03-يوليو-2016

من مسلسل بلا غمد

مع الأمل الذي انعقد على عودة الدراما السورية إلى واجهة الدراما العربية، وتجاوزها للمعيقات الكثيرة المفروضة عليها نتيجة الوضع السياسي الراهن، خاصة مع إنتاج 30 مسلسلًا في رمضان 2016، برقم لم تصل إليه منذ ست سنوات على الأقل، لم يتوقع أحد أن تهتز واقعية الدراما السورية إلى هذه الدرجة، الواقعية التي كانت صفة ملازمة لصناعة المسلسلات الأكثر رواجًا في الوطن العربيّ.

مفارقة غريبة أن يكون حضور سوريا في الأعمال التي أنتجت خارجها، أكثر من حضورها في أعمالٍ صورت داخلها!

لا يخفى على أي مهتم أن خيبات أمل كبيرة وكثيرة ميزت هذا الموسم، على عكس ما كان يتوقعه النقاد والمشاهدون. ولعلنا نستطيع فهم أزمة الإنتاج من خلال متابعة الإشكاليات الكثيرة التي أجلت أو ألغت مسلسلات، وغيرت كتابًا ومخرجين وممثلين، أو الرقابة الخانقة التي حذفت مشاهد وغيرت مضامين كثيرة، لكن كيف يمكن فهم اختفاء سوريا من أعمال صوّرت داخل سوريا نفسها، فكانت مفارقة حضور سوريا في الأعمال التي أنتجت خارجها، أكثر من حضورها في أعمال صورت داخلها!

اقرأ/ي أيضًا: مسلسل الندم.. زمن الخراب دائري

تعددت الآراء المتعلقة بمعالجة الدراما للمرحلة السياسية القائمة في سوريا، من بدايتها، وصولًا إلى ما تطور إليه هذا النقاش في الموسم الجديد، ومع أن الحدث السياسي لم يكن ظاهرًا في كثير من مسلسلات هذه السنة، إلا أن معظم الأعمال أخذته كخلفية فقط للقصص الاجتماعية أو العاطفية التي تعرضها. 

وهذا ليس اعتراضًا طبعًا على أخذ ما يحدث في سوريا إطارًا لفهم يوميات الناس، وتجاربهم التي قد تكون منفصلة عن الحدث بشكل مباشر، فقد كان نجاح تجارب مثل هذه واضحًا في أعمال مختلفة من الموسم الماضي، على غرار "غدا نلتقي" (إخراج رامي حنا وسيناريو وليد أبو الشامات) واحد من أنجح الأعمال من بداية الثورة السورية، إضافة إلى أعمال أخرى أظهرت نفس النمط مثل مسلسل "بانتظار الياسمين" (إخراج سمير حسين، وسيناريو أسامة كوكش). أو أعمال من مواسم ماضية مثل مسلسل "سنعود بعد قليل" (إخراج الليث حجو، وسيناريو رافي وهبي 2013) المسلسل الذي لم يكن أقل نجاحًا، إضافة إلى مسلسلات أخرى مختلفة.

لكن الفرق هذه المرة، أن الثورة في سوريا لم تعد خطًا ناظمًا أو إطارًا لفهم أو تقديم رؤية تفصيلية، بقدر ما تحولت إلى صورة باهتة معلقة على جدار استوديو التصوير، قطعة لإكمال ديكور العمل، أو للتأكيد أن أحداث المسلسل تحصل في السنوات الأخيرة فعلًا. وهذا بدوره يجعلنا نتساءل عن التزامات الدراما تجاه الواقع، خاصة من مدرسة سورية عودتنا في الفترة الأخيرة على علاقتها الوطيدة بالواقع.

تغييب النقاش الأكثر حضورًا في المجتمع، وتحييده، يبدو بحد ذاته مبررًا لأخذ واقعية الدراما السورية إلى سياقات الشك

ما عدا ذلك، فقد تم الهروب زمنيًا من الحدث، وتحول الاشتغال على التاريخ على ما يبدو فرارًا من معالجة ما يحدث، وغير ذلك فقد تمت محاولة تمرير أحكام اجتماعية وسياسية تتعلق بالواقع السياسي في سوريا من خلال الأعمال التاريخية، التي تبحث في واقع وسياق منفصلين. والأهم أن المقاربات جاءت ضمن إلحاح مستمر على خلو التاريخ القريب لسوريا -قبل الثورة- من أي نزاعات طائفية أو دينية، وقيامه على تعايش كامل. وفي ذلك مأزقان لواقعية الدراما السورية.

اقرأ/ي أيضًا: طلال الناير.. إقامة دائمة في شرايين أفريقيا

أولًا لأن التاريخ لم يكن كذلك فعلًا بطبيعة الحال، بصورة واحدة وبصفة ثابتة، إضافة إلى مأزق القفز عن فئات اجتماعية مهمشة، والحاجة من أجل التأكيد على الفردوس المذكور إلى اختصار سوريا ببعض الأحياء "الياسمينية" والمجموعات الاجتماعية. ولأن ترك الواقع وتغييبه من خلال تكرار أعمال تاريخية يحيل إلى نفس النتيجة، وفوق ذلك فإن إلزام المراحل السابقة وتحميلها نقاشات جارية الآن، يحيل إلى الشك في مصداقية ما يؤرخ له العمل.

على أية حال فإن تغييب النقاش الأكثر حضورًا في المجتمع، وتحييده، يبدو بحد ذاته مبررًا لأخذ واقعية الدراما السورية إلى سياقات الشك، أضف إلى ذلك الانشغال برصد الأسئلة الاجتماعية النمطية، ضمن عناوين عامة لا تجديد فيها، بما بدا كأن أي هروب من الحدث السياسي سيكون موفقًا، حتى لو كان عن مواضيع مطروقة وجاهزة. وغير ذلك أن مواجهة الواقع بما حمل من طائفية وإرهاب في سوريا، كانت فقط بالنسبة لصناع الدراما من خلال التأكيد على الفترة الخالية من كل ذلك قبل الثورة، والتأكيد على أي صفة حسنة آنذاك.

بهذه الطريقة بالضبط، غرس صناع مسلسلات كثيرة رؤوسهم في الرمل، معتقدين أن عدم رؤيتهم للأشياء يخفيها، وأن مواجهة ما يحدث تكون بإنكاره. 

اقرأ/ي أيضًا:

ميريل ستريب: أنا لست دومًا سعيدة

تيناريوين.. موسيقى الكفاح