30-أغسطس-2020

الروايات التي وصلت إلى القائمة القصيرة للبوكر 2020

ليست المسألة في الدعوات المُتتالية إلى مُقاطعة الأنشطة الثقافيّة الإماراتيّة وجوائزها الأدبيّة مسألة تصفية حسابات قديمة بين فئة مُستفيدة وأخرى لا، أو مُحاولة للنيل من جائزةٍ بعينها والتشهير بها أيضًا، لا سيما عندما يتعلّق الأمر بـ"الجائزة العالميّة للرواية العربيّة" (البوكر)، لأنّ المسألة هنا مُتعلِّقة بأهميّة اتّخاذ موقف من هذه الأنشطة الثقافيّة ظاهرًا، والدعائيّة جوهرًا وباطنًا، باعتبارها مُتَّصلة بآلة دعائيّة تضليليّة لها أهدافها المُتمثِّلة بتلميع صورة الإمارات محليًّا وعالميًّا بصفتها، كذبًا، دولة مُنفتحة ومُعتدلة ومُتسامحة، ترعى الثقافة وتحترم حقوق الإنسان وتضمن لمواطنيها مُختلف أشكال الحريّة بما في ذلك حرّية التعبير وفقًا لما تروّجه أدواتها وأبواقها الإعلاميّة على مدار السنّة.

التذكير بسجلّات الإمارات الحقوقية القاتمة أمر لا بدّ منه عند الحديث عن دولة على هذا القدر من التخريب الذي تتستّر عليه من خلال أنشطة ثقافية

إنّنا إذًا، ببساطة، إزاء دولة تفعل عكس ما تدّعي فعله تمامًا، غارقة في التزييف وممارسة الكذب إلى درجة أن انقلب السحر فيها على الساحر، وتحوّلت عندها أنشطتها من مناسبة لممارسة التضليل وتجميل الصورة الأصليّة لها، إلى مناسبة لتعريّة ممارساتها وإدانتها على الملأ، كما حدث في مهرجان "هاي أبو ظبي" في شباط/فبراير الفائت الذي اجتمعت فيه مواقف أكثر من 50 شخصيّة ومنظّمة ثقافية وحقوقيّة على موقفٍ واحد يُدين الفعاليّة نفسها باعتبارها "دُخانًا ثقافيًا" تسعى الإمارات من خلالها إلى إخفاء انتهاكات حقوق الإنسان فيها بدلًا من معالجتها.

اقرأ/ي أيضًا: الإمارات وجوائزها.. بالونات اختبار صهيونية

وأمام هذه المستويات من الكذب والدجل والتضليل، تصير مُقاطعة أنشطة الإمارات الثقافيّة واجبًا على كلّ مثقّف حرّ طالما أنّها جزء من سياسة تصدير صورة مُشرقة للدولة المارقة. وفي حال بدت هذه الممارسات غير كافية أو مقنعة لمقاطعتها، فلتكن المقاطعة إذًا من أجل المعتقلين الحقوقيين في سجونها مثل أحمد منصور ومحمد الركن. وفي حال بدا الواقع الحقوقيّ غير كافٍ أيضًا، بل وشأن داخليّ، فلدينا أسباب أخرى للمقاطعة منها الأدوار التخريبيّة التي تُمارسها الإمارات بدءًا من اليمن والسودان وليبيا مرورًا بمصر وقطر وسورية، وانتهاءً بفلسطين التي أبرمت مع محتلّيها وقتلة أبنائها تحالفًا موجّهًا بالدرجة الأولى ضدّ العرب والفلسطينيين، والنتيجة أنّ لا مهرب من ضرورة المُقاطعة، لأنّ الأسباب حاضرة وقائمة وكثيرة أيضًا.

تبدو هذه المقدّمة إعادة قول ما قيل سابقًا، ولكنّها في الحقيقة تشكّل أرضيّة مُناسبة للتعاطي مع هذه الدولة التي تعيش قيادتها حالة من النشوة والافتتان بعد إعلان تحالفها مع الدولة الصهيونيّة شريكة الأدوار التخريبيّة القادمة، عدا عن أنّ التذكير بسجلّاتها الحقوقية القاتمة أمر لا بدّ منه عند الحديث عن دولة على هذا القدر من التخريب الذي تتستّر عليه من خلال أنشطة ثقافية مُختلفة شهدت بعد الاتّفاقية المُشينة حملة مُقاطعة عربيّة واسعة ضمن سياق المبادرات المُندِّدة بها، وهي مُبادرات تنوّعت بين التنديد وسحب أعمال أدبيّة وفنيّة من الترشّح والمشاركة في الجوائز التي ترعاها أبو ظبي مثل جائزة "الشيخ زايد"، و"الجائزة العالميّة للرواية العربيّة" (البوكر).

المُطالبة بإنهاء التمويل الإماراتيّ لجائزة "البوكر" ليس ردّة فعل على تحالف الإمارات مع الصهاينة فقط، وإنّما على أدوارها التخريبيّة أيضًا

آخر هذه المبادرات كانت دعوة رؤساء وأعضاء لجان تحكيم سابقة بالإضافة إلى أعضاء سابقين في مجلس أمناء جائزة (البوكر) مجلس أمناء الجائزة الحاليّ إلى إنهاء التمويل الإماراتيّ للجائزة بعد خطوتها اللاأخلاقيّة والمُشينة بتطبيعها لعلاقاتها مع كيان استيطانيّ استعماريّ يُمثِّل "أبشع حالات الاحتلال العسكريّ في العالم، ويقوم على اقتلاع الشعب الفسلطينيّ من أرضه وشطب حقوقه التاريخيّة وممارسة أصناف العنصرية ضدّه بشهادة مؤسّسات دوليّة مُنصفة". ودعا هؤلاء في البيان الصادر يوم الأربعاء، 26 آب/أغسطس الجاري، مجلس الأمناء الحاليّ إلى "تحمّل مسؤوليته الثقافية التاريخيّة في حماية الجائزة عبر إنهاء التمويل الإماراتيّ، وذلك حفاظًا على مصداقيّة الجائزة واستقلاليتها، وأيضًا تمكينها من مواصلة لعب دورها".

