03-أكتوبر-2015

نعم للاستفتاء على اتفاق المصالحة الوطنية المقترح من بوتفليقة سنة 2005(فايز نوردين/أ.ف.ب)

عرفت الجزائر أزمة أمنية خطيرة في بداية التسعينيات من القرن الماضي، دامت أكثر من عشر سنوات وعرفت بـ"العشرية السوداء"، وحصدت قرابة 200 ألف ضحية، عقب إلغاء المسار الانتخابي سنة 1991، الذي مالت كفته لصالح الجبهة الإسلامية للإنقاذ، وما تبعه من حل السلطة لهذه الأخيرة ومنعها من النشاط مع سجن قادتها، ليدخل الجزائريون بعدها في نفق مظلم، عاشوا خلاله كابوسًا حقيقيًا ظن الجميع أنه لن ينتهي، بسبب طغيان لغة العنف والقتل الوحشي، وغياب أي بارقة أمل.

أمام تلك الظروف الصعبة والدامية، وفي عام 1994، انعقدت ندوة الوفاق الوطني التي توجت بتعيين وزير الدفاع في ذلك الوقت، اليمين زروال، رئيسًا للدولة، أعقبها تنظيم انتخابات رئاسية تعددية في 16 تشرين الثاني/نوفمبر 1995، دخلها "زروال" كمرشح حر وفاز بنسبة تصويت كبيرة، مما كان كافيًا لإضفاء الشرعية على رئاسة الدولة، وفتح عهدًا جديدًا في تاريخ الجزائريين، لنوعية القرارات التي اتخذها هذا "الجنرال الرئيس" فيما بعد.

بتوليه الحكم، أكد زروال تبنيه لمبدأ الحوار، فبادر بإنشاء مجلس انتقالي ضم جميع الأحزاب، في خطوة اعتبرت انتصارًا حقيقيًا لدعاة الحوار والمصالحة، وحاول احتواء جميع التنظيمات السياسية البارزة والفعالة بكل إيديولوجياتها واختلافاتها المحورية، بهدف توحيد الرؤى وإرساء وفاق وطني يجمع كافة الجزائريين.

عرفت الجزائر أزمة أمنية خطيرة في بداية التسعينيات من القرن الماضي، عرفت بـ"العشرية السوداء"، وحصدت قرابة 200 ألف ضحية

وقد واصل زروال محاولاته رغم وجود مقاطعة من طرف أصحاب النظرة الاستئصالية، الذين ربطوا الحوار بالاستسلام، رغبة منهم في السيطرة على الأوضاع التي بدأت تفلت من أيديهم في عهده، بسبب قربه من الإصلاحيين الذين نشّطوا عدة مسيرات سلمية أهمها مسيرة 08 آيار/مايو 1994. وشارك في هذه المسيرة عدة أحزاب ومنظمات وطنية، وعمت كل محافظات الجزائر، فعلق الشعب آمالًا كبيرة على الحوار الوطني، إلا أن هذه الآمال سرعان ما خابت بإعلان زروال في خطاب له، عن فشل الحوار بعد العملية الإرهابية الشنيعة التي استهدفت أطفالًا للكشافة الإسلامية في الأول من تشرين الثاني/نوفمبر 1994، كما أعلن في ذلك الخطاب بأن الحوار سيكون منذ تلك اللحظة مع الشعب، وقرر إجراء انتخابات رئاسية قبل نهاية السنة.

في بداية كانون الثاني/يناير 1995، انعقد لقاء "سانت إيجيدو" بالعاصمة الإيطالية، وجمع عددًا من الأحزاب الجزائرية، واختتم بالتوقيع على وثيقة يلتزم فيها الجميع باحترام التداول السلمي على السلطة والاعتراف بالأمازيغية واحترام عناصر الهوية الوطنية، وإبعاد الجيش عن السياسة، غير أن هذا العقد فشل بسبب غياب أهم عنصر وهو النظام الحاكم، الذي نظم مظاهرات للتنديد بما أسماه التدخل الأجنبي في الجزائر.

