02-مارس-2017

تتعدد الأخطاء في الصحافة وتكون أحيانًا خطرة ونتائجها كارثية (جيستن سوليفان/Getty)

عن الأخطاء الكتابية في الصحافة، لا نهاية لتلك الحكايات المثيرة والطريفة، والمأساوية في بعض الأحيان. حيث يصل الأمر ببعض الأخطاء الصحافية "الكتابية" أو "الطباعية"، إلى الفصل من العمل، والإيقاف والمنع من الكتابة، وربما التحقيق والمساءلة القانونية، ودفع الغرامات المالية.

نسبة حدوث الخطأ في الإعلام التقليدي أقل من غيره، نظرًا للمعايير التي يتوخاها لمراعاة توثيق وتدقيق ومراجعة المادة

ومما يقال ويردد كثيرًا من طرائف هذه الأخطاء، أن خبر وفاة شخصية هامة قد وصل إلى جريدة في اللحظات الأخيرة قبل طباعة العدد، فأرسل رئيس التحرير خبر الوفاة (مات فلان أسكنه الله فسيح جناته) وكتب في الهامش إلى جانب العنوان إشارة: (إن كان له مكان)، يقصد "إن كان له مكان في عدد الغد من الجريدة"، فنزل النعي (مات فلان أسكنه الله فسيح جناته إن كان له مكان).

هذه القصة المتداولة في أوساط الصحافيين، قد مثلت شاهد عيان على قصة مشابهة لها درجة التطابق، وذلك يوم كتب المدير الفني بإحدى الصحف، ملاحظة في هامش بروفا صفحة سياسية، يشير فيها إلى خطأ في صور البورتريه المنشورة مع تقرير في الصفحة، وكانت لثلاثة سياسيين لبنانيين يعقدون مؤتمرًا لتقريب وجهات النظر.

اقرأ/ أيضًا: ويكيبيديا العربية.. بؤس ثقافي

كتب المدير الفني ملاحظته التالية: مساواة الرؤوس الثلاثة. وهو يقصد مساواة الرؤوس في كادر الصور الشخصية في التقرير، عن طريق التحكم في أبعادها، بحيث تتساوى في الحجم والارتفاع. لكن المنفّذ حين يعمل بلا عقل يتحول إلى كارثة صحافية. فقد أضاف منفّذ الصفحة تلك الملاحظة حرفيًا على العنوان الرئيسي للتقرير، فأصبح "الفرقاء يجتمعون من أجل لبنان في مؤتمر مساواة الرؤوس الثلاثة".

لا أتذكر بالضبط ما إذا كانت الصفحة قد طبعت، وذهبت الأعداد إلى السوق بهذا الخطأ أم تم استدراكه في اللحظات الأخيرة. لكن ما أتذكره جيدًا أن ذلك الفنّي لا يزال إلى اليوم غائبًا عن تلك الجريدة وعن الصحافة برمّتها.

قبل أيام كان خطأ إحدى الصحف في تغريدة عبر حسابها الرسمي لافتًا للانتباه، من خلال ردود الفعل الواسعة التي أثارها، سواء من الصحيفة أو القارئ، وربما المسؤول.  

تقول التغريدة، على طريقة المانشيت الكلاسيكي: المملكة واجهة الإرهاب في كل مكان فكريًا وأمنيًا. والمراد من قوله إن المملكة "واجهت" الإرهاب. لعل هذه الغلطة، أو الخطأ الكتابي، يرقى ليكون فضيحة أكثر من أي شيء آخر.

حين قرأت التغريدة فور نشرها، وقبل أن يتداولها الجمهور ووسائل الإعلام، قلت في نفسي: كيف للمسؤول الذي كتب الكلام على لسانه، وهو وزير الداخلية، كيف له أن يُحسن الظن بالزميل العزيز؟ لقد أغلق كل الطرق المؤدية إلى إحسان الظن به!.