اقرأ/ي أيضًا: البوكر.. دعوة إلى المراجعة

إنّ المُطالبة بإنهاء التمويل الإماراتيّ لجائزة "البوكر" لا يُعتبر ردّة فعل على تحالف الإمارات المُشين مع الصهاينة فقط، وإنّما على أدوارها وسياساتها التخريبيّة في العالم العربيّ أيضًا. صحيح أنّ هذه الخطوة برفقة مبادرات المُقاطعة تأخّرت، ولكنّها في المقابل جاءت في الوقت الذي تأكّد أنّ هذا التطبيع دقّ المسمار الأخير في نعش مصداقيّة الإمارات من جهة، وأكّد على الملأ توجّهاتها المُتصهينة ومُناصبة قياداتها العداء للفلسطينيين والعرب من جهةٍ أخرى.

وبغض النظر عمّا إذا كانت "البوكر" إماراتيّة أو لا، لا سيما أنّ الإعلام الإماراتيّ كرّسها خلال السنوات السابقة على أنّها إماراتيّة، وفي حال استجاب مجلس أمناء الجائزة لهذه الدعوة أم لا، وبغضّ النظر أيضًا عن ردّة الفعل الإماراتيّة تجاهها؛ إلّا أنّ المُطالبة بإنهاء تمويل أبو ظبي لـ"البوكر"، وفقًا لمعطيات واعتبارات مُختلفة، بمثابة تأكيد على استبعاد الإمارات خارج الأوساط الثقافيّة العربيّة بل ونبذها أيضًا، الأمر الذي من الممكن أن ينعكس سلبًا على الإمارات، خاصّةً في حال توسّعت المُقاطعة لتكون مُقاطعة عربية شاملة تجعل من أنشطتها وفعاليّاتها دون جماهير عربيّة ومثقّفين عرب، وصفة الـ "مُثقّف" هنا تشمل المثقّف الحرّ، لا المُثقّف المُطبِّل.

فالإمارات وفقًا لما يدّعيه قادتها وساستها، وفي ظلّ انكفاء وانعزال وانشغال دول عربيّة كانت تلعب دورًا قياديًّا نوعًا ما بشؤونها الداخلية، قاب قوسين أو أدنى من لعبٍ دورٍ قياديّ وتاريخيّ في المنطقة العربيّة، فاللحظة لحظتها، والظروف تبدو ملائمة ومُناسبة للعب هذا الدور استنادًا إلى فائض المال ومظاهر الاعتدال والانفتاح والتسامح، بالإضافة إلى تحالفاتها المُشينة التي إن دلّت على شيء، فهي تدلّ على وجود جيل مُتصهين تمامًا يقود الإمارات ويسعى لتحويلها إلى مساحة مسمومة فكريًا وعقليًّا الغاية منها تصدير "التصهين" إلى بقيّة الدول العربيّة ودفعها باتّجاه تل أبيب.

إذًا، لا بدّ أن الأسماء المُطالبة بإنهاء تمويل الإمارات لجائزة "البوكر" تُدرك تمامًا أنّه لا يُمكن لجائزة موجّهة إلى العرب أن تظلّ مستقّلة، وأن تظلّ عربيّة أيضًا، في ظلّ تمويلها من قبل نظام مُتصهين وقع في غرام الكيان الصهيونيّ الذي حلّ على شاشات إعلامه بعد إعلان الاتّفاق من قبل مسؤولين إماراتيين تحدّثوا بفخرٍ شديد عن هذه الخطوة المُشينة التي اتّخذتها قيادتهم، وذلك في مشهدٍ بدا أقرب إلى تنافسٍ محموم بين هؤلاء المسؤولين في التقرّب من إسرائيل ونيل رضاها.

المطالبة بفصل ارتباط جائزة البوكر بالإمارات بمثابة إعلان براءة من هذه الدولة المارقة التي أُصيبت قيادتها بجنون العظمة

اقرأ/ي أيضًا: تحالف الشرّ

الخلاصة أنّ هذه المطالبة إعلان براءة أوّلًا من العلاقة بهذه الدولة المارقة التي أُصيبت قيادتها بجنون العظمة، بالإضافة إلى أنّها إعلان صريح بأنّ لا رسائل ثقافية لأبو ظبي، وأنّ أدوارها التخريبيّة التي طالت الشعب الفلسطينيّ وأرضه، باتت أكبر من أن تسترها أنشطة ثقافيّة أو جوائز أدبيّة، وأنّ المشاركة فيها أيضًا ليس إلّا مساهمة في نشاطاتها غير الأخلاقيّة، وهذا دون أن ننسى أنّ التحالف الإستراتيجيّ بينها وبين إسرائيل يشمل كلّ المجالات، بما في ذلك المجال الثقافيّ، ولا شكّ في أنّ الإمارات ستكون سبّاقة بكلّ تأكيد إلى استضافة شخصيات ونشاطات ثقافية صهيونيّة، أي أنّ من سيصافح الصهاينة بمحبّة، سيذهب إلى مصافحة من يرضى لنفسه أن يكون مُساهمًا في هذه الجوائز وغيرها من المثقّفين العرب.

 

اقرأ/ي أيضًا:

مسلسل "أم هارون".. مناعة القطيع والترويج للتطبيع

فيلم سعودي في "إسرائيل".. تطبيع من نوع جديد!