01-أغسطس-2017

المخرج محمد ملص (Getty)

ليس عنوانًا افتراضيًا، بل حكاية رواها أهم منتجي القطاع الخاص في سوريا، ويدعى عبد الرزاق الغانم الذي أنتج عبر شركته "الغانم للسينما" أغلب أفلام الفناة إغراء، وكان يستثمر صالات القطاع الخاص لعرض أفلامه التي لا يتجاوز وقت إنتاجها حسب روايته شهرًا واحدًا.

عبد الرزاق الغانم: نحن في القطاع الخاص نكتب السيناريو ونصور الفيلم في خمسة عشر يومًا

وفي حديث عابر مع عبد الرزاق الغانم قبل وفاته بسنوات قال متفاخرًا: "نحن في القطاع الخاص نكتب السيناريو ونصور الفيلم في خمسة عشر يومًا، وحتى نهاية الشهر يكون الفيلم جاهزًا للعرض في الصالات، بينما تنتج "المؤسسة العامة للسينما" فيلمًا واحدًا يكلفها نصف ميزانيتها حتى تعرضه في المهرجانات من أجل جائزة لا تقدم ولا تؤخر".

اقرأ/ي أيضًا: سينما غازي.. أسدلوا الستارة

عبد الرزاق الغانم أحد أقطاب الإنتاج يرى أن قيمة السينما في الكم المنتج وما يحصده شباك التذاكر، ويفاخر بأفلام يتم عرضها منذ سنوات ولها نصيب الأسد من الجمهور، فيما أفلام المهرجانات لا تعرض إلا في الموسم لمرة واحدة ويحضرها جمهور المثقفين.

أما قصة حمار محمد ملص فيروي عبد الرزاق الغانم أن ملص استأجر حمارًا لفيلم "أحلام المدينة" بعشرة آلاف ليرة في اليوم، وكان بإمكانه شراء قطيع كامل من الحمير، وهذا التهكم في جلسة لنقاش المستوى الهابط لسينما القطاع الخاص في سوريا، الذي تدهور بشكل كبير مع لمعان أفلام مؤسسة السينما وحصولها على جوائز كبرى في المهرجانات العربية.

وفي هذه الفترة، احتدم الصراع بين منتجي القطاع الخاص ونظرائهم في القطاع العام، وشكلت مجموعة من المخرجين عصب "المؤسسة العامة" مثل أسامة محمد وسمير ذكرى وعبد اللطيف عبد الحميد، ومحمد ملص الذي قدم فلمين مهمين في تاريخ السينما أواسط التسعينات وهما "أحلام المدينة" و"الليل"، وأما عبد الحميد فعمل مساعدًا لمحمد ملص في "أحلام المدينة"، ثم تفرد بإخراج أفلام مؤسسة السينما وصار مدللها زمن تولي محمد الأحمد رئاستها وأخرج كلًا من "ليالي ابن آوى" و"رسائل شفهية" و"صعود المطر" و"قمران وزيتونة".. إلخ.

الهجوم على محمد ملص لم يكن فقط من عبد الرزاق الغانم ومنتجي الخاص ومخرجيه، بل من زملائه في القطاع العام، كون محمد ملص أحد أهم مخرجي السينما السورية الذين امتازوا بالرؤية المختلفة، والطرح العميق لقضايا المجتمع السوري، وهذا ما أثار صغار المخرجين الذين رأوا في المؤسسة العامة مصدر رزقهم وثديهم الحنون.

محمد ملص ابن القنيطرة المحتلة مولدًا، التحق بمعهد السينما في موسكو وتخرج منه سنة 1974، وكان عاشقًا لمدينته، وفيلم "الليل" يبحث في القصة الذاتية لمحمد ملص عبر شاب يستعيد رحلة والده ابن مدينة حماة الذي ذهب إلى القنيطرة، وعاش فيها ثم التحق مجاهدًا في فلسطين عام 1936، ثم يعود إلى القنيطرة ليشهد هزيمة 1967 في رحلة تذكر العار الذي لحق به جراء الهزيمة المتوارثة، وقد حصد الفيلم جوائز عدة (قرطاج، بيروت، دمشق، مهرجان الشاشة العربية المستقلة والفيلم العربي في برلين).

محمد ملص: سوريا التي تسكنني ليس حالها وحالي على ما يرام

بعد اندلاع الأحداث في سوريا عام 2011 وجد محمد ملص ضالته في التعبير عما حصل في بلده بجملة تختصر رؤيته الحياتية والفنية: "سوريا التي تسكنني ليس حالها وحالي على ما يرام، نتمنى أن نستعيد سوريا كما نريدها وكما نشتهيها فقط".

اقرأ/ي أيضًا: الحنين إلى سينما القاع في دمشق

اعتقل محمد ملص أثناء مغادرته سوريا إلى لبنان، بالرغم من اتهام معارضي النظام له بأنه لم يأخذ موقفًا واضحًا مما يجري في وطنه، وفي لقاء معه سنة 2016 أعاد محمد ملص تكرار نظرته لما يجري في سورية: "نعم في بلادي الثورة موءودة، فمن خرجوا في بداية الأحداث فعلًا كانوا يعبرون عن احتياجات حقيقية لدى الناس، ولم تستطع القوى الموجودة صياغة مفاهيم حقيقية ونظرة عميقة للتقدم والنهوض بسوريا"، وهذا بالضبط ما يؤمن به الآن الكثير من السوريين.

بعدها اختار محمد ملص أن يستمر في سلوكه الخاص بالتعبير عن رؤيته، وبعين مختلفة فنيًا وفكريًا عما تصوغه المعارضة أو القطاع الحكومي في سوريا، وأخرج وكتب فