيس بالفعل أنه سيمنع أي مظاهرات ستقوم مشيرًا إلى أن هناك دولًا خارجية تسعى إلى زعزعة أمن واستقرار غامبيا.

ولذا يجب على حكومة الولايات المتحدة أن تقر عقوبات على نظام يحيى جامع، وأن تجمد أصول ثروته وثروة عائلته والمحيطين به، ولعل البداية الجيدة لذلك تكون بقصره الفخم في منطقة بوتوماك في ماريلاند حيث تكلفته تجاوزت الثلاثة ملايين دولار.

جزء كبير من الذعر الذي تعيشه سلطة هذا الرجل يعود إلى الرابع عشر من ديسمبر عام 1994، حيث عاش النظام تجربة انقلاب عليه باءت بالفشل، تعرض نظام يحيى حينئذ إلى هجوم من مجموعة من المغتربين الغامبيين منهم اثنين من المحاربين القدامى في الجيش الأمريكي استهدفوا قصره حين كان خارج البلاد.

المحاولة باءت بالفشل فجاء رد النظام قاسيًا حيث أعدم ثمانية أشخاص وقبض عشوائيًا على العشرات من الغامبيين وأودعهم السجون، ولأنه قبض عليهم دون تمييز فقد تراوحت أعمارهم بين الـ84 والـ15 عامًا.

تعرض الهجوم الذي قام به النظام إلى انتقاد حاد من نشطاء حقوقيين إلا أنه، ووفقًا للواشنطن بوست، فقد تم تحذير الحكومة الغامبية من قبل الولايات المتحدة أن هناك انقلابًا عليها يدبر في الخفاء .

على الرغم من فظاعة الانتهاكات التي كان يقوم بها جامع فإن حكومة الولايات المتحدة امتنعت عن الحديث عن فظاعاته لسنوات (كان يحيى جامع مرحبًا به في البيت الأبيض في 2014 حيث زامن ذلك حضور بلاده القمة الإفريقية لأول مرة في تاريخها).

لكن السحر بدأ ينقلب على جامع، فجراء توقيعه قانونًا قاسيًا ضد المثليين جنسيًا كجزء من قانون العقوبات العام في البلاد، قامت الولايات المتحدة بمصادرة مبلغ من المساعدات المالية يقترب من 186 مليون دولار وجعل غامبيا توضع ضمن دول القائمة السوداء .

دكتاتورية الرجل وحدت المعارضة على اختلاف أطيافها تحت مطلبين أساسين: الأول خلع الدكتاتور، والثاني إصلاح القانون الانتخابي.

و لكن حتى إذا شكلت المعارضة جبهة موحدة للعمل سيكون عليها خوض معركة عنيفة ضد نظام "جامع" القاسي والمتوحش، حيث كانت آلة الترويع السياسية عنيفة للغاية ضد المعارضة إبان انتخابات عام 2011 حتى أن الكتلة الاقتصادية لغرب أفريقيا رفضت إرسال مراقبين وهي خطوة غير مسبوقة من هذا الكيان التنظيمي، ويشير إلى البدء بالاعتراف بفقدان شرعية هذا النظام في الخارج.

اقرأ/ي أيضًا: 

مخلفات الحرب..آلاف المعاقين في جنوب اليمن

العراق..إعادة إنتاج قوانين البعث ضد الأقليات