14-مايو-2016

(Getty)

في مقالٍ بمجلة فورين بوليسي، تستكشف الكاتبتان ماريا حنون وصوفي سبان تاريخ الإسلام الطويل والمعقد في أوروبا في النصف الأول من القرن الماضي، والأسباب التي جعلت العلاقة بين الطرفين أكثر ودية وحميمية مما هي عليه الآن.

___

حكومات أوروبا الغربية في أوائل القرن العشرين أظهرت أيضًا تسامحًا وربما انحيازًا برجماتيا إلى الإسلام قد يفاجئ القراء المعاصرين

من الخارج، يبدو مسجد فيلمرسدورف، بمآذنه المرتفعة وقبته ذات الطراز المغولي، والذي يقع بشارع برينر جنوب غربي برلين، كما بدا تقريبا عندما تم بناؤه في عشرينيات القرن الماضي. لكن المؤسسة، تمامًا مثل المدينة حولها، قد تغيرت.

اليوم، المسجد هو مكانٌ هادئ. يخدم المسجد كمركز معلومات: يزوره أطفال المدارس أحيانًا في رحلاتٍ ميدانية؛ يستضيف المسجد حفلات غداء مشترك تجمع بين أشخاص ينتمون إلى دياناتٍ مختلفة. تظهر عادةً مجموعة صغيرة من المسلمين لأداء صلاة الجمعة. كل هذا مغايرٌ تمامًا لما كان عليه الحال عندما كان مسجد فيلمرسدورف مركزًا حيويًا لحركةٍ روحية تخالف الثقافة السائدة في جمهورية فايمار.

اقرأ/ي أيضًا: الولايات المتحدة صامتة بينما حلب تحترق

جذب الدعاة الأحمديون من منطقة البنجاب الهندية الواقعة تحت السيطرة البريطانية والذين بنوا المسجد جمهورًا متنوعًا في برلين العشرينيات، حيث استضافوا محاضراتٍ ناقشت الأسئلة الفلسفية السائدة آنذاك. ضمت المواضيع الهوة المتزايدة بين الحياة والعقيدة، ومستقبل أوروبا، ومستقبل الإنسانية جمعاء. حضر ألمان من جميع الأعمار، يصارعون خيبة أملهم العميقة في الحضارة المسيحية في أعقاب الحرب العالمية الأولى وباحثين عن بديلٍ معاصر وعقلاني، وروحيٍ أيضًا، تلك المحاضرات، وتحول الكثير منهم في النهاية إلى الإسلام.

يصعب تخيل هذا المشهد في ألمانيا المعاصرة، حيث دعا حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني إلى منع المآذن والنقاب، بينما يقول أكثر من نصف الألمان إنهم يعتبرونهما تهديدًا. لكن في فترة ما بين الحربين، كانت برلين تتباهى بنخبةٍ مثقفةٍ مسلمة تتكون ليس فقط من مهاجرين وطلاب من جنوب آسيا والشرق الأوسط ولكن أيضًا من ألمان متحولين إلى الإسلام من كافة ميادين الحياة. مثّل الإسلام، في ذلك الوقت، نموذجًا مغايرًا للثقافة السائدة، بل ومثيرًا، من الروحانية لليساريين المتطلعين إلى المستقبل، تمامًا كما كانت البوذية في كاليفورنيا السبعينيات.

حتى المناقشات المختلفة بعض الشيء حول الإسلام في أوروبا -تلك التي تأخذ في الاعتبار العوامل الهيكلية التي همشت مسلمي القارة- لا تزال تعامل وجود الدين كظاهرةٍ جديدة وشائكة، شيءٌ دخيل على الحياة الثقافية والسياسية الأوروبية كما عهدناها. لكن نظرةً على أوائل القرن العشرين -خاصةً الفترة التي تلت الموجة الأولى من هجرة المسلمين إلى أوروبا في أعقاب الحرب العالمية الأولى- تظهر أن أوروبا والإسلام ارتبطا بعلاقةٍ شديدة الاختلاف منذ عهدٍ ليس بالطويل، علاقةٌ تميزت بالفضول من جانب المواطنين وما يكاد يكون نوعًا من التفضيل من جانب الحكومات. في نفس الوقت الذي كان فيه المواطنون الأوروبيون يجربون ديانةً شرقية مثيرة، كانت الحكومات الأوروبية تقدم معاملةً خاصة للمواطنين المسلمين وتعتني بهم بطرقٍ قد تبدو مفاجئةً للوهلة الأولى. أنفقت الحكومة الفرنسية العلمانية ببذخٍ على مساجدٍ فخمة، بينما سعت ألمانيا إلى إثبات معاملتها الأفضل للمسلمين مقارنةً بفرنسا وبريطانيا. لا يمثل هذا الماضي تذكيرًا بأن هذا ليس لقاءً جديدًا فقط، وإنما بأن العلاقة بين أوروبا الغربية والإسلام لم تكن دائمًا كما هي اليوم وربما لا تكون كذلك في المستقبل.

