05-ديسمبر-2015

التكلفة باهظة (جو رايدل/Getty)

على مرّ الأعوام والإرهاب لم يوفر عدّة دول في العالم من وطأته التي تطال البشر والحجر في آن واحد. وإن لم يكن بالمستطاع وضع رقم مادي لثمن الخسائر البشرية، يمكن تقدير تأثير الإرهاب على الاقتصاد وعلى الناتج القومي الإجمالي للدول المستهدفة وحتى على الاقتصاد العالمي. من المعلوم في عالم الإدارة أنّ اللاحتميات هي الثابت الأوحد وأن هذه اللاحتميات قد تكون سياسية، اقتصادية. اجتماعية، ديمغرافية، تكنولوجية، بيئية وقانونية. لعلّ العامل السياسي المنسحب تأثيرًا أمنيًا يزيد من هشاشة الاقتصادات وعرضتها للتزعزع في ظل وجود خلايا إرهابية نائمة ويقظة في كافة أصقاع المعمورة.

الرقم الخيالي للكلفة غير المباشرة لأحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر فاق ال3،3 تريليون دولار

صندوق النقد الدولي في دراسة أعدّها عام 2005 اعتبر أن للإرهاب كلفة اقتصادية مباشرة وغير مباشرة. الكلفة المباشرة تكون قصيرة الأجل وتشمل خسائر في الأرواح والممتلكات، كافة أعمال الإنقاذ والطبابة، كلفة إعادة بناء البنى التحتية والتعويضات لأهالي الضحايا. أمّا الكلفة غير المباشرة وطويلة الأمد فتشمل تزعزع ثقة المستهلك بالاقتصاد، هروب الرساميل، انخفاض الاستهلاك والاستثمار في آن.

ورغم أن الإرهاب شكلّ ظاهرة تاريخية، إلا أن الدراسات بدأت بتناوله أكثر من أي وقت مضى بعد أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر في الولايات المتحدّة الأمريكية. أكثر الدراسات علميّة ومصداقية تشير إلى أنّ الكلفة المباشرة لهذه الأحداث التي يؤرخ لما قبلها وبعدها فاقت السبعة وعشرين مليار دولار وهو رقم يشكل نصف الناتج القومي الإجمالي اللبناني في أحسن تقدير. أمّا الرقم الخيالي للكلفة غير المباشرة ففاق ال3،3 تريليون دولار. ولا شكّ أن هكذا كوارث كان لها الأثر الكبير على سعر صرف العملات وعلى الأسواق المالية التي شهدت خسائر غير مسبوقة آنذاك إضافة إلى انخفاض أسعار الأسهم وحجم التبادلات.

توّقع حدوث عمل إرهابي يعتبر كفيلًا في تقليل حجم الاستهلاك الذي يشكل 70% من حجم بعض الاقتصادات ما يعتبر كارثيًا

من الجدير ذكره أن توّقع حدوث عمل إرهابي يعتبر كفيلًا في تقليل حجم الاستهلاك الذي يشكل 70% من حجم بعض الاقتصادات ما يعتبر كارثيًا. ولعلّ أبرز الأعمال الإرهابية التي كان لها وطأة شديدة على اقتصادات بعض الدول وعلى الناتج القومي الإجمالي العالمي كانت أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر، تفجير القطار في العاصمة الإسبانية، مدريد في آذار/مارس 2004 إضافة إلى التفجير في لندن في حزيران/يوليو 2005 والهجوم الإرهابي في مومباي، الهند في تشرين الثاني/نوفمبر عام 2008.

اقرأ/ي أيضًا: اقتصاد لبنان.. ما ذنب اللجوء!؟

ولا يمكن الحديث عن أعمال إرهابية دون التعريج على كلفة تلك الأعمال المدّمرة على اقتصادات بعض الدول العربية. ليس بعيدًا في الزمن كان حادث تحطّم الطائرة الروسية في الأجواء المصريّة. الأمر الذي سيكلّف مصر ما يزيد عن 280 مليون دولار خسائر في حركة الملاحة الجويّة شهريًا، وذلك حسب وزير السياحة المصري ناهيك عن الكلفة طويلة الأمد التي ستتكبدها مصر نتيجة تزعزع الثقة بإجراءاتها الأمنية. أمّا لبنان الذي يعوّل على مدخول السياحة في ناتجه القومي الإجمالي، فيعاني من شحّ في هذا المورد بعد اغتيال رئيس وزرائه الأسبق عام 2005 الأمر الذي تبعه عشرات التفجيرات التي طالت أراضيه وزعزعت الثقة بهذا البلد الذي كان مقصدًا للسياح نتيجة طبيعته المتمايزة عن السائد في المنطقة وتدفّق الاستثمارات نتيجة نظامه المصرفي المتميّز بالسرّية والمتانة. كل ذلك أسهم في ازدياد العجز الذي يعانيه لبنان في تسديد خدمة دينه القياسي في كافة المعايير.

شظايا الإرهاب تطال الأرواح وتترك جراحًا لا يمكن بلسمتها وكذلك تصيب الاقتصاد في الصميم بشكل يصعب التعافي من تبعاتها على المدى القصير والطويل.

اقرأ/ي أيضًا: العملة الوطنية اللبنانية في الميزان