لكنه، ومن جهة ثانية، خطأ يوضح مدى سهولة أن يخوض الإعلام التقليدي ميدان الإعلام الجديد أو الإعلام الرقمي، وفي الوقت ذاته مدى صعوبة الأمر!.

إن دخول الصحف الورقية، أو الإعلام التقليدي، إلى ساحة الإعلام الرقمي الجديد، متمثلًا في مواقع التواصل الاجتماعي العالمي، ليس يتم فقط عبر تسجيل حسابات في هذه المواقع ونشر أخبار الصحيفة من خلالها، بل بما هو أبعد من ذلك بكثير.

إن الإعلام التواصلي المباشر، يختلف حتمًا في روحه، عن إعلام "البروفات" التي يوقع على إجازتها عشرة أشخاص على الأقل، بدءًا من المصحح وانتهاء برئيس التحرير.

إن التغريدة تُنشر بقرار فردي، ولا يراجعها أحد سوى المشرف على الحساب، الذي غالبًا ما يكون موظفًا بقسم إدارة الموقع أو مركز المعلومات،  وليس صحافيًا. مع أن الخطأ في مواقع التواصل، أكثر انتشارًا وتداولاً من ما يحدث على الورق! ما يعني أنه يجب على الإعلام التقليدي بكل أنواعه أن يتعامل بجدية أكبر مع وسائل الإعلام الجديد، وليس كما هو واقع اليوم.

لقد أثبت هذا الخطأ كغيره من الأخطاء الكثيرة للإعلام التقليدي خلال تجربته الوليدة للتحول الجزئي إلى استعمال أدوات الإعلام الرقمي، أن إمكانية المواكبة اللحظية للأحداث، وسرعة التفاعل والنشر، ليست ميزة يتفوق بها "إعلام تويتر" مثلًا على الصحف الورقية، بقدر ما هي عيب وسلبية، تعد من أبرز سلبيات خوض عملية النشر عبر الإعلام التفاعلي.

تؤدي بعض الأخطاء الصحافية بصاحبها إلى الفصل من العمل والإيقاف والمنع من الكتابة، وربما التحقيق والمساءلة القانونية

في حين أن نسبة حدوث الخطأ في التقليدي أقل من غيره، نظرًا للمعايير التي يتوخاها لمراعاة توثيق وتدقيق ومراجعة المادة وإجازتها من قبل أكثر من متخصص ومسؤول، خلال دورة العمل اليومي. ومع ذلك يظل العمل البشري قابلاً لحدوث مثل هذه الأخطاء وعلى نحو مستمر.

في عمليات قوات التحالف العربي لدعم الحكومة الشرعية في اليمن ضد الانقلاب، ظهرت الكثير من الأخطاء الفادحة التي تنم عن جهل وضعف إحساس في التعامل مع صناعة الإعلام. لقد ذهلت من أخطاء السعوديين التي تتعلق بضعفهم المعرفي ببلادهم، فهناك أخطاء بالجملة ارتكبها ويرتكبها إعلاميون ومذيعون ومراسلون ومحررون، سببها الرئيس الجهل بالمناطق الحدودية، وبتفاصيل خارطة بلادهم.

اقرأ/ أيضًا: جيمس بوند الصحافة

البعض يكتب وهو لا يعرف الفرق بين ظهران الجنوب وظهران الشرقية، وآخر لا يفقه شيءًا في مناطق ومحافظات بلاده وكل الديار التي لم يعش فيها ولم يشعر تجاهها يومًا بمجرد الفضول. فتجده يخطئ في كتابة ونطق أسماء بعض القرى والمحافظات. ويجهل أين تقع بعض المواقع التي يتحدث عنها.

على سبيل المثال لا الحصر، أذكر الخطأ الذي تسبب فيه جهل المحرر الذي يعمل في موقع إحدى الفضائيات الإخبارية الشهيرة، حيث نسخ تقريرًا عن عمليات اليمن من جريدة رياضية! يقول عنوانه: الأباتشي تمشط مخابئ الانقلابيين في الخوبة اليمنية.

