27-نوفمبر-2018

موراكامي في كارتون

يتخلى الناقد لونيس بن علي عن عباءته الأكاديمية، ولو للحظات، متسللًا إلى عالم القصة الطويلة، أو فن النوفيلا، في إصداره السردي الذي يحمل عنوان "عزلة الأشياء الضائعة.. القصة المريبة لمصرع موراكامي" (الجزائر تقرأ، 2018).

يعتقد بطل رواية لونيس بن علي أن الروائي هاروكي موراكامي متورط في وفاة والده

تدور أحداث نوفيلا "عزلة الأشياء الضائعة" بين الواقع والخيال، وتطرح أبعادًا وجودية وتساؤلات عن الموت والوجود بين الحضور وألم الغياب، وإشكالات عن ماهية الأدب والرواية، ولمسات من السيرة الذاتية والشخصية تروى تفاصيلها داخل هذا السرد النصي.

اقرأ/ي أيضًا: من أين أبدأ مع هاروكي موراكامي؟

في مصحة عقلية، داخل مكتب طبيب نفساني، تدور مجريات الحكاية بين زاهر أدهم وطبيبه، زاهر المنهار نفسيًا متهم بارتكاب جريمة قتل تقع بين أطراف الحلم والواقع.

هي ليست رواية بوليسية، بل قصة تلامس الواقع وتبحر في الخيال والرمز عبر تخيلات، ومقاطع نصية أقرب إلى النثر الشعري في الحديث عن حزن موت الوالد، ورسم شجون عن ذلك الغياب والذهاب الأبدي. أما الجانب المتخيل فيكمن في قرار أدهم الانتقام رمزيًّا لموت الأب عبر قتله للروائي الياباني موراكامي، والسبب يعود، حسب أدهم، أن صاحب "كافكا على الشاطئ" متورط في وفاة والده.

ارتبط هذا الهذيان زمانيًا بين قراءة زاهر أدهم لرواية "الغابة النرويجية" لموراكامي والرحيل المفاجئ للوالد. حيث يقول: "قررت أن أضع حدًّا لهذا الروائي"، "أعتقد أنه عليه أن يدفع الثمن"، لكن التقرير الأمني على مكتب الطبيب يشير على لسان الطبيب: "لكنك أول شخص يصر أنه قتل روائيًا في غياب أي دليل، وأدوات الجريمة هي قطرات دم على رواية "الغابة النرويجية".

هذه الإيحاءات تدعونا إلى التساؤل عن مبرر انتقام أدهم واغتياله للروائي الياباني بسبب روايته "الغابة النرويجية"، تساؤل يتقاسمه معك الروائي حين يقول: "ما علاقة موت أبي برواية موراكامي؟"، "رواية موراكامي، رواية لعينة".

تزداد الاسئلة وتتوسع الاستفهامات عند تلقيه مراسلة من عند شخصية ميمون الذي فارقت والدته الحياة بينما كان غارقًا في قراءة الرواية نفسها، فهل هي الصدفة، أم القدر، أم لعنة  اختيار الأدب؟ لن تجد إجابة واضحة عبر باقي الصفحات بقدر المزيد من التساؤلات.

يراسل أدهم  موراكامي، يقول له في الرسالة معاتبًا: "هل أنت كاتب لعين؟"، "أنا أسأل عن علاقة موت أبي برويتك الغابة النرويجية؟"، "أنت مجرد روائي مجرم". يريد أدهم أن يحاكم الروائي الياباني على نهاية نصوصه الروائية التراجيدية التي يصف خواتمها: "تنتهي دائمًا بخيارات الموت"، ويتسأل أيضًا: "هل القارئ اليوم مولع بالنهايات القاسية؟". في هذه الجزئية يحمل الكاتب لونيس بن علي رؤية نقدية عن أعمال الروائي الياباني وهوس القارئ واتجاهه نحو الروايات المأساوية.

باقي القصة هي حوارات داخلية وشظايا تدور عن بكائية  فقدان الوالد، تعكس صورة واقعية عن تجربة الكاتب بعد وفاة والده، رحيل يترك بصامتة في عمل روائي يطرح أسئلة دون أجوبة عن ميتافزيقية الموت وأسبابه القدرية.

قطرات دم على رواية "الغابة النرويجية"، تقود بطل لونيس بن علي لاعتبارها دليلًا على علاقة موراكامي بموت بأبيه

تكفيك جلسة أمام فنجان قهوة لإتمام هذه العمل الروائي الجميل، ليس لأن القصة الطويلة من 90 صفحة، بل بسبب اللغة المتدفقة والعاطفية والشاعرية التي جاءت على كامل الأسلوب القصصي، والفضول المنبعث الذي من داخلها، يحرك عملية البحث عن الإجابات والتساؤلات عن رمزيات معينة.

اقرأ/ي أيضًا: هاروكي موراكامي في "قتل قائد الفرسان".. الأدب والسحر

أنهيت قراءة "عن الحب والموت" لباتريك زوسكيند عندما بدأت بقراءة "عزلة الأشياء الضائعة " للونيس بن علي، وكانت فرصة أمدتني بوضع مقارنة بين نظرة باتريك ولونيس عن الموت، فلقد حملت نظرة الكاتب الألماني للموت أبعادًا فلسفية وميتافزيقية وعدمية، مرتبطة بالصراع من أجل الخلود وفرضية تناسخ الأرواح، بينما كانت نظرة لونيس تعبر عن مرارة تجربة مرت على حياة الكاتب، ما أكسبته عاطفة ترجمها بلغة إنسانية وشاعرية جميلة وعلى الرغم من الطرح الميتافيزيقي إلا أن لمسة الحزن دمغت العمل.

 

اقرأ/ي أيضًا:

هاروكي موراكامي.. كهف الريح

انسحاب هاروكي موراكامي من جائزة نوبل البديلة.. دعوني أكتب