يُظهر متحولون إلى الإسلام مثل هوجو ماركوس، وهو فيلسوفٌ يهودي مثلي، أن الإسلام لم يكن فقط موجودًا في أوروبا في السنوات التي أعقبت الحرب، وإنما بالنسبة للبعض لعب دورًا محوريًا في المناقشات بشأن كيف يجب أن يبدو مستقبل القارة. وُلد ماركوس، والذي ساعد في إدارة مسجد فيلمرسدورف، عام 1880 وانتقل إلى برلين لدراسة الفلسفة. تحول ماركوس إلى الإسلام عام 1925، بعد أن درّس لمهاجرين صغار السن من جنوب آسيا. بعد أن اتخذ اسم حميد، كتب ماركوس مقالات للمجلة التي كان يصدرها المسجد، والتي كانت تدعى موسليمش ريفيو، تعاطى فيها مع الفلاسفة المعروفين في ذلك الوقت -جوته ونيتشه وسبينوزا وكانط- ليجادل بأن الإسلام هو مكونٌ ضروري لصنع "الإنسان الجديد". كان لفظ "الإنسان الجديد"، الذي استعمل لوصف مواطن مستقبلي مثالي، مفهوم فلسفي رائج يتناوله الجميع من الاشتراكيين إلى الفاشيين، كما كان محوريًا لكلٍ من التصورات السوفيتية والاشتراكية القومية. بالنسبة لماركوس، كان الإسلام، بوصفه الوريث التوحيدي لليهودية والمسيحية، المكون المفقود في قلب "إنسان المستقبل" ذاك.

أدارت الإرسالية الأحمدية أيضًا مسجدًا آخر في أوروبا الغربية، وهو مسجد شاه جهان في ووكينج بإنجلترا. تم إنشاء المسجد عام 1889، على يد غوتليب فيلهلم ليتنر، وهو مستشرق أنجلو-مجري متعدد اللغات والذي، حسب معظم الروايات، لم يكن متحولًا إلى الإسلام لكنه خدم كمترجم في حرب القرم وسافر كثيرًا في أنحاء العالم الإسلامي. مع عدم وجود من يشرف على عملياته بعد وفاة مؤسسه غريب الأطوار بعد ذلك بعشر سنوات، أصبح المبنى مهجورًا. لكن قبل الحرب العالمية الأولى بفترةٍ وجيزة، تولى المحامي هندي المولد والداعية الأحمدي خواجة كمال الدين أمر المسجد، وجدده وحوله إلى إرسالية ووكينج. نجح المسجد، الواقع على بُعد 30 ميلًا فقط جنوبي لندن، في استقطاب متحولين إلى الإسلام من الطبقات العليا والمتوسطة في بريطانيا إبان عصر مسلسل داون تاون آبي وآخرين تشاركوا عدم رضاهم عن المسيحية والمجتمع الغربي الحديث. كان أحد المتحولين الأسطوريين في ذلك الوقت هو النبيل الأيرلندي اللورد هيدلي. تحول البارون الخامس هيدلي، الذي وُلد باسم رولاند جورج الانسون الانسون-وين، إلى الإسلام عام 1913، واعتمد الاسم المسلم الشيخ رحمة الله الفاروق. أصبح اللورد هيدلي واجهةً، من نوعٍ ما، للبريطانيين المتحولين إلى الإسلام؛ وفي العشرينيات، ذهب في رحلة حج إلى مكة حظيت بتغطيةٍ واسعة وكتب في حياته، عددًا من الكتب والمقالات عن الإسلام، الذي كان واثقًا من أنه سيحظى بمستقبلٍ باهر في بريطانيا.

