04-نوفمبر-2015

معاناة السودانيين من المواصلات(إبراهيم حميد/الأناضول)

"عدم الشغلة بطال"، مثل سوداني يطرق أبواب ذهني حينما أرى الفراغ والتسيّب في بلدي السودان. كل يوم، عند الاستيقاظ باكرًا للذهاب إلى عملي أقرأ الأذكار وأدعو أن يمر يومي بسلام، لكن ما أن أصل المحطة إلا وتبدأ رحلة المشاكل. كم أتوق إلى يوم "سلس" أنتظر فيه في المحطة بهدوء، يصطف الناس، ويعتلون سلم الحافلة في هدوء أيضًا ودون تزاحم. لكن للأسف آمالي تبقى مجرد أحلام.

يكاد المرء يهلك وهو يترصد المواصلات السودانية كما تترصد الأسود فريستها لينقض عليها

من الطبيعي جدًا أن تمر ساعة أو أكثر وأنت تنتظر في محطة المواصلات لكي تتجه إلى المكان الذي تريده، فالمشهد الواقعي يكون كالآتي: تقف في موقف المواصلات، الذي لا أعلم هل يصح أن أطلق عليه هذه التسمية بدَلًا عن "سوق" لكثرة البائعين المتجولين، وتصل إثر ذلك إحدى الحافلات فيصعد شخص أو اثنين، ويصطف البقية في انتظار حافلاتهم، التي توصلهم إلى أكثر المناطق كثافة سكانية، وهي على عكس المنطق الأقل توفرًا.  

من الطبيعي أيضًا ملاحظة ضابط المرور الذي يقف دون حراك، وتمر في بعض الأحيان، وأنا ألطف عبارتي، الحافلات دون ركاب والمواطنون ينتظرون والتعلة انتهاء فترة عمل السائق. أما الذي يشعل غضب المواطنين فهي وقاحة سائقي الحافلات وهم يصرخون بصوت قبيح: "ما تركبوا ما شغالين"، وذلك بعد أن ركض الكثيرون لفترة طويلة، خلف الحافلة، صارخين "ماشي وين". ويوجد على جانب الحافلة ملصق يحدد سيرها واتجاهها لكن معظم السائقين يختارون طريقهم حسب مزاجهم وبطريقة مخالفة للقانون.

يكاد المرء يهلك، وهو تحت شمس السودان الحارقة والتي ألهبت الوجوه والعقول، وهو في الانتظار يترصد المواصلات كما تترصد الأسود فريستها لينقض عليها. وكي تكتمل لوحة المعاناة، وإن قررت أن توقف سيارة أجرة بدل انتظار الحافلة، فستكتشف أن سائق سيارة الأجرة يطلب مبلغًا ماليًا مضاعفًا وسيتحجج بالازدحام، وارتفاع أسعار الوقود وعدد المخالفات المرورية التي حصل عليها والتي يريد بالطبع تسديدها على حساب المواطن. هذا مشهد يتكرر كل يوم في حياة أي مواطن سوداني لا يملك سيارة خاصة به، ومجبر على استخدام المواصلات العامة.

الغريب أن أصحاب العمل والمال، يتوقعون من الموظفين الحضور في موعد انطلاق العمل المحدد، بالرغم من استيقاظ الموظفين قبل عدة ساعات، والخروج باكرًا تحسبًا لأزمة المواصلات، والتي ينتج عنها التأخير غالبًا، بجانب ذلك يرفضون هذه الحجة، الأمر الذي يؤدي إلى خصم المستحقات المالية من الموظف واتهامه بالتسيب والإهمال.

كل هذا دون تحرك واضح من الجهات المعنية، في المقابل يصرح المسؤولون في وسائل الإعلام عن وفرة المواصلات، وكأن مشاهد معاناة المواطن من صنع خياله، وتتواصل، في الأثناء، تصريحات المسؤولين وقراراتهم غير الصائبة، تحت عنوان "عدم الشغلة بطال".

اقرأ/ي أيضًا:

السودان.. هي هجرة أخرى

الرفق بالحيوان في السودان، عظيم.. والإنسان؟