02-فبراير-2023
من صفحة ذاكرة فلسطين

من صفحة ذاكرة فلسطين في فيسبوك

وُضعت فلسطين ضمن منظور عصري وحيوي حين بدأ العمل على أرشفتها يغدو ورشةَ عمل جماعيةً، يتشارك فيها أناس مختلفو الأعمار والاتجاهات الفكرية، في أماكن متنوعة، يجمعهم هدف واحد هو توثيق مناحي الحياة الفلسطينية. فنكران الحق الفلسطيني لم يعد مقتصرًا على سياسيات الاستعمار الاستيطاني وحسب، بل صار جزء من العرب يفعل ذلك، عبر إطلاق الذباب الإلكتروني للتشكيك في روايات أساسية مثل رواية النكبة.

لم تأخذ الأرشفة لدى الفلسطينيين اهتمامًا كبيرًا، وكاد الاهتمام يقتصر على أرشيف مؤسسة الأبحاث، الذي تعرض لعملية اختطاف وأسر شهيرة، وبقي مهملًا في الصحراء الجزائرية بعد استعادته. لكن المشهد تغير في مرحلة ما بعد اتفاقية أوسلو، إذ خرجت مبادرات تدعو إلى التمسك بحق العودة، فعقدت مؤتمرات تبعها تشكيل مجموعات مختلفة لم تنسّق فيما بينها لكنها أكدت على تمسك الشعب الفلسطيني بثوابته، وتجلّى ذلك في النشاط الكبير في جمع التاريخ الشفوي للنكبة، ولدينا مشاريع عظيمة تستحق الإشادة مثل "فلسطين في الذاكرة" أو "Palestine Remembered".

كما بدأت تظهر ابتكارات شبابية عديدة لتقديم الرواية الفلسطينية بأشكال مختلفة، مثل مبادرة "خزائن" التي تهتم بجمع المنشورات اليومية كالملصقات والإعلانات التجارية وبطاقات المعايدة والسينما. وكذلك  مبادرات ومشاريع أخرى عملت على التوثيق البصري، وثالثة تقوم على الزيارات للجغرافيا المسلوبة، إلى جانب مشاريع أرشيفية للتاريخ الاجتماعي قدمتها كل من جامعة بير زيت ومؤسسة الدراسات الفلسطينية.

يضع موقع "ذاكرة فلسطين الذاكرة السياسية جنبًا إلى جنب مع الذاكرة الشخصية والاجتماعية يمنحنا القدرة على معاينة التجربة الفلسطينية عن كثب

والآن يطلق المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات موقع "ذاكرة فلسطين" ليكون أرشيفًا لكل ما يخصّ ذاكرة القضية الفلسطينية. وسوى أنه موقع سهل الاستعمال، غني بمواد تتوفر للمرة الأولى، ومشيّد بطريقة تجعله قابلًا للتطوير الدائم، فإنه حين يضع الذاكرة السياسية جنبًا إلى جنب مع الذاكرة الشخصية والاجتماعية يمنحنا القدرة على معاينة التجربة الفلسطينية عن كثب، وتشكيل موقف منها، وهو ما يقود إلى ابتكار رؤية واستراتيجية وخطاب، بعيدًا عن التأثيم أو التقديس لما سبق، فالتجارب الفلسطينية تكمل بعضها بعضًا، وإن بدت منفصلة ولكل مرحلة بدايات جديدة.

يؤكد الموقع أنه ليس من مهمة الأرشيف أن يساعدنا على كتابة التاريخ، وإن كان يفعل ذلك، بل أن يأخذنا لنعيش ذلك التاريخ حتى نصاب برعشة عاطفية تجعلنا نشعر به، خصوصًا مع قراءة وثائق بخط اليد أو بخط الآلة الكاتبة، وبلون الورق المُصفر. إنه يساعدنا في فهم كيف تشكّلنا كجماعة على ما نحن عليه اليوم. من جانب آخر، يترافق جمع أحداث الماضي مع عملية تحليلية، تتجلى في فهمنا لكيفية حدوث ما حدث، ولأدوار الفاعلين فيه، بل حتى لمشاعرهم وأمزجتهم. وتحت تأثير سؤالَيْ: لماذا وكيف، لن نرى كيف أثّر في الناس في وقته، بل كيف تمتلك بعض الأحداث قوة تؤثر فينا بعد عقود طويلة ونحن نظن أن ذلك انتهى.

المحفوظات من السجلات الرسمية أو العائلية، والأوراق الشخصية من رسائل ويوميات وألبومات صور.. توفر أدلة لإثبات الحياة الواقعية الطبيعية قبل مجيء الاستعمار. الأمر الآخر أن إسرائيل بمقدار ما حاربت الأرشيف فهي عادلت بينه وبين الأرض الفلسطينية التي سعت وتسعى لانتزاعها، من حيث إن الأرض نفسها أرشيف طبيعيّ للحياة، وهكذا حدث لكل منهما ما حدث للآخر من طمس وتشويه وتغيير معالم.

ليست الأرشفة بالهواية الفلسطينية المفضلة، ولا هي لعبة ذات جماهيرية واسعة، إنما هي طريقة تعبير عن الانتماء، ووسيلة للحوار الفلسطيني العام بين الأجيال الجديدة، وفوق هذا وذلك هي مقاومة بالذاكرة. أكثر من ذلك؛ هي سردية شعب لا تتوقّف عن بناء نفسها.