يبدو واضحًا، على المستوى الفردي، أن الإسلام قد استمال بعض الأوروبيين الذين يبحثون عن الانفصال عن الموروث في العالم الحديث. تحول بيتر هنريكوس فان دير هوج، وهو طبيب جلدية هولندي أسس شركة مستحضرات تجميل لا تزال تزود النساء في هولندا بكريمات الوجه وأقنعة شد البشرة حتى اليوم، إلى الإسلام خلال هذه الفترة وذهب في رحلة حج إلى مكة. وتحول هاري جون فيلبي، وهو ضابط مخابرات بريطاني ووالد كيم فيلبي، العميل المزدوج سيئ السمعة، إلى الإسلام عندما كان يعيش في السعودية في الثلاثينيات وسمى نفسه عبد الله. اعتمد أحد المتحولين الآخرين من هذه الفترة، الكاتب اليهودي ليوبولد فايس، اسم محمد أسد؛ ويعد ابنه، طلال أسد، أحد أكثر علماء الأنثروبولوجيا تأثيرًا اليوم.

اقرأ/ي أيضَا: أزمة الجمهوريين التي لا تتعلق بترامب

لكن حكومات أوروبا الغربية في أوائل القرن العشرين أظهرت أيضًا تسامحًا وربما انحيازًا إلى الإسلام قد يفاجئ القراء المعاصرين – على الرغم من أن دوافعها كانت في أكثر الأحيان أكثر براجماتية من دوافع مواطنيها.

خلال الحرب العالمية الأولى، اعتمدت فرنسا وبريطانيا على رعايا مستعمراتهما -الذين كان الكثير منهم مسلمين- في الخدمة في ساحات المعارك الأوروبية، وبالتالي فقد أولتا قدرًا كبيرًا من الاهتمام لاحتياجات هؤلاء الجنود. تم إلحاق الأئمة بالتشكيلات العسكرية، وحصل المسلمون في الجيوش على مؤنٍ حلال خاصة: بدلًا من لحم الخنزير والنبيذ، قُدم لهم الكسكس والقهوة وشاي النعناع (لم تحصل التشكيلات العسكرية اليهودية، من ناحيةٍ أخرى، على أي معاملةٍ خاصة). على الجانب الألماني، بُني أول مسجد بالبلاد في معسكرٍ لأسرى الحرب في وونسدورف لاستيعاب الجنود الأسرى المسلمين وليظهروا لهم كم يعاملهم الألمان أفضل كثيرًا من الفرنسيين والبريطانيين. كان الألمان يأملون أن النتيجة ستخلق بلبلة بين السكان المسلمين في مستعمرات غريمَي ألمانيا.

في فترة ما بعد الحرب، جعل التركيز المتزايد للحركات المناهضة للاستعمار على الهوية الإسلامية نفس تلك الحكومات الأوروبية قلقةً بصورةٍ متزايدة. تم إرسال عملاء سريين إلى مقاهي القارة حيث بدأ المفكرون المسلمون -ومن بينهم شكيب أرسلان أحد أهم المنادين بالوحدة الإسلامية في أوروبا ما بين الحربين، والذي كان مقيمًا في جنيف وهو جد السياسي اللبناني المعاصر وليد جنبلاط- الترويج لرسالةٍ مقاومة تتبنى الوحدة الإسلامية.

