11-مارس-2018

عيسى حديد (فيسبوك)

جاء الفنّان عيسى حديد (1977) إلى مسرح الطّفل، من عالم الكشّافة في ثمانينيات القرن العشرين، "حيث كنت "شبلًا" وأسرتني العروض المسرحية الفكاهية، التي كان يقدّمها الأكثر منّي سنًّا، ويُسمّون في أدبيات الكشّافة الجزائرية "الجوّالة"، إذ كنت أنسى واقعي وأغرق في الخيال، حالمًا بألا ينتهي العرض". وهي اللحظة التي بنى عليها لاحقا بحوثه العلمية وعروضه المسرحية.

اتخذ عيسى حديد من جمعيته التي تزامن تأسيسها مع خروج الجزائر من مرحلة العنف، منصّة لاستقطاب المواهب

نجد ذلك في مذكّرتي التخرّج، اللتين نال بهما عيسى حديد شهادتي الماجستير في القانون وفي علم النّفس التّربوي. حيث تناول "المسرح المدرسي وأثره في التّحصيل المدرسي"، و"دور السّيكودراما في تخفيف مستوى الخجل لدى التّلميذ"، "وقد أفادتني تجربتي الشّخصية في الوصول إلى استنتاجات علمية مهمّة، من خلال الفرقة التي ساهمت في تأسيسها عام 1996، ومن خلال تأسيسي لـجمعية "آفاق الجزائر الثّقافية" في مدينة الأغواط عام 1999."   

اقرأ/ي أيضًا: بوتشيش بوحجر.. ماريشال المسرح الجزائري

اتخذ عيسى حديد من جمعيته الجديدة، التي تزامن تأسيسها مع بدايات خروج الجزائر من مرحلة العنف والإرهاب، منصّة لاستقطاب المواهب والطّاقات الشابّة، وبرمجتها على الممارسة والأخلاق المسرحية، حيث كتب نصوصًا وأخرج عروضًا افتكّت جوائز وازنة في المهرجانات المتخصّصة في مسرح الطفل، منها "الضّياع" عام 2000، و"زهرة" 2002، و"الكنز" 2004، و"مدينة العلم" 2006، و"الحلم العجيب" 2007، و"الشّجرة" 2008، و"الأمانة" 2009، و"كتابي" 2010، و"أبيض وأسود"، و"البخيل" 2011، و"بيئتي" 2012، و"قطقوط" 2013، و"الأميرة قمر" 2015، و"اليتيمة" 2016، و"ضياع" 2018.

يقول عيسى حديد لـ"الترا صوت" إنه إذا كان مسرح الكبار مطالبًا بأن ينتقد الواقع ويعيد ترتيب عناصره، فإنّ مسرح الأطفال مطالب بأن يخلق واقعًا موازيًا، لا تربطه بالواقع الحقيقي إلا رغبة الطفل في الحلم والتّحليق والمرح، "وهو المعطى الذي جعلني أراهن على لغة وأسلوب مختلفين في عروضي المسرحية، وأعيش طفلًا حتى وأنا على عتبة الأربعين. لقد استفدت من مسرح الطفل حفاظي على طفولتي وأبجديات البراءة، حتى أنني لا أعرف معنى بعض الكلمات إلا من خلال القاموس مثل "الكذب" و"الغش" و"السّرقة".

حين وقع زلزال مدينة بومرداس، 60 كيلومترًا إلى الشّرق من الجزائر العاصمة، عام 2003، يقول عيسى حديد، وجدت نفسي أمام أطفال مصدومين ومضطربين وخائفين ومنكوبين بفقدان أسقف كانت تأويهم ونفوس كانت تحتضنهم، فوظفت المسرح في امتصاص الصّدمات والمخاوف والاضطرابات، وزرع البسمة في الأفواه والفرح في العيون. يسأل: "متى ننتبه إلى أن عالم الطفولة بسيط ونقي، فنكفّ عن تفخيخه بالمقولات التي تتجاوز وعي الطفل ومداركه؟".

في دار الشّباب المجاورة لدار الثّقافة في قلب مدينة الأغواط، 400 كيلومتر إلى الجنوب من الجزائر العاصمة، يزرع عيسى حديد يوميًا بصمة جديدة في مقرّ الجمعية، حتى بات شبيهًا بجنّة صغيرة، ينخرط فيها الأطفال في عوالم سحرية مختلفة عن عوالم البيت والشّارع والأسرة. يقول: "لقد بات طفلنا يُنهر من طرف الأب في البيت والمعلم في المدرسة، ويفتقد إلى إمكانيات اللّعب في الشّارع، وهو ما يجعله عنيفًا أو معقّدًا أو انطوائيًا، نعمل في الجمعية على امتصاص هذه المشاعر السّلبية لديه، واستبدالها بمشاعر إيجابية من خلال المسرح".

عيسى حديد (فيسبوك)

نجد نخبة معتبرة من الأطفال، الذين انتسبوا إلى "جمعية آفاق الجزائر"، قد تألّقوا في أفلام ومسلسلات تلفزيونية، مثل سليمى سليمان، 13 عامًا، في فيلم "البئر" للمخرج لطفي بوشوشي، وعلي زعيتري، 15 عامًا، في فيلم "الكبش السّاحر" للمخرج الصّادق الكبير، ومختار زعيتري الذي يعدّ أصغر ممثل مشارك في "المهرجان الوطني للمسرح المحترف" عام 2012. 

خلقت هذه الرّوح بين أسر المدينة وعيسى حديد ثقة عميقة، جعلتها تسمح له بأن يأخذ أولادها وبناتها إلى مدن بعيدة للمشاركة في مهرجاناتها المتخصّصة في مسرح الطفل، والعودة منها بجوائز وضعت الجمعية في صدارة الجمعيات الجزائرية المتوّجة، منها  المرتبة الثالثة في "المهرجان الوطني لمسرح الطفل بولاية عين الدفلى" عام 2002، وجائزة لجنة التحكيم في "المهرجان الوطني لمسرح الطفل" بولاية تسمسيلت عام 2008، وجائزة لجنة التحكيم في "المهرجان الوطني لمسرح العرائس" بولاية عين تموشنت عام 2015، وجائزة "القناع الفضّي" في "الأيام الوطنية لمسرح الطفل" بمدينة بودواو عام 2016، وجائزة "القناع الذّهبي" في "الأيّام الوطنية لمسرح الفتيان" بمدينة الأغواط عام 2017.

عيسى حديد: يحزّ في نفسي أن وزارة الثقافة الجزائرية لا تمتلك رؤية في مجال مسرح الطفل

اقرأ/ي أيضًا: أحمد رزّاق.. في هموم المسرح الجزائري

يحزّ في نفسي، يقول عيسى حديد، أن وزارة الثقافة لا تملك رؤية في مجال مسرح الطفل، وتوظيفه في زرع القيم التّربوية والجمالية، في بلد يشكّل سكّانه الأقل من 16 عامًا 40 بالمئة من الإجمالي العام للسكّان، "ولولا حماس وإرادة وغيرة نخبة من المسرحيين والتعاونيات المسرحية، لما كان لمسرح الطفل وجود في البلاد"، يختم: "لقد بات من المخزي أن نقول عن أطفالنا إنهم رجال المستقبل، بينما نتركهم يدخلون هذا المستقبل من غير زاد".

اقرأ/ي أيضًا:

محمد أمين رفاس.. مناضل شاب لأجل المسرح

محمد لحواس.. أن يلعب الممثّل دوره مضاعفًا