05-مارس-2020

أوغو روندينون/ سويسرا

لم تعد أنياب النّمر تخيف النّاس، فقد حبسوه في زنازين زجاجيّة تسمحُ لأرقّ طفلةٍ أن تلعب بأصابعها أمام عينيه الحزينتين.

تخاف الناس اليوم البطالة والفشل والتّجاعيد والذّبحات الصّدرية وطبيب الأسنان والأغذية المعدّلة وراثيًّا.

ويخاف أبناء الشّمال عدم استطاعتهم على دفع إجازةٍ سنويّة للطيران إلى بلاد الشّمس. هناك.. في أفريقيا حيث لا يزال حطّابٌ يحذرُ خطر النمور، يذهبون ليختبروا الخوف البشريّ البدائيّ ويأخذوا معه صورًا تذكاريةً ليحاولوا فيما بعد فهم فلسفة الخوف الأصيلة عند أفلاطون وأرسطو. وليتأكّدوا أن الفلاسفة قد شنّوا حربًا شاملةً ومُطلقةً على الخوف وأنّ غايتهم لم تكن محض مبارزة يتعلّمون منها سُبُلَ التّحرر والانعتاق والتّناقض.

الخوفُ كمرادفٍ لجلِّ المتناقضات:

خوف ديموقريطوس من الأرقام والمعادلات والصُّدف.

خوف المؤمنين من الله. والخوفُ كدافعٍ للفضيلة وكمحفّزٍ للاستقامة والتّذلّل والمَسكنة.

الخوف كشرطٍ مسبقٍ للسقوط في خدعة الحرية، خوف آدم من الإذعان أو فرصة التجربة.

الخوف من بربريّة الذاكرة التي لم تغادرنا يوم سلخنا جلود الأفاعي انتقامًا وجعلنا منها أحذيةً ندوس بها فوق العناكب والصّراصير.

الخوف من ملمسِ الطّحالب أسفل النّهر.

الخوف كميّزة تتجلّى فيها الأنثروبولوجيا بالعاطفة والفيزيولوجيا.

الخوف كَكثافةٍ حسيّة عاليةٍ تشبع عطش المراهقين الذين يبحثون عنه في صالات السّينما وأروقة الليل ومهرجانات الرّعب.

الخوفُ كمغامرةٍ فرديّةٍ تتعلّم فيها لغة الآخر أو يقتلك.

الخوف من الآخَر. الخوفُ من المجهول. الخوفُ كمحاولةٍ للتقرّب من الموت وإلقاء نظرةٍ على حجم يديهِ وشكل هندامه.

الخوف من الحبِّ والحبُّ بدافع الخوف. الخوفُ من أن يُعجّزنا الحُب. الخوفُ من أن يصير الحبُ عاجزًا.

حبُّ التّمرد والرّذيلةُ بدافع الخوف من مضيعة التّجربة.

الخوف من الاختلاف والتّمايز والشذوذ. الخوف من الوحدة.

الخوف من الجسد. الخوفُ من العُريّ. الخوفُ من رؤية النّفس الواضحة.

الخوف من الرّهافة. الخوف من الأنوثة.

الخوف من الرّقة الفاضحة.

الخوفُ كحالةٍ يتم فيها إعادة الوجود إلى نفسه، ثم إلى "الأنا". الخوفُ سعيًا لإرضاء "الأنا".

الخوف كغريزةِ للخلاص والسّمو بالـ"أنا" المُدقعة في تماهي الجّمع البشرّي.

"الأنا" التي تتشرّب القلق الوجوديّ حتى تدفع بنا - نحن أبناء المدن والحضارات- للخوف المرضيّ والعدوانيّة المباشرة.

في لحظةِ شكّ يرى الإنسان "الأنا" مهدّدةً فيتذكر ضعفه أمام العالم، يرى نفسه عرضةً للعالم.. فيجتاحه الخوف.

ينتصرُ الخوف بنظامه البدائيّ كأول فِطرة إنسانيّة وآخرها.

ينتصرُ الخوفُ ورغم كلّ ذلك يظلُّ يُكنّى "شعورًا دخيًلا" أمام السّكينة والطّمأنينة والشّجاعة والبسالة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

قال الأعمى وأكمل المشي

درعا.. يوميات الحصار