1. ثقافة
  2. فنون

عن آني هول التي لا تهرم

13 أكتوبر 2025
وودي آلن وديان كيتون (نيتفلكس)
وودي آلن وديان كيتون (نيتفلكس)
عبير داغر اسبر عبير داغر اسبر

قبّعات واسعة، سترات رجالية، قمصان وربطات عنق وسراويل فضفاضة. كلّها تحوّلت مع ديان كيتون من قطع ملابس وتنسيقات لممثلة إلى بيان جمالي كامل. لم تكن «أناقة آني هول«موضة عابرة؛ لقد دشّنت أسلوبًا متفرّدًا من مزج الملابس النسائية والرجالية فوق جسدها المخفي بكامله، صاغت عبره ملامح الذوق النيويوركي في سبعينيات القرن الماضي. تلك البساطة الأنيقة جعلت من كيتون رمزًا ثقافيًا يتجاوز التمثيل إلى طريقةٍ في فهم الحرية الشخصية.

رحلت كيتون في الحادي عشر من تشرين الأول/أكتوبر 2025، عن تسعة وسبعين عامًا، بعد مسيرةٍ امتدّت نصف قرن شكّلت خلالها أحد أكثر الوجوه حضورًا وتأثيرًا في السينما الأميركية. قد يكون رحيلها مناسبةً حزينة، نُضطر بالرغم من هذا الحزن على استعادة فصلٍ من تاريخ الأداء والذوق والأنوثة المتمرّدة بخفرٍ طهراني تتميّز به العائلات المحافظة، يمينية الهوى.

وُلدت ديان هال في لوس أنجلِس عام 1946، في مدينةٍ كانت تصنع النجوم بسرعةٍ تفوق قدرتها على استيعابهم، لكنها اختارت طريقًا مغايرًا. درست المسرح وانتقلت إلى نيويورك، حيث اكتسبت حسّها المديني المرهف وارتبطت بالمسرح التجريبي قبل أن تدخل السينما. تلك النقلة المبكرة من هوليوود إلى نيويورك كانت أكثر من انتقالٍ جغرافي؛ كانت انتقالًا فكريًا من اعتناق النموذج الهوليوودي للنجمات إلى نموذج الفنانة التي تبني صورتها من حصانة دواخلها.

ارتبط اسم كيتون بوودي آلن في علاقةٍ فنية وإنسانيةٍ معقّدة، أنتجت مرحلةً مهمّة من السينما الأميركية الحديثة. في أفلام مثل: «Sleeper» و«Love and Death»  ثم «Annie Hall» و«Manhattan»، قدّم آلن وكيتون ثنائيًا يعكس تحوّل الكوميديا من السخرية الخفيفة إلى التأمل الذكي في العلاقات والهوية. لم يتعامل آلن معها كحبيبةٍ أمام الكاميرا، بل كمرآةٍ فكرية لأسئلته عن المدينة والعزلة. بعد انسحابه من الحياة العامة بسبب الرياء والنقاء الأخلاقي المخادع للسينما الأميركية، ظهر آلن في مناسبتين نادرتين: الأولى في حفل الأوسكار عام 2002، والثانية في تكريمها بجائزة الإنجاز مدى الحياة عام 2017. حين سُئلت ذات مرة عن وودي آلن قالت بابتسامتها التي تجمع الخجل والدهاء: «كنتُ أشبه وودي آلن قبل أن يصير هو نفسه وودي آلن». جملة تختصر علاقةً لم تكن قصة حب بقدر ما كانت شراكةً فكرية متبادلة، مبنية على التواطؤ الذهني أكثر مما كانت على العاطفة. وبعد «Annie Hall» قالت ببساطة: «كنّا نكتب عن وحدتنا».

لم تتزوّج كيتون يومًا، لكنها اختارت الأمومة، إذ تبنّت طفلةً وهي في الخمسين من عمرها، مصرّةً على الاستقلالية، معتنقةً الفردانية بتطرّف امرأةٍ سعيدة. في مقابلاتها المتكرّرة حافظت على نبرةٍ تجمع بين السخرية والوعي، سخرية امرأةٍ تعرف هشاشتها وتقبلها دون اعتذار.

تميّز أداؤها بقدرةٍ على الجمع بين الطبيعة والتصميم، بين الارتجال المنضبط والذكاء الانفعالي. في «The Godfather» و«The Godfather: Part II»  كانت «كاي» الشخصية التي تُمثّل الوعي المدني في عالمٍ يلتهمه العنف الذكوري. في «Annie Hall» صاغت تعريفًا جديدًا للبطلة الرومانسية: امرأةٌ واقعية مشاغبة مفعمة بالتردّد والدهشة. أما في «Reds»  فقد كشفت عن اتساع طاقتها الدرامية، بينما منحت «Marvin’s Room» و «Something’s Gotta Give» و«The Family Stone»  حسًّا إنسانيًا دافئًا يوازن بين الكوميديا والعاطفة. ما يميّزها أنها لم تكن تُعلن التمثيل، بل تُخفيه في التفاصيل الدقيقة: حركة اليد، انعطافة الرأس، لحظة الصمت.

ارتبط اسم كيتون بوودي آلن في علاقةٍ فنية وإنسانيةٍ معقّدة، أنتجت مرحلةً مهمّة من السينما الأميركية الحديثة

ما يجعل إرث كيتون مهمًا هو اتساقه. فقد مثّلت نقطة التقاءٍ بين ثلاثة مسارات نادرًا ما تجتمع: التمثيل بوصفه حرفة، مجدولًا بالأسلوب باعتباره فكرًا قبل أن يكون تكنيكًا، والذات الممتدّة كمساحة وجدانٍ شديدة الغنى قاومت عبرها الصورة النمطية لجميلات السينما. لذلك فإن موتها لا يعني غياب ممثلةٍ كبيرة فحسب، بل غياب حقبةٍ من الذكاء العاطفي في الأداء الأميركي.

تاريخها المهني يشكّل قائمةً غير منتهية من النجاحات، ويُعتبر نموذجًا يُدرّس لتطوّر الممثلة في منظومةٍ كانت تميل إلى تسطيح النساء. حافظت خلالها على حضورها في أدوارٍ تناسب مراحل عمرها. تحوّلت عبرها إلى مرجعٍ أدائيّ وثقافيّ، مجسّدةً ما يُسمّى بـ«الأنوثة الناضجة». حكت عن ذاتها بواقعيةٍ آسرة، حيث قالت مرة: «لا أعتقد أنني ممثلة بارعة، أنا مجرّد مراقِبة جيّدة، أتفرّس في الناس وأحاول أن أكونهم لثوانٍ». وبعد ترشيحها للأوسكار عن «Reds» عام 1981 قالت للصحافة: «كلّ ممثلةٍ تتمنّى الجائزة، لكن لا أحد يخبرك أن الجائزة الحقيقية هي حين يصدقك شخص واحد فقط».

نيويورك.. مع أنها لم تُولد هناك، إلا أن نيويورك شكّلت وطنها الرمزي، إذ لطالما قالت: «نيويورك هي بطلي الحقيقي. لا أؤدي فيها، بل أتعلم منها كلّما مشيت في شارعٍ جديد». وفي تكريمها عام 2017 قالت: «شكرًا لنيويورك لأنها جعلتني أبدو ذكية. كلّ ما فعلته أنني مشيت فيها وأنا أستمع إلى نفسي». تلك الطرافة الهادئة تلخّص روحها: الوعي بالهشاشة كجزءٍ من السحر.

في عام 2011 أصدرت كيتون مذكّراتها الأولى «ثم مرة أخرى» (Then Again) نصًّا حميمًا تمزج فيه بين سيرةٍ شخصية وتأمّلٍ في إرث والدتها دوروثي كيتون، التي كانت تكتب يوميًا عن أحلامها المؤجّلة. جعلت من تلك اليوميات مرآةً تقرأ من خلالها ذاتها، وتعيد ترتيب معنى الأمومة والموهبة والوحدة في آنٍ واحد. في ذلك الكتاب بدا صوتها أكثر صفاءً من أي وقتٍ مضى، ساخرًا، صادقًا، وهادئًا كما لو أنه يروي فيلمًا لا يريد أن ينتهي. أتبعت ذلك بكتابٍ ثانٍ عام 2014 بعنوان «دعنا نقول إنه لم يكن جميلًا» (Let’s Just Say It Wasn’t Pretty) أكثر خفّةً وطرافة، تناولت فيه علاقتها بالمظهر والموضة والتمثيل والشيخوخة، مؤكّدةً أن الأناقة ليست قناعًا تُخفي به هشاشتها، بل طريقتها الخاصة في مواجهة الزمن.

كلمات مفتاحية
كمال الشناوي - نور الشريف في الدورة الأولى من مهرجان القاهرة السينمائي (الأهرام)

من أين جاءت فكرة إنشاء مهرجان القاهرة السينمائي الدولي؟

مهرجان القاهرة السينمائي الدولي

معرض كايروكوميكس (الترا صوت)

قرن من الرسوم: مهرجان "كايروكوميكس" يعيد اكتشاف جذور الإبداع المصري

مهرجان "كايروكوميكس"

فيلمون وهبي (شبكات تواصل اجتماعي)

شهادة| ماذا قال منصور الرحباني عن صداقة العُمر مع فيلمون وهبي؟

رحلة الصداقة بين الرحابنة وفيلمون وهبي

مظاهرة في لندن
سياق متصل

محكمة الاستئناف البريطانية ترفض طعن مؤسسة "الحق" على حكم تصدير قطع غيار "إف-35" لإسرائيل

سعت مؤسسة "الحق" الفلسطينية إلى الطعن في حكم قضائي بريطاني يسمح للمملكة المتحدة بتصدير قطع غيار طائرات إف-35 الأميركية إلى إسرائيل

غلاف الكتاب (المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات)
نشرة ثقافية

"النصّ التأريخي وترجمته" لسفيان عبد اللطيف: مقاربات في الفلسفة واللغة

صدور كتاب " "النصّ التأريخي وترجمته: مقاربات فلسفية ولغوية"

البرهان والسيسي
قول

سقوط الفاشر وتبدّل الحسابات المصرية: من الحياد المضبوط إلى الانخراط الإجباري

باتت رؤية مصر تجاه السودان محكومة بمعادلات أمنية حساسة (منصة إكس)

إيران
سياق متصل

تصاعد التوتر حول ملف إيران النووي: تحذيرات دولية وعقوبات أميركية جديدة

جاء العدوان الإسرائيلي على إيران، والقصف الأميركي للمنشآت النووية عقب إصدار الوكالة الدولية للطاقة الذرية تقريرًا خلص إلى أن طهران لم تلتزم بتعهداتها النووية