28-مايو-2022
تركيا

"Getty"

لم تعد صناعة الكتاب في تركيا جذّابة كسابق عهدها، منذ لحظتها الأولى عندما يكتب المؤلفون أفكارهم، ويقدمونها قيمة علمية للقراء واجتماعية لأنفسهم، مرورًا بجهود الأيدي العاملة في دور الطباعة، إلى نهاية الرحلة عندما يرسو الكتاب بيد أحد الشغوفين بالقراءة.

أزمة طباعة الكتب ونشرها لم تقتصر بهمومها على أصحاب دور النشر والقرّاء، الأثر لحق بالعاملين في صناعة الكتب أيضًا.

الأوضاع الاقتصادية الخانقة في البلاد، أخرجت الكتاب من قائمة أولويات المواطن التركي، الذي يحصّل أمواله بشق الأنفس، ووضعت دور النشر بحالة حرجة وصعبة، فالكتاب يخرج خاسرًا حتمًا مقارنة بلقمة العيش.

اتحاد الناشرين "YAYBIR" التركي أوضح أن عدد الكتب المنشورة في كانون الثاني/يناير 2022 انخفض بنسبة 20% مقارنة بالشهر ذاته من عام 2021، كما بلغت مشاركة كتب PDF غير القانونية ذروتها أثناء جائحة كورونا.

وقال رئيس الاتحاد مصطفى أكسوي إنه لن يكون من الممكن تعويض هذه الخسارة في النشر خلال الأشهر المقبلة، مضيفًا "الإنتاج الأدبي والفكري والثقافة المكتوبة بخطر في عالم النشر، وعلى الدولة اتخاذ إجراءات عاجلة"، في حين يلقي مثقّفون وناشطون اللوم على سياسة الحكومة وطريقة تفكيرها الاقتصادي.

تكاليف باهظة وإفلاس

تضاعفُ تكاليف طباعة الكتب ونشرها شمل أسعار الورق، والحبر والغراء وحتى الكهرباء التي تضخّم سعرها، وتقول صحيفة "جمهوريات" التركية إن طن الورق الواحد ارتفع من 5 آلاف ليرة تركية إلى 25 ألف ليرة في سنة واحدة، فيما أشار معهد الإحصاء التركي (TUIK)، إلى أن الورق هو أحد المنتجات التي سجلت أعلى زيادة في الأسعار بلغت 256%.

تركيا

ولأن تركيا تعتمد على المصادر الأجنبية للورق بشكل أساسي بنحو 90%، وأسعار صرف الدولار مقابل الليرة التركية تضخمت لدرجات قياسية، طالب العاملون في قطاع الصناعة بإلغاء ضريبة القيمة المضافة وإحياء صناعة الورق المحلية، تفاديًا لإعلانهم الإفلاس، في حين ذكرت الصحيفة أن الحكومة التركية بقطاعها التعليمي، تعاني أيضًا من مسألة تأمين الورق وطباعة الكتب التعليمية.

بدوره، لفت كنان كوكاتورك، رئيس مجلس إدارة جمعية الناشرين الأتراك، إلى أن أسعار المواد الخام ارتفعت أسبوعيًا، وعلى الرغم من الزيادات بنسبة 400%، إلا أن الكتب القديمة زادت بنسبة 50-60%، والإصدارات الجديدة بنسبة 100%، معتبرًا أن الأرقام الحالية التي سجلوها نيسان/ابريل الماضي هي أسوأ أرقام مبيعات في التاريخ.

وفي العامين الأخيرين تم تسجيل حالات إغلاق لدور نشر ومكتبات بظل الأزمة الحالية، حيث أفلس الناشرون Adım Adım وMikado في عام 2021، كما تم إغلاق مكتبات مستقلة بما في ذلك دنيزلر في اسطنبول عام 2021 وتانتي روز في إزمير، عام 2022.

العودة إلى الخلف

للتغلب على الأزمة وخفض التكاليف، بدأ الناشرون الأتراك في إنتاج كتب ذات جودة مواد أقل، وبحسب كوكاتورك، النتيجة كانت بين كتاب زيروكسيد وكتاب عادي، "بهذه الطريقة، يمكن أن تظل الكتب على الأقل معروضة للبيع".

تركيا

كذلك، قلّص ناشرون عدد المطبوعات بشكل كبير وهم يتجنبون المخاطرة بشكل متزايد، وكشفت دراسة استقصائية أجرتها جمعية الناشرين الأتراك، بمشاركة قناة الجزيرة، أن "50% من الناشرين في تركيا قد غيروا جداول النشر الخاصة بهم، ولا ينشرون أي كتب جديدة تقريبًا، باستثناء الكتب التي تباع بشكل جيد".

من جانبه، قال جيم أكاس رئيس تحرير في شركة Can Publishing، إن الشركة تطبع أيضًا عددًا أقل من العناوين ذات عمليات الطباعة الأصغر، مردفًا "الناشرون هم أقل حماسًا للمخاطرة بالعناوين الجديدة، وفي النهاية، يتجه الجميع إلى نشر كلاسيكيات القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، وهي عملية بيع أكيدة في تركيا".

حرية التعبير في خطر

نقلت قناة الجزيرة عن مؤسسي دار النشر "Umami" التي أنشئت عام 2021، سيجيل إيبيك وبوسرا موتلو قولهما، "بصفتنا دار نشر تركز على الترجمات، فإن رسوم حقوق النشر وتكاليف الأوراق تمثل تحديًا مماثلًا لنا"، "في نهاية اليوم، نكسب بالليرات التركية، وندفع كلاهما بالدولار، أصبح الحصول على ألقاب جديدة كل يوم أكثر صعوبة".

في السياق، قال كوكاتورك إن دور الصناعة كملاذ نسبي لحرية التعبير في تركيا، يتعرض للتهديد، لا سيما عند مقارنته بالضغوط التي يواجهها الصحفيون من الدولة، مضيفًا "مع تفاقم الأزمة، أخشى أن نفقد تعددية تقاليد النشر لدينا".

فيما يرى إيبيك من أومامي أن صناعة النشر التركية تكافح بشكل ما، "ومن سيكون قادرًا على تحمل تكاليف الاستمرار في النشر، ومن سيتخلف عن الركب، سيحدد كيفية تشكيل حياتنا الثقافية"، أي أن توقف دور نشر دون أخرى وتجنّب طباعة وتوزيع كتب محددة خصوصًا للكتاب الجدد، سيفقر الثقافة تنوعها، ويحجب وسائل تعبير عن روّادها، كتّاب وقراء.

الكتب.. وترف الإنتاج

أزمة طباعة الكتب ونشرها لم تقتصر بهمومها على أصحاب دور النشر والقرّاء، فالعاملين في الصناعة تأثروا بذلك أيضًا، إذ يشرح أكاس أنه بالوقت الذي لم يقم الناشرون الكبار بعد بتسريح عدد كبير من العمال، فإن الناشرين الذين يجدون أنفسهم يفتقرون إلى السيولة النقدية يؤجلون المدفوعات للمترجمين والمحررين.

تركيا

من جهته، أشار إبيك وموتلو إلى أن الأزمة جعلت العاملين في مجال النشر يعملون أكثر مقابل أجر أقل، مسهبًا موتلو "العاملون في مجال الثقافة الذين يعملون فوق طاقتهم ويتقاضون رواتب منخفضة، ليس لديهم الوسائل أو الوقت لاكتشاف ومتابعة وتجربة ما يتم إنتاجه في العالم... ليس فقط الاستهلاك الثقافي، ولكن أيضًا المشاركة في الإنتاج الثقافي أصبح الآن ترفًا".