لكن الحكومات الأوروبية حاولت أيضًا أن تستميل المسلمين من خلال القوة الناعمة للبروباجندا. في عام 1926، بعد أكثر من عقدين على تأكيد التزامها بالعلمانية، التي تعرف باللائكية laïcité، في قانونٍ صدر عام 1905؛ اعتمدت الدولة الفرنسية على مجموعةٍ متنوعة من الثغرات كي تمول تشييد مسجد باريس الكبير، وهو ما ترك الكثير من الكاثوليك في البلاد غاضبين من معاملة الدولة التفضيلية للمسلمين. ظاهريًا، كان يفترض أن يكون المسجد تكريمًا للجنود المسلمين الذين حاربوا من أجل فرنسا خلال الحرب: عندما وُضع حجر الأساس عام 1922، أعلن بول فلورو المسئول ببلدية باريس بفخر أنه عندما وجدت فرنسا نفسها في خطر عام 1914، لم يتردد مسلموها في أفريقيا في الدفاع عنها: لم يكن المسلمون، حسب فيلورت "آخر من يستجيب لنداء أرض الوطن المعرّضة للخطر …. ضحى الكثيرون بحياتهم دفاعًا عن الحضارة". وأضاف أن المسجد كان تعبيرًا عن امتنان فرنسا، ونصبًا تذكاريًا للجنود المسلمين الذين قضوا دفاعًا عن البلاد.

في الواقع، يرى المؤرخون الآن المسجد كجزءٍ من بروباجندا استعمارية، حيث كان يهدف إلى إعطاء الزائرين الأثرياء لمحة عن القوة الإمبريالية الفرنسية في العالم الإسلامي. كان العاملون من شمال أفريقيا في باريس يعيشون بعيدًا عن المسجد، ولم تكن مواعيد الصلاة تتناسب مع مواعيد المصانع التي يعملون بها؛ جعلت الأسعار المرتفعة للحمام العمومي والمطعم المسجد فوق طاقة الجميع عدا حفنة من النخب الفرنسية والمغربية. لا يزال المسجد، المبني في المنطقة الإدارية الخامسة، على الجانب الآخر من حديقة النباتات، باقيًا حتى اليوم؛ يأتي السائحون من كافة أنحاء العالم للاستمتاع بكوبٍ من شاي النعناع والبقلاوة في المقهى أو شراء سجادة مغربية من متجر الهدايا، مستنشقين بعض "الهواء الشرقي" في قلب باريس.

 تاريخ المسلمين في أوروبا أقدم مما يعتقد الكثيرون، ومعرفة ذلك يساعد في تخيل مستقبلٍ يمكن فيه رؤية المسلمين كجزء أصيل من الحياة في أوروبا

في 1935عام، ميّزت الدولة الفرنسية العلمانية مجددًا رعاياها المسلمين، عن طريق بناء مستشفى في بوبيني، وهي بلدية صغيرة شمال شرقي باريس، كانت مخصصة بشكل حصري للمسلمين. من المفترض أن هذه المستشفى شُيدت من أجل الحفاظ على لقيمة المساواة الجمهورية من خلال توفير رعاية خاصة للمسلمين: كان يُقدم للمرضى طعامٌ حلال، والمبنى نفسه، والذي صممه معماريون فرنسيون وفقًا لما رأوه طرازًا "شمال أفريقي" كان مجهزًا بقاعات للصلاة ومقبرة للمسلمين. في الوقت نفسه، أبقت المستشفى أيضًا المسلمين بعيدًا عن العنابر العامة الباريسية، في وقتٍ كان فيه المواطنون الفرنسيون يعربون عن قلقهم من أن العمال من شمال أفريقيا ربما يحملون أمراضًا تناسلية خطيرة – وهي إشارة على أن الأوروبيين، رغم فضولهم غير المتوقع تجاه الإسلام، كانوا أيضًا عنصريين عادةً. تعد المستشفى مثالًا جيدًا للاستراتيجية المعتادة لحكومةٍ استعمارية في تلك الفترة: توفير الخدمات للسكان المسلمين لكسب رضاهم وجعلهم تحت سيطرة الدولة.

في الفترة التي سبقت الحرب العالمية الثانية، وأثناء الحرب نفسها، أخذت جهود الدول لكسب رضا المسلمين منحىً جديدًا. خلال هذه الفترة، ساعدت بريطانيا في تمويل مسجدين في لندن، بينما حاول النازيون إقناع المسلمين، خاصةً في أوروبا الشرقية، بالانضمام إلى معركتهم ضد السوفيت. قدم النازيون أنفسهم، خاصةً في البلقان والقرم والقوقاز، كحماةٍ للإسلام. انتشرت البروباجندا من خلال الراديو وركزت المنشورات على معاداة البلشفية ومعاداة اليهودية ومعاداة الإمبريالية البريطانية (تم إنشاء فيالق للمسلمين في الجيش الألماني، لكن كثيرًا من الجنود الذين سجلوا أنفسهم فعلوا ذلك من أجل الأوضاع الأفضل وليس بدافع الاعتبارات الإيديولوجية).

