26-مارس-2017

(Getty) غرافيتي في حلب

منذ أن اندلعت المظاهرات في عموم المدن السورية مسجلًة دخولها في صف دول ثورات الربيع العربي، بدأ التأريخ لحقبة جديدة من الحياة السياسية لدى السوريين، واشتغل عدد كبير من المثقفين الذين انحازوا لصف الثورة في الكتابة إما عن مراحل ما قبل المظاهرات السلمية، منذ توريث بشار الأسد للسلطة، أو المرحلة الحديثة التي رافقها عنف دموي من قبل نظام الأسد المدني، أرادوا من خلالها توثيق الأحداث الأكثر دموية على مر تاريخ البلاد.

منذ اندلاع الثورة السورية، بدأ التأريخ لحقبة جديدة من الحياة السياسية لدى السوريين

في كتابه الصادر حديثًا عن دار "كتابوك" الباريسية، بعنوان "سوريا من الكازينو إلى الثورة إلى الجيوستراتيجيا"، يقدم الكاتب غازي دحمان قراءة للتاريخ السوري منذ وفاة باسل الأسد الذي كان يعده والده لخلافته، وتهيئة بشار الأسد لاستلام السلطة بعد وفاته، متطرقًا للمؤسسة الأمنية التي أنشأها الأسد الأب بعد أن بسط يده على مقاليد الحكم بشكل نهائي في عام 1986، عندما زج بجميع معارضيه داخل أقبيته الأمنية، وصولًا للمرحلة الحالية التي تعيشها الخريطة السياسية السورية.

اقرأ/ي أيضًا: المناطق المحررة.. أرض سورية محروقة

الكتاب الذي جاء ضمن ثلاثة فصول، يتناول في فصله الأول موت باسل الأسد المفاجئ في حادث سير عام 1994، وتهيئة بشار الذي كان بعيدًا عن الحياة العسكرية لوراثة نظام الأسد. الفترة التي ورث خلالها الأسد الابن الحكم عن والده عبر مسرحية التعديل الدستور، نشأ معها جيل جديد اعتمد في تكوين وعيه السياسي على "الفضائيات والإنترنت" التي كانت "تحتل دورًا كبيرًا في هذا التحول، حتى الأسرة باتت مع هذه التحولات مصدرًا هامشيًا للتكوين الفكري نظرًا لمضامين الرسائل شديدة التحذير من السلطة والخوف منها".

الحقبة التي رافقت وراثة الأسد الابن للسلطة نشأ معها نواة عديدة لتشكيل حركات سياسية، من بينها مجموعة "إحياء العمل المدني" الساعية لإصلاح النظام السياسي في سوريا، لكنها لم تكتمل بعد أن "استشعر النظام مخاطرها السياسية"، فبدأ العمل على تشكيل حركات مدنية تابعة لنظامها، تسلمت إدارتها زوجته أسماء الأسد.

مؤسسات المجتمع المدني التي أنشأتها أسماء الأسد تحت مسمى "القطاع نصف الحكومي" استخدمها نظام الأسد لتحقيق ثلاثة أهداف، الأول حتى يثبت الأسد الابن أن نظام حكمه "منفتح ومتغير ومواكب للتطورات العالمية"، والثاني احتكاره للمساعدات القادمة من المنظمات الدولية، وإعادة "توزيعها وفق خريطة تتضمن البيئات الموالية له بدرجة كبيرة"، وثالثها مساعيه من خلف هذه المنظمات لـ"إلغاء أي إمكانية لقيام مجتمع مدني خارج إطار هذا التشكيل".

أما الفصل الثاني من الكتاب، فيعتبر دحمان في بدايته أن التأريخ الفعلي لانطلاق الثورة السورية كان "عشية اشتعال الربيع العربي في تونس ومصر"، مقدمًا صورة مفصلة عما جرى من أحاديث بين السوريين في المقاهي، وأماكن العمل، وإمكانية إحداث تغيير سياسي في نظام الحكم في سوريا، وما رافقها من انتظار للشرارة الأولى، التي كان مفجرها الأول حادثة اعتقال أطفال درعا بعد كتابتهم شعارات تنادي بالحرية على حيطان أحيائها. 

يعود الصراع بين القوى العالمية على سوريا لأهمية موقعها لأن لمرحلة مرحلة الغاز

يتطرق هذا الفصل بشكل مكثف للتطورات التي صاحبت المظاهرات السلمية، والآلية المتبعة من نظام الأسد الابن للقضاء عليها. إذ إنه منذ تموز/يوليو 2011 أخذت الثورة منحى مختلفًا عندما أعلن عن تشكيل أول كتيبة في الجيش السوري الحر لحماية المتظاهرين السلميين، ومعها كانت مناطق سيطرة نظام الأسد تضيق تدريجيًا، ما جعل الأسد يعمل على تغذية "أسلمة الثورة"، من خلال "تصفية النشطاء المدنيين"، "تحويل المعركة إلى حرب طائفية"، وشعور السوريين المعارضين لنظام الأسد "أن العالم تركهم لمصيرهم"، وزاد عليها الصراع الأيديولوجي الذي نشأ بين المعارضين بسبب رفض الإسلاميين للدولة المدنية.

اقرأ/ي أيضًا: جولان حاجي.. بنات الثورة السورية

الفصل الأخير من الكتاب الذي يحمل عنوان "ورشة الإصلاح الجيواستراتيجي"، يقول في بدايته إن الثورة السورية تزامنت مع جملة من الأزمات غير المسبوقة "تكاد تكون عالمية تشترك فيها غالبية القوى"، ما جعل سوريا تتحول إلى "مرهم يداوي وجع المفاصل الاستراتيجية للقوى العالمية المترهلة والمصابة بالكساح نتيجة أزماتها"، وهو ما يعكس "حقيقة موقعها في المشاريع الجيوسياسية الدولية المعاصرة..".

يرجع دحمان الصراع بين القوى العالمية على سوريا لأهمية موقعها من ناحية أن "المرحلة مرحلة الغاز بكل امتياز"، نظرًا أنها تقع "بين مواقع الإنتاج ومواقع الاستهلاك"، وهو ما دفع روسيا للتدخل بشكل قوي في سوريا، حيثُ المتتبع لخطوط القتال الروسية يجد أنها "تنطبق مع خارطة خطوط الغاز بدرجة كبيرة"، ليس في سوريا فقط، إنما في كازاخستان، جورجيا، وأوكرانيا، ولذلك نرى دائمًا أن لديها "ردة فعل عنيفة" عندما تتعرض مصالحها في هذه الخطوط للخطر.

يلخص دحمان في الفصل الأخير الأدوار التي تلعبها القوى العالمية في سوريا، بدءًا من روسيا التي تريد استعادة مكانتها الدولية، أو إيران الساعية لتكون القوة الإقليمية الأولى، إضافة للولايات المتحدة، ودول مجلس التعاون الخليجي، والدور التركي، وعلى ضوء ذلك يصل في نهاية الكتاب إلى رسم أربعة سيناريوهات للحالة السورية مستقبلًا، وهي إما تقسيم سوريا بين خمس إدارات، أو إلى ثلاثة كيانات، أو حدوث اتفاق "سلام هش"، وآخرها "تصاعد الحرب بالوكالة وانعكاسات الصراعات الدولية على الساحة السورية".

 

اقرأ/ي أيضًا:

يوميات الثورة في حلب

7 أسباب لكذب قادة الدول