فهل كان سيحدث هذا الخطأ لو كان المحرر يعرف شيءًا عن جيزان؟ وعن سوق الخوبة التاريخي العريق فيها؟ وهل كان سيحدث هذا الخطأ المخجل، لو كان المسؤول في التحرير على علم بشيء من تفاصيل بلادهم بكافة أرجائها، منها المناطق الواقعة على الحدود مع اليمن وغير اليمن؟ بالطبع لا. فإذًا الجهل بالبلاد يعد من أبرز أسباب الوقوع في مثل هذه الأخطاء الهائلة، فضلاً عن الجهل بالأزمة اليمنية، وبالقوى المتصارعة في اليمن، وبطبيعة الصراع، وتركيبته.

ثمة أيضًا أخطاء طباعية، أو كتابية تحدث بسبب العجلة، والتصحيف، فتجد بين سطور إحدى المواد المنشورة، خطأ من نوع: التحالف يعلن إصراره ودعمه "للشريعة" في اليمن. هنا المعنى ينقلب تمامًا في قولنا شريعة بدل شرعية. فالشريعة تعني "أنصار الشريعة وداعش والقاعدة"، أما الشرعية فتعني الاستحقاق السياسي القانوني شعبيًا ودوليًا.

هذا النوع من الأخطاء قد تخطئ العين في قراءته كما تزل الأصابع في كتابته، ثم يُنشر الخبر في الصحف والمواقع، ويسري كالنار في الهشيم. دون أن يكون لك كمحرر للخبر، أي فرصة لاستدراك شيء أو تعديله. لكن ماذا عن الابتذال في المجاملات؟ أو ما يفضل البعض تسميته بالتطبيل؟ وماذا عن ما يصل إلى الذم والإساءة. بل يكون كذلك حقًا.  

في هذا السياق، يحكى أن أميرًا يعمل نائب وزير، حضر مناسبة يحضرها أيضًا معالي الوزير، وكانت الصورة المرفقة مع التغطية للوزير ونائبه، فآثر المحرر في الجريدة خلال كتابته شرح الصورة أن يبدأ بسمو الأمير، فكتب : صاحب السمو نائب وزير البترول وإلى جواره معالي وزير البترول خلال المناسبة. فاتصل الأمير بالجريدة معاتبًا ومستنكرًا ما حصل من مجاملة رعناء تسببت في إحراجه أمام المجتمع وأمام الوزير وأمام نفسه ربما.

ومما لا ينسى في هذا الخصوص، وكنت شهدته خلال عملي في إحدى الصحف، حين أراد المحرر الاقتصادي أن يعجب المسؤول، الذي صادف أنه من مؤسسي تلك المؤسسة الصحفية التي نعمل بها، فانتفض المحرر الذي يفكر بعقلية المسوّق التجاري، ثم كرّ وفرّ، حتى تمخض عن الجبل فأرًا.

فلقد ارتأى ذلك المحرر، تضخيم مساحة المشروع الذي سيتم وضع حجر أساسه من قبل ذلك المسؤول المستهدف، فبدل أن كان مكتوبًا في العنوان: 1.5 كيلومتر مربع، أراد جعلها بالمتر ليضخم الرقم ويكون بالمليون، لكنه وقع في شر أعماله ونسي كتابة مليون، ونشر الخبر للملأ، بعنوان يشير إلى أن مساحة المشروع "1,5 متر مربع". أحد الزملاء قال في اجتماع ظهيرة اليوم التالي: حتى الحمّام لا يمكن تأسيسه على هذه المساحة.

اقرأ/ أيضًا: 

قضية "الخبر".. الصحافة الجزائرية على مفترق طرق

الصحافة في مصر : تهمة كافية!