26-أبريل-2018

لبنانيون يتظاهرون ضد العنصرية تجاه اللاجئين (جوزيف عيد/أ.ف.ب)

شهدت الحلقة الأخيرة من البرنامج  الساخر "قدح وجم"، الذي تعرضه قناة الجديد مساء كل جمعة، فيديو كليب يسخر من اللاجئين السوريين في لبنان. البرنامج هو من إعداد وإخراج شربل خليل، المعروف بمواقفه العنصرية المتطرفة ضد اللاجئين السوريين والفلسطينين، ولم تسلم من عنصريته العاملات المنزليات والنساء المنقبات والفئات الاجتماعية المهمشة وكل من يختلف عنه في الدين أو في التوجه أو حتى في المستوى الاجتماعي والموقف السياسي، كما عرف عنه إثارته لجدالات وإشكالات عدة عند تمحيصها تبدو بلا أي طائل سوى إثارة الضجة.

يعيد شربل خليل إلى الأذهان خطاب الحرب الأهلية الانعزالي والإقصائي التي عاشها اللبنانيون وخبروها

 يعبر شربل خليل عن عنصريته من خلال برامجه أو من خلال صفحته على تويتر التي طالما أطلق من خلالها تغريدات أثارت بلبلةً كبيرة بين المتابعين والناشطين، الذين يرفض معظمهم أسلوبه العنصري والفوقي والرافض والكاره للآخر، وخطابه الانعزالي الذي يعيد استهلاك مقولات "الغريب" و"الآخر"، وهو ما يعيد إلى الأذهان حسب متابعين، خطابَ الحرب الأهلية اللبنانية التي عاشها اللبنانيون وخبروها، ويخافون العودة إليها مجددًا.

اقرأ/ي أيضًا: سقوط شربل خليل في lbc. ..العنصرية لا تضحك

بالعودة إلى حلقة "قدح وجم" الأخيرة فإن الفيديو يظهر فتيات يرقصن على لحن الأغنية التراثية "عالعين موليتين" الشهيرة، بعد تغيير كلماتها وتحويلها إلى نص رذيل ومبتذل يحمل عنوان "يا عين السوريين". يتحدث النص عن زوجين مفترضين انتقلا للسكن حديثًا في إحدى الشقق المؤجرة. تطال السخرية في البداية "الخصوبة" وكثرة الولادات بين اللاجئين، مستخدمين عبارة "دزينة وأكثر"، يتابع الفيديو انحداره وإسفافه، فتخبرنا مؤدية الأغنية كيف التفت إليها سائق الأجرة وقال لها "شلونك"، للدلالة على جنسيته السورية والتلميح إلى فرص العمل التي "يسرقها" اللاجئون من اللبنانيين.

شعر الكثير من اللبنايين قبل السوريين، بالإساءة جراء الفيديو، وهم وإن كانوا يرزحون تحت ظروف اجتماعية واقتصادية صعبة، فهم يقدّرون معاناة أشقائهم ويعرفون أن الأمور لا تحل بالعنصرية والسخرية والحط من قيمة الآخر بأساليب شعبوية مقززة، وقد ظهرت الكثير من التغريدات والمنشورات التي أدانت الفيديو ومن خلفه البرنامج ومخرجه، إضافة إلى إدانة تلفزيون الجديد على تمرير هذا المستوى من العنصري، الذي يدعي دائمًا أنه منحاز للقضايا المحقة والعادلة ويتبناها، فأتى هذا الفيديو ليكشف زيف ادعاءات شاشة تحسين خياط.

كما شكل انتشار الفيديو والضجة التي أثيرت حوله، مادة لناشطين لبنانيين وسوريين تبادلوا على ضوئها اتهامات بالعنصرية، وصلت إلى حد التجريح والإساءات، الأمر الذي يفتح النقاش مجددًا عن الشوائب التي تشوب العلاقة بين البلدين، والناجمة عن مشاكل متراكمة بين الشعبين بسبب سوء إدارة العلاقات بينهم، وهو أمر يتحمل مسؤوليته الحكام في البلدين ونظام الوصاية وطريقة إدارة الملفات، وهو ما خلق علاقات غير سليمة وغير صحية بين الشعبين الشقيقين.

اقرأ/ي أيضًا: "نقشت".. حفلة تسليع للمرأة اللبنانية

في الأيام اللاحقة انتشر فيديو مضاد يدافع عن النازحين، ويبرز دور جهات لبنانية في إطالة أمد الحرب وتهجير مواطنين من بيوتهم، وبالتالي المساهمة في وصول لاجئين جدد إلى لبنان. ينتهي الفيديو بجملة "فاجأناكم مو؟" كنوع من التهكم. الفيديوهان المضادان والتعليقات عليهما من مواطني البلدين، يظهران عمق الهوة بين الشعبين، وأزمة التواصل بينهما.