هذه الفترة -التي تودد فيها الأوروبيون وحكوماتهم إلى المسلمين والإسلام- تتنبأ للمفارقة بمعاملة الإسلام في أوروبا الغربية اليوم: كان الاهتمام الخاص بالمسلمين، بدلًا من أن يكون علامةً للقبول، مدفوعًا عادةً بتهديدٍ متصور للمصالح القومية ينبثق من الإمكانية المخربة سياسيًا للدين. هذا الدافع لا يختلف كثيرًا عن التفكير الكامن وراء برامج تدريب الأئمة التي ترعاها الدولة والتي برزت في بريطانيا وهولندا في الأعوام الأخيرة.

تركت ندوب المعركة ومرور الوقت بصمتها على مسجد فيلمرسدورف ببرلين. في المراحل النهائية للحرب العالمية الثانية، تحول المسجد إلى ميدانٍ للمعركة عندما، أثناء الغزو الروسي لبرلين، حفرت القوات النازية خنادق في حدائقه الهادئة وأطلقت النار على جنود الأعداء من مآذنه المرتفعة. خلال القتال، كادت إحدى مآذن المسجد أن تُدمر، وتضرر المسجد بصورةٍ بالغة. على الرغم من إعادة بنائه، إلا أن المسجد لم يعد أبدًا إلى سابق مجده. اليوم يقتصر الحضور تقريبًا، وإن كان مستمرًا، على صلاة الجمعة، ولا يعرف تاريخه العريق سوى قليلون.

في العقود الحافلة بالأحداث عقب الحرب، تلاشت هذه الفترة الموجزة -عندما اعتنق بعض الأوروبيون الإسلام- أيضًا من الذاكرة. ليس من الواضح تحديدًا لماذا: ربما لأن التدفق الأخير والأكبر للعمال المسلمين في الستينيات والسبعينيات جعل المسلمين أقلية أكثر ظهورًا في هذه البلدان، وليس جزءًا ضئيلًا من السكان، وجلب معه توتراتٍ متزايدة. أو ربما لأن الأحداث، منذ الحادي عشر من سبتمبر، التي ميّزت العلاقة بين المجتمع الغربي والشرق الأوسط غطت عادةً على تاريخها.

رغم ذلك فإن النظر للتاريخ مهم لفهم الطيب والشرس والقبيح عندما يتعلق الأمر بالتاريخ الغني والمعقد للإسلام في أوروبا الغربية. إذا كانت الحكومات قد ميزت المسلمين، في ظل اهتمامها باستمالة السكان المسلمين، بطرقٍ قد تكون ساعدت في وضع الأساس لإحساس "الغيرية" الذي تشعر به أوروبا تجاه الإسلام اليوم، فإن مسجد فيلمرسدورف يمثل رؤيةً بديلة، وإيماءةً إلى وقتٍ لم يكن يأت ذكر الإسلام فيه، في عقول الأوروبيين، محملًا بارتباطاتٍ قمعية ومعاديةٍ للفكر ومهددة. إن تخيل المحاضرات التي كانت تُقام ذات في ووكينج وفيلمرسدورف وحضورها المتنوع -بحسب بعض الروايات، حضر الروائي الألماني توماس مان ذات مرة- يسمح لنا بتصور علاقةٍ بين أوروبا والإسلام تتسم بالحوار والانسيابية.

إن تاريخ المسلمين والإسلام في أوروبا أقدم وأكثر تعقيدًا مما يعتقد الكثيرون، ويساعد الاعتراف بذلك في تخيل مستقبلٍ يمكن رؤية المسلمين فيه كجزءٍ متساوٍ ولا يتجزأ من الحياة العامة في أوروبا، وليس كدخلاءٍ أو مصدر تهديدٍ أبدي.

اقرأ/ي أيضَا: 

أمريكا وصفقة الجزر المصرية..أوان رد الفعل

هل ماتت الليبرالية؟