27-مايو-2017

بعد اختفائه عدة سنوات، عاد البرادعي مرة أخرى للإعلام (جوستين تاليس/ أ.ف.ب)

شهدت الفترة السابقة عودة أحد أبرز رموز المعارضة المدنية في مصر، إلى الساحة الإعلامية من جديد، بعد غياب سنوات متتالية، ألا هو محمد البرادعي، الذي كان من أشد المعارضين للرئيس المصري الأسبق محمد مرسي، إذ نادى بتنحيته عن الحكم بعد عام واحد من فترته الرئاسية، بدعوى فشل الأخير في إدارة شؤون البلاد، بالإضافة إلى كونه أحد أهم زعماء "جبهة الإنقاذ" التي عارضت سياسات جماعة الاخوان المسلمين آنذاك، ودعت للاحتشاد الشعبي في 30 حزيران/يونيو 2013

البرادعي والصدام مع الإسلام السياسي

البرادعي كغيره من زعماء المعارضة ممن رفضوا تولي منصب رئاسة الوزراء بعد أن تم عرضها عليهم في مستهل حكم مرسي، فصرح بجملته الشهيرة التي قال فيها إنه يرى نفسه في المعارضة ولا يرى نفسه في السلطة أو الحكم، واستدل بانسحابه من سباق الرئاسة بعد الثورة رغم شعبيته الكبيرة آنذاك. كل هذا أظهر أن البرادعي لا يسعى إلى سلطة أو منصب ولكنه تحوّل بعد الانقلاب مباشرة إلى نائب رئيس الجمهورية للعلاقات الخارجية، مع الرئيس المؤقت عدلي منصور. 

البرادعي الذي يتغنى بالديمقراطية دعم انقلابًا عسكريًا، ومن قبله حل البرلمان بعد 6 أشهر من انتخابه، لمجرد أن أغلبيته من الإخوان!

في الواقع لم أندهش أبدًا عندما تم اختيار البرادعي بالأخص لهذا المنصب بقرار من الرئيس المصري آنذاك عدلي منصور، والذي صدر فعليًا من السيسي المدبر الأول لما حدث. فمن المسلم به على مر التاريخ أن أولى وأهم الصعوبات التي تواجه أصحاب الانقلابات العسكرية، هي إقناع دول العالم وجميع الحكومات وووسائل الإعلام أن ما حدث ثورة وليس انقلاب، لذلك اعتقد أنهم لم يجدوا شخصًا أفضل من البرادعي لشغل منصب نائب الرئيس للعلاقات الخارجية، فالبرادعي ليس مجرد معارض للسلطة أو ناشط سياسي، فهو حاصل على جائزة نوبل قبل أي شيء، بالإضافة إلى كونه عاش أكثر من نصف عمره في الخارج في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، فالبرادعي على معرفة ليست بالهينة بمسؤولين وبمحطات إعلامية كبيرة في أمريكا وأوروبا بمقتضى عمله آنذاك كمدير للوكالة الدولية للطاقة الذرية.

اقرأ/ي أيضًا: إبراء الذمة لم يعد كافيًا

فكيف لشخص مثل البرادعي التفت حوله كل التيارات في شباط/فبراير 2010، بما فيهم التيار الإسلامي بقيادة جماعة الإخوان المسلمين، وأعطت له توكيلات الجمعية الوطنية للتغيير، وكيف لشخص بهذه الحنكة، أن يوافق على تدخل الجيش لحل نزاع سياسي بين الفصائل السياسية؟

في تصريح سابق للبرادعي، قال إنه عندما استدعيَ لاجتماع من طرف المجلس العسكري ليلة الانقلاب (3 تموز/يوليو 2013) وذهب فلم يجد هناك ممثلًا عن جماعة الإخوان المسلمين، بينما وجد كل أطراف الدولة المصرية من ممثلي للقضاء والشرطة وكذا شيخ الأزهر وبابا الكنيسة وجميع أحزاب المعارضة، فاستشعر بأن شيئًا غريبًا يحدث، وسأل السيسي لماذا لم يحضر محمد الكتاتني مندوب حزب العرية والعدالة الذراع السياسي للإخوان المسلمين؟ فأجابه السيسي بأنّه لن يأتي. لينتهي اليوم بانقلابٍ عسكري، فهل هذا معقول؟! هل من المنطقي أنه بعد كل هذا والبرادعي لا يعلم بأن السيسي يخطط لانقلاب عسكري؟!

البرادعي الذي ينادي بالحرية ويتغنى بالديمقراطية كل يوم، دعم ووافق على حل البرلمان المصري بعد ستة أشهر فقط من انتخابه لمجرد أن أغلبيته من الإخوان، أو من تيار لا يتفق معه أيديولوجيا!

تناقضات المعارضة آنذاك بزعامة البرادعي

وافق البرادعي على وضع رئيس منتخب بالسجن بعد عام واحد من حكمه، بالإضافة إلى صمته عن تصفية كاملة لفصيل سياسي معظم مؤيديه وشبابه إن لم يكن جميعهم في السجون بأحكام لعشرات السنين وبالإعدام، وفي المقابل لا يتكلم أو ينتقد إلا عندما يُعتقل شاب أو فتاة من التيار الليبرالي أو اليساري، منثل أحمد دومة أو غيره.

البرادعي الذي اتهم مرسي بالدكتاتورية والانفراد بالسلطة، رفض كل دعوات الحوار التي وجهت له آنذاك، بدعوى أن مرسي لن يستجيب لطلباته، وكأنه عالمٌ بالغيب، بالإضافة إلى اتهامه للإسلاميين بالتحالف مع نظام مبارك، دون أخذ عمرو موسى الذي وقف بجواره في جبهة الإنقاذ في الاعتبار، وهو الذي يُعد ركنًا من أركان نظام مبارك. 

اقرأ/ي أيضًا: عزمي بشارة.. تحولات الثورة المصرية (2-2)

المعارضة بقيادة البرادعي دائمًا ما كانت تطالب مرسي بثورية في القرارات من أجل إصلاحات سياسية واقتصادية، وعندما كان يفعل مرسي ذلك هاجموه بشدة وطالبوه باحترام أحكام القضاء والقانون، والإعلام المصري وقدسية مدينة الإنتاج الإعلامي! بينما الآن هم أكثر من يهاجمون نفس الإعلام ويتهمونه بالدعم المطلق للسيسي. ولكنه كان جيدًا عندما كان يهاجم تيار الإسلام السياسي ومرسي باتهامات وهمية مثل بيع الأهرامات وسيناء وغيرها.

البرادعي دائمًا ما كان يتهم مرسي بالضعف في إدارة شؤون البلاد، رغم علمه جيدًا بأن مرسي واجه انقلابًا قويًا في كل مؤسسات الدولة، بدايةً من الإعلام مرورًا بالشرطة والقضاء والمحليات، انتهاءً بالجيش وما تسمى بالأجهزة السيادية، وهو الانقلاب الذي انكشف بعد ذلك عندما حُلّت مشاكل الكهرباء والبنزين في يومٍ واحد.

البرادعي اتهم مرسي بكل هذه الاتهامات دون أن ياخد في الاعتبار أنه لا يوجد رئيس في العالم يعمل بدون مجلس شعب مثلما كان الحال مع مرسي، بينما عندما واجه البرادعي جزءًا بسيطًا من هذا الانقلاب والغدر، مجزرة فض اعتصامي ميداني رابعة والنهضة، قدّم استقالته وسافر إلى النمسا، ليبقى لثلاث سنوات بعيدًا عن الضوضاء، أو كما قال بكل صراحة: أردت الراحة والبعد عن الضوضاء".

البرادعي والانقلاب على مرسي

في الواقع لا أعلم ما هو إحساس البرادعي عندما شاهد زعيم المعارضة العلمانية في تركيا، كمال كليتشدار أوغلو، أثناء الانقلاب الفاشل في تركيا، ليعلن دعمه لأردوغان حينها، بل ومطالبته مؤيدي حزب الشعب الجمهوري بالنزول للميادين لرفض الانقلاب العسكري والتصدي للدبابات في الميادين، وتصريحه التاريخي بعد ذلك: "نحن نرفض سياسة حزب العدالة والتمنية وأردوغان دكتاتور فارغ، ونتمنى أن يزول حكمه اليوم قبل الغد، ولكن ليس بانقلاب عسكري، بل بصناديق الاقتراع، دون تدخل الجيش في اللعبة السياسية".

كل الأطراف السياسية مسؤولة عن ضياع ثورة يناير، بما فيها التيارات الإسلامية، لكن الأعمى فقط من يرى نفسه لا يُخطئ

في مصر شاهدنا فقط شباب التيار الإسلامي في الميادين يرفضون الانقلاب وتدخل الجيش ويموت منهم العشرات، وسط فرحة عارمة وشماتة من أحزاب المعارضة.

اقرأ/ي أيضًا: الانقلاب التركي ظهر قبل 4 شهور من حدوثه

لا أعتقد أبدًا أن البرادعي استقال حقًا من منصب نائب رئيس الجمهورية لمجرد رفضه أسلوب فض ميدان رابعة وميدان النهضة، بل أعتقد أنه أدرك حقًا أنه اشترك بقصد أو بدون قصد في الانقلاب، فأراد أن ينقذ ما يمكن إنقاذه من شعبيته أمام مؤيديه والغرب، كما أعتقد أن البرادعي لم يكن يختلف مع مرسي ومع سياسات جماعة الإخوان وتيار الإسلام السياسي بشكل عام سياسيًا، على قدر ما كان يختلف معهم أيديولوجيًا وفكريًا!

كل الأطراف السياسة مسؤولة عن ضياع ثورة يناير بما فيهم التيار الإسلامي والمعارضة المدنية، فجميعهم خان الثورة، ولكن الأعمى فقط من يرى نفسه لا يخطئ ويري غيره هو المخطئ الوحيد، والكل تحالف مع العسكر سواءً كان ذلك متعمدًا أو غير متعمد.

 

اقرأ/ي أيضًا:

حوارات البرادعي.. إعلام السيسي يهيج مرة أُخرى

مأزق الاصطفاف في مصر