في 16 تشرين الثاني/نوفمبر1995 جرت الانتخابات الرئاسية، وفاز اليمين زروال بالأغلبية المطلقة. وفي بداية سنة 1996، انعقدت ندوة الوفاق الوطني الثانية رغم مقاطعتها والتصدي لها من طرف أحزاب "التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية"، "جبهة القوى الإشتراكية" وحزب العمال، إلا أن الكثيرون اعتبروا هذه الندوة بداية جيدة لوضع الديمقراطية في الجزائر على السكة الصحيحة، بعد أن تمت صياغة دستور جديد مبني على مبادئ الوفاق والحوار.

اقرأ/ي أيضًا: الجزائريون يتحدون الإرهاب في تونس

وأمام الفشل في إعادة الأمن وإنهاء المأساة الوطنية، اضطر الرئيس اليمين زروال، إلى تنظيم انتخابات رئاسية مسبقة يوم 15 نيسان/أبريل 1999، أسفرت عن انتخاب عبد العزيز بوتفليقة بأغلبية ساحقة، وشرع منذ توليه مقاليد الرئاسة في العمل على استعادة السلم والأمن المدني، وتجاوب معه الأحزاب السياسية والمجتمع المدني، مما أفرز قانون الوئام المدني.

تراجعت الأصوات المنادية بسياسة الحلول الأمنية الشاملة، لاجتثاث التطرف والغلو من جذوره، واقتنعت جميع الأطراف بأنه لا يمكن إنقاذ البلاد إلا عبر التوصل إلى أرضية مشتركة، فبعد الحديث عن تجسيد المصالحة الوطنية الذي شغل الساحة السياسية الجزائرية، انتقل هذا الحديث إلى مرحلة الحسم، بإعلان بوتفليقة عن إجراء استفتاء عام حول الموضوع، بتاريخ 16 أيلول/سبتمبر 1999، وكان السؤال المطروح على الناخبين: هل أنتم مع أم ضد المسعى العام لرئيس الجمهورية الرامي إلى تحقيق السلم والوئام المدني؟

كانت نتائج الاستفتاء جد إيجابية، سواءً من حيث نسبة المشاركة، أو من حيث عدد الموافقين على هذا المسعى، وهي نتائج عبرت عن رغبة الشعب في وضع حد للمحنة التي عانى خلالها ويلات التقتيل الوحشي والاغتصاب وتدمير الممتلكات العامة والخاصة، ما مكن من إعادة السلم والأمن إلى مختلف مناطق الجزائر، لتنطلق من جديد في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، بعد أن أصبح مفهوم المصالحة الوطنية قاسمًا مشتركًا بين الشعب والأحزاب السياسية والسلطة، وأضحت حقيقة يومية ملموسة.

خلال السنوات العشر الأخيرة أصبح مفهوم المصالحة الوطنية قاسمًا مشتركًا بين الشعب والأحزاب السياسية والسلطة

بعد فوز بوتفليقة في انتخابات 08 نيسان/أبريل 2004، كانت المعطيات مختلفة عن ما كانت عليه سابقًا، فقادة الجبهة الإسلامية للإنقاذ، عباسي مدني وعلي بن حاج، قد خرجا من السجن بعد استكمال عقوبتهما، والجيش الإسلامي للإنقاذ قد غادر الجبال، لكن هناك جماعات مسلحة تواصل عملياتها وتهدد السلم، مما أبقى المصالحة الوطنية مطلبًا جماهيريًا، وقدم بوتفليقة "اتفاق السلم والمصالحة الوطنية" لانهاء جرب الشعرية السوداء وتم إجراء استفتاء عليه في 29 من أيلول/سبتمبر 2005، وتحصل على موافقة بنسبة 97 في المئة.

ورغم أن بعض المنظمات والأحزاب السياسية لا تزال ترى بأن قانون المصالحة الوطنية لم ينصف الكثيرين، ولم يطو ملفات عديدة لا تزال مفتوحة إلى اليوم ويتوجب أخذها بعين الإعتبار، كملف المفقودين والمهجرين والمطرودين من العمل بسبب انتماءاتهم السياسية، إلا أن هذا القانون أعاد فعلًا الأمن إلى ربوع الجزائر، وجعل الجزائريين ينسون بشكل شبه كامل تقريبًا، حقبة حمراء في تاريخهم لا يتمنون أن تتكرر مرة ثانية، بعد أن اكتووا بنارها ودفعوا ثمنًا باهضًا للخروج منها.

اقرأ/ي أيضًا: ضربة أخرى في مرمى شباب الجزائر