30-أكتوبر-2021

دييغو مارادونا (Getty)

عظَمة الراحل دييغو مارادونا  ليست  فقط في كونه  لاعبا أسطوريا، ولكنّه كان إنسانًا عظيمًا،  رسم لوحات خالدة على جدار الإنسانية، وسطّر مواقف غاية في النبل، كان دومًا إنسانًا بسيطًا، متواضعًا ومحّبًا، يتصرّف على سجيّته وكما يحب ، لم يحب أبدًا حياة القيود، إنما كان ينطلق دومًا في عالم رحب، مطلقًا العنان لمواهبه الكامنة،  فتشّع البهجة والفرحة أينما حل، ونستعرض في ذكرى ميلاده أحد أبرز مواقفه، والتي تمثّل درسًا للاعبي كرة القدم في العصر الحالي.

لعل من سيقرأ كيف انتقل دييغو إلي البوكا سيندهش من أن الفتى الصغير،  كان من البدء دومًا بلا قيود، يعشق التغريد والاستمتاع ،على حساب بريق المال والمجد الواهم، دييغو الذي بدأ مسيرته في نادي أرجنتينوس وهو لم يتجاوز الستة عشر ربيعًا، قام بفعل الأعاجيب فوق العشب الأخضر، جاعلًا العيون تتسمّر، والأفواه تتعجب، منتزعا آهات الدهشة من حناجر الحاضرين في المدرجات.

مما دعا " فرانسيسكو كورنيجو " مكتشف موهبته يقول "عندما أتى دييغو للنادي وهو في سن الثامنة، صُعقنا من هول ما رأينا ، لم نصدق بأنه يبلغ  ثمانية أعوام، كان يلعب بعقلية بالغ رغم كون  شكله طفل"، مارادونا الفقير الممزوج بجنسيات متعددة لأب عامل في مصنع كيماويات، ينحدر من أصل إسباني وأم تنحدر من أصل إيطالي وكرواتي ..كان من المنطقي وفقا لتلك النشأة التي يملأها العوز والفقر المدقع، بأن يكون نهما للمال وشغوفًا بالحصول على مكاسب حُرم من أن يراها في بداية تنشئته.

السحر الأول

في العشرين من أكتوبر/تشرين الأول عام 1976، وقبل عشرة أيام من اكتمال عامه السادس عشر، سجل مارادونا حضوره الأول في البطولة الأرجنتينية لصالح نادي أرجنتينوس جونيورز ضد نادي تاليرس ، حاملا القميص رقم 16، ليسجل أسمه كأصغر لاعب يشارك  في تاريخ الدوري الأرجنتيني ، ليس هذا فقط بل قام بإمتاع الحاضرين بلعبة " نتميج " الشهيرة والتي قام من خلالها بتمرير الكرة من بين أقدام اللاعب خوان كابريرا، لينتزع الآهات من الحاضرين، وهو ما دعا كابريرا نفسه بعد ثلاثين عامًا لتذكر اللقطة بقوله " عندما قام بتنفيذ تلك الحركة استدرت له ولكنني وجدته قد انطلق بعيدا "

 دامت رحلة دييغو مع أرجنتينوس لخمسة أعوام بدءا من عام 1976 إلي عام 1981 مسجلا 115 هدفا في 167 مباراة، لتبدأ المرحلة اللاحقة من تنازع عملاقي الأرجنتين البوكا وريفر بليت على خدمات الأسطورة دييغو .

مارادونا ينحاز للفقر

عرض نادي ريفربليت على دييغو عرضًا خرافيًا، كان سيتقاضى به أعلى أجر في البطولة الأرجنتينية، مناصفة مع الحارس الدولي فيلول، وكان عرض البوكا أقل بكثير لأن النادي كان يرزح تحت أزمة مالية خانقة ولكنه كان يود جلب دييغو، اعتقدت الصحافة والإعلام الأرجنتيني أن الأمر قد حسم، وأن دييغو أصبح لاعبًا ثريًا بانتقاله لريفربليت، وأن مارادونا سيعوض حياة الفقر المدقع والحرمان، ولكن دييغو قلب التوقّعات.

لقن دييغو الجميع درسًا لا ينسى ، قرر الانتقال للبوكا ، محدثًا ضجة عارمة بذاك الانتقال، رفض أموال الريفر وعرضه المغري العملاق، فضل البوكا الفقير مساندًا إياه في محنته، ومحققًا في نفسه رغبة قديمة في عشقه للبوكا الفقير، ليسير على نفس منوال حياته اللاحقة، عندما فضل ما يحب على ما يكسب من ماديات، وهو ما سيتكرر لاحقا بالانتقال للفقير نابولي، مفضلًا إياه على الأندية الثرية في القارة.

وشهد  العاشر من أبريل لعام 1981 مباراة مارادونا الأولى في السوبر كلاسيكو بين الغريمين بوكا وبليت على ملعب بومبونيرا، والذي شهد سحق البوكا لريفر بثلاثية، شهدت تسجيل مارادونا لهدف خرافي بعد أن راوغ ألبرتو تارانتيني والحارس فيلول .

فاز البوكا بلقب الدوري بفارق نقطة عن نادي فيرو،  وهو اللقب الوحيد في سجل مارادونا في البطولة الأرجنتينية المحلية، لقد فضّل دييغو البوكا الفقير ليرسم مبدأً في كرة القدم، ليت كثيًرا من أنصاف مواهب اليوم تدركه، عندما يفضلون بريق المال عن عظمة المبدأ والمجد.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

عندما هدد مارادونا برشلونة

المجد لمارادونا.. عاشت الأرجنتين