عودة يحيى الفخراني إلى المسرح... التمثيل كتشخيص تعددي

منذ أن أعلنت الصفحة الرسمية لوزارة الثقافة المصرية على الفيسبوك عن عودة النجم يحيى الفخراني إلى خشبة المسرح القومي مجددًا، لإعادة تقديم عروض مسرحية "الملك لير" لوليام شكسبير، بدأ الجمهور في التفاعل مع هذا التصريح والتعبير عنه بحالةٍ من السعادة والترقب.

 تلك النجومية التي تتكأ على الموهبة والذكاء والثقافة ولا تقتصر على مواصفات الجمال والشكل فقط عن الرج

لم يكن يحيى الفخراني نجم شباك سينمائي يومًا ما؛ لكنَّه من وخلال الأفلام التي شارك بها أو قام ببطولتها كرَّس لنجوميةٍ من نوع خاص. تلك النجومية التي تتكأ على الموهبة والذكاء والثقافة ولا تقتصر على مواصفات الجمال والشكل فقط عن الرجل. وقد توهجت تلك النجومية عبر أفلام عدة، لمخرجين كبار مثل محمد خان "خرج ولم يعد" (1985) و"عودة مواطن" (1986) أو شريف عرفة "الأقزام قادمون" (1987) أو رأفت الميهي "للحُب قصة أخيرة" (1986) ولعلَّه أجمل أدواره السينمائية. أما في مجال الدراما التلفزيونية، فقد أصبح "الفخراني" مع مرور الزمن، نجمها الأول؛ من خلال تقديمه لشخصياتٍ لا تبرح الذاكرة إلى يومنا: "ليالي الحلمية"؛ "زيزينيا" على سبيل المثال لا الحصر.

وبين السينما والتليفزيون، مثَّل المسرح له فضاءًا شديد التفرد والخصوصية، لذا نحاول هنا أن نقف عند أبرز المحطات المسرحية له وعلاقته بالجمهور والعناصر التي أسهمت في تكوينه.

شارك هاويًّا في العديد من المسرحيات على خشبة المسرح الجامعي وكان رفاقه يستعينون به لأداء الأدوار المركبة

على الرغم من دراسته للطب وتخرجه في جامعة عين شمس سنة 1970، فإن الفن كان المغناطيس الذي لم يستطع محمد يحيى محمد الفخراني (الشهير بيحيى الفخراني) أن يهرب من قوى جذبه. ففي المرحلة الثانوية، استهوته الموسيقى فمارسها، لكنَّه سُرعان ما تركها واتجه سريعًا صوب التمثيل. شارك هاويًّا في العديد من المسرحيات على خشبة المسرح الجامعي وكان رفاقه يستعينون به لأداء الأدوار المركبة. فلاحظ – مع الوقت – أنه يتعامل مع مسألة التمثيل بجدية، رغم أنه لا يزال هاويًّا وفي بداياته. وقد يظن البعض أن دراسة الطب، أبعدت المسافة بينه وبين التمثيل، فنجده يعترف في أحد حواراته مع السيناريست الراحلة نادين شمس (مجلة الفنون، العدد 7، تموز/يوليو 2001): "إن دراستي وممارستي للطب لم تكن كما يتصور البعض منطقة بعيدة عن التمثيل ولكن هذا المجال أكسبني نوعًا من المنهجية في التعامل مع السيناريو وفي تحضيري للشخصية التي أؤديها، فأنا أحللها بالمنطق نفسه الذي أقوم فيه بعمل Deferential Diagnosis أي التشخيص التعددي للشخصية التي أنا بصدد القيام بها".

جذبه المسرح بشكل لا يُصدق، فاستقال من وظيفته الأساسية وتفرغ للتمثيل. كان أداؤه لمسرحية "لكل حقيقته" لبرانديلو على خشبة مسرح الجامعة، نقطة تحول بالنسبة له. واكتسب مع الوقت خبرةً واسعةً في التعامل مع فنيات الأداء المسرحي وأبعاده، فلم يعد تمثيله قاصرًا على تعابير الوجه وإنما حركات الجسد وإشاراته أيضًا.

وجاءت أعماله المبكرة في المسرح، لتؤكد تلك الموهبة الكبيرة مثل: "ياما كان في نفسي" لفرقة نجيب الريحاني (1973)؛ "حُب وفَركشة" لفرقة أنغام الشباب (1974)؛ "راجل مفيش منه" لفرقة المدبوليزم (1975)؛ "الباب العالي" لفرقة تحية كاريوكا" (1977). لتتوالى بعدها أدواره المسرحية الراسخة.

كان "الفخراني" حسب تعبيره "فأنا على المسرح أترك نفسي لإحساس الشخصية، مستجيبًا بشكلٍ دائم – وفقًا لملامحها الدرامية – لحالة الجمهور وردود أفعاله، وهو ما قد يجعل مستوى الأداء يختلف من جملة لأخرى في العرض نفسه هو بالتأكيد يختلف من يومٍ إلى آخر بشكل متفاوت، وهذا يعني أنني بمجرد أن أدخل المسرح، أدخل الشخصية ثم أترك نفسي تمامًا لها تتصرف بما تمليه اللحظة بما فيها من استجابات الجمهور، استطرادات الزملاء والزميلات معي على خشبة المسرح. وأتصور أن هذا يعني أن مفهوم الشخصية المؤداة على المسرح أوسع وأكثر مرونة من الشخصية المؤادة للكاميرا".

قدم "الفخراني" مجموعة من المسرحيات المتميزة خلال رحلته التمثيلية مثل: "حضرات السادة العيال" (1982)؛ "راقصة قطاع عام" (1985) وكذلك العمل الرائع "البهلوان" (1987) من تأليف يوسف إدريس والتي يؤدي من خلالها شخصية رئيس تحرير في الصباح ولاعب سيرك في المساء؛ "البحر بيضحك ليه؟" (1990)؛ "أنشودة الدم" (1991) والتي يؤدي بها دور تاجر سلاح؛ "سعدون المجنون" (1992)؛ "غراميات عطوة أبو مطوة" (1993) المأخوذة عن أوبرا الشحاذين؛ "ليلة من ألف ليلة" (1995) في افتتاح مسرح الجمهورية" وكذلك "الطيب والشرير" (1998).

كان المسرح غواية "الفخراني" الأساسية، يعود له من حينٍ لآخر

كان المسرح غواية "الفخراني" الأساسية، يعود له من حينٍ لآخر. وفي السنوات الأخيرة، كانت مسرحية "الملك لير" من بين العروض المسرحية التي لاقت رواجًا كبيرًا بين الجمهور وتقديرًا من قِبل غالبية النقَّاد. صرَّح "الفخراني" عن ولعه بشخصية شكسبير في حواره مع الناقد السينمائي طارق الشناوي (مطبوعات المهرجان القومي للسينما المصرية 2015) "بالنسبة للكُتَّاب اللي زي شكسبير، أنت كل يوم بتكتشف في الجملة حاجات، تكتشف أن هذه الجملة كان من الممكن يقصد بها كذا، يعني تشوف حاجات كثيرة، وفي مسلسل "دهشة" اللي هو معالجة لشكسبير "الملك لير" شُفت حاجات أبعد من اللي أنا كُنت شايفها قبل كده، ما هو 8 أو 9 سنين تقريبًا برضه بأزداد نضجًا وتجارب حياتية".