14-فبراير-2017

غادة عيد (فيسبوك)

خالفت غادة عيد تيار الإعلام المتجه نحو السياسة والفن وشيء من الثقافة والكثير من الترفيه، فعُرفت بفتح ملفات الفساد، ذاك العنوان الفضفاض الذي يثير الرُعب والتشويق والمقت واليأس.. فيجذب الناس للمشاهدة رغم روائح الصفقات والجرائم والاختلاسات الكريهة. هل كان خيار عيد -قبل أكثر من عقد من الزمن- على تلك الدرجة من الصعوبة التي يبدو عليها؟. في المبدأ سيكون التميّز حاجة أساسية لكل إعلامي وهدف دائم التجدد لا يقف عند حد. لكن في "كار" ليس له روّاد، لن تنافس غادة عيد إلا نفسها، مع غياب هذا النوع من البرامج "الملتزمة" شؤون وشجون المواطن في علاقته بالمسؤولين وبمؤسسات الدولة عن المحطات التلفزيونية بعامة، وإن قاربت بعض البرامج التي تتناول "ظواهر" مجتمعية شيئًا من هذه المواضيع فهي لا تنقطع لها تمامًا.

خالفت غادة عيد تيار الإعلام المتجه نحو السياسة والفن وشيء من الثقافة والكثير من الترفيه، فعُرفت بفتح ملفات الفساد لكن من دون جدوى في مواجهته

إذًا حظيت غادة عيد بملعب لا لاعبين فيه إلا نفسها. تأبطت ملفات الفساد وراحت تسجل الأهداف، دون حاجة إلى التفنن في الهجوم أو التحايل على الدفاع. في الحال الطبيعية كانت المنافسة لتدفع المذيعة إلى الاجتهاد أكثر، لكن البرنامج الذي وطأت به هذا الميدان عبر قناة "الجديد" وقدمته على مدى 12 عامًا فقد بريقه. وإن كانت البيئة اللبنانية خصبة لإنتاج أنواع لا يدركها الخيال أو تحيطها العقول من فنون الفضائح وابتكار التلاعبات، إلا أن عجز اللبناني عن الإصلاح بدءًا من سلوكه "المواطني" وصولًا إلى المحاسبة القضائية جعلت من وضع الإصبع على جرح الفساد عملية "تشهير" لا تعدو كونها "زوبعة في فنجان" لن تخرج منه لتعصف في المجتمع اللبناني وتُحرّض على المفسدين لملاحقتهم قانونيًا.

اقرأ/ي أيضًا: القطاع الصحي الحكومي في لبنان.. اختلاسات وفساد!

"عيب" البرنامج كان في تحوّله إلى مشهدية محتدمة، فيها استعراض الصراخ والشتم ورفع دعاوى القدح والذم، فتحوّل إلى "وجعة راس". لا هو يُقدّم في حلّ الملفات ولا يُؤخّر في أطماع المفسدين والفاسدين. قد يكون ما أحيا البرنامج طويلًا ومدّه بمادته الدسمة طبقات الفساد المتراكمة والمتجذّرة في بنية المؤسسات. وعيد لم يكن من الصعب عليها أبدًا أن تمدّ يدها إلى بئر الفساد العميقة والممتلئة في آن لتغرف منه ما تعرضه وتناقشه "على صوت عالٍ" على الشاشة. وهذا الغرْف كان بدوره عالي الجودة ومبهرًا في "تقنياته" الاحتيالية، لكن عيد أفقدته "بريقه" بأسلوبها الذي إن أبطأته ملّ المشاهد وإن رفعت نبرته غيّر القناة بكبسة زر في "الريموت كونترول".

وقبل أشهر انتقلت غادة عيد إلى تلفزيون "المرّ" لتقدّم في الإطار نفسه برنامج "علم وخبر" الذي قيل أنه يتماشى مع اهتمامها بقضايا الشعب، ووقوفها على مسافة واحدة من الجميع. بعد مرورها على "الدراما" عبر كتابة مسلسل "كواليس المدينة" الذي خرج إلى الضوء بالروحية نفسها وروائح الفساد التي كانت استفاضت في نقلها إلى المشاهد عبر برنامجها.

وبين ما عرضته غادة عيد على "الجديد" تحت عنوان "الفساد" وما تُقدّمه على "إم. تي. في"، بعيدًا من غربلات الإدارتين وتوجيهاتهما، أيًا كان مستوى الحديث عن رفع السقوف أو إزالتها كليًا، إلا أن وقع ما "تنبشه" عيد وتضيء عليه لم يعد له ذاك التردد الواسع الذي يصل إلى أسماع المتابعين؛ الفساد مسألة تعني كل مواطن، وإن كان الهدف من إعداد وتقديم هذا النوع من البرنامج تحريضه على الإصلاح، فإن غادة عيد لم تحقق المطلوب ولا تصوير المزيد من "أجزاء" برنامجها على محطات أخرى وبمسميات أخرى سيحقق هذا الغرض. و"إم. تي. في" ومن قبلها "الجديد" إن كانتا لا تدركان ذلك فهذه مصيبة، وإن كانتا تعلمان لكن لهما في صوت عيد ما يحقق هدفي الاستعراض وملء الهواء فالمصيبة أعظم.

اقرأ/ي أيضًا:

لماذا يموت أطفال رُضّع أمام المستشفيات في لبنان؟

من يؤجل حل أزمة نهر الليطاني في لبنان؟