انتشار فيديو تلفزيون الجديد العنصري والضجة التي أثيرت حوله، جعله مادة لناشطين لبنانيين وسوريين تبادلوا على ضوئها اتهامات بالعنصرية

لم تخلُ برامج شربل خليل السابقة، من التعليقات العنصرية البغيضة، تحديدًا ضد اللاجئين السوريين. خاصةً "بسمات وطن" الذي كانت تعرضه محطة LBC، التي ترفع هي الأخرى شعارات الإنسانية واحترام الآخر وتقبّله، وتخصص برامج تعرض لحالات إنسانية تحظى بنسب مشاهدات عالية. مواد تخطت كل حدود الأخلاق واللياقات، وسخرت من مزاحمة السوريين اللبنانيين في عملهم  حتى في مجال الدعارة!

قبل ثلاث سنوات نشر صاحب استراتيجية النسخ واللصق من تقنيات التلفزة الفرنسية في التعسينيات على صفحته عبر تويتر، صورة لفتاة منقبة تكشف أجزاءً من ساقيها، وعنونها يومها بـ"جهاد النكاح"، ما دفع بمفتي الجمهورية اللبناينة عبد اللطيف دريان أن يطلب من وزير العدل "تحريك النيابة العامة حول ما نشره خليل، لأنه يثير النعرات الدينية والمذهبية ويقصد النيل من الوحدة الوطنية وتعكير الصفاء بين عناصر الأمة".

في كانون الثاني/يناير 2016، وعلى خلفية الأحداث في مضايا ومحاصرتها من قبل النظام السوري، سخر شربل خليل عبر تويتر من الحديث عن المجاعة في مضايا، ونشر صورة ساخرة أثارت غضب واستياء شرائح واسعة من المجتمع ومن الناشطين، الذين طالبوا بتوقيف البرنامج.

برنامج " قدح وذم" ليس السقطة الأولى لتلفزيون الجديد في فضاء العنصرية، إذ عرفت القناة ببرامج شبيهة طويلًا

لا بد من الإشارة في هذا المجال، إلى أن أزمة الممثل زياد عيتاني التي ضجَ بها لبنان قبل أسابيع، والتي ثبتت براءته منها،  بدأت على خلفية تغريدة عنصرية لشربل خليل سخر خلالها من المرأة السعودية. لكن من حركوا الملف الكيدي ضد عيتاني البريء اختاروا معركة اعتقدوا أنهم حسموها مسبقًا عوض التصدي لمفجر الأزمة الأساسي، أي سخرية شربل خليل التسطيحية، ناهيك عن الخلط نتيجة تشابه في الأسماء بين زياد عيتاني المسرحي وزياد عيتاني آخر كانت مفاعيلها انقلاب الملف الكيدي على ملفقيه ومروحة تضامن واعتذارات شاسعة من الفنان زياد عيتاني.

برنامج " قدح وذم" ليس السقطة الأولى لتلفزيون الجديد في هذا المجال، إذ تعرف القناة ببرامج شبيهة، مثل "إربت تنحل" وهو برنامج ساخر لا يحظى بشعبية جماهيرية، رغم كل محاولات المحطة للترويج له ولتعويمه. أما في تشرين الأول/أكتوبر 2014، عرض البرنامج مقطعًا "ساخرًا" يظهر شابة يفترض أنها سورية، تقدمت لانتخابات ملكة جمال لبنان. وعندما اعترضت عليها لجنة التحكيم لأن المسابقة للبنانيات، تجيبهم الشابة باللهجة السورية: "الدكنجية بلبنان سوريين والمهندسين سوريين والحكما سوريين".

مسلسل العنصرية والإساءات للاجئين يبدو أنه لن ينتهي في لبنان، رغم كل الأصوات المناهضة لمثل هذه التصرفات، خاصةً وأن الأصوات الغوغائية من الطرفين، والتي تعيد استهلاك العبارات العنصرية تعلو دائمًا فوق لغة العقل مستفيدة من أرضية سياسية تتغذى بالعنصرية والهويات الفرعية الوظيفية تنهش لبنان منذ ماقبل الحرب الأهلية حتى اللحظة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

كوميديا جاد غصن "تبع الأخبار": نكتة المراسل السمجة

سقوط الـ"otv" اللبنانية: إذلال مواطن في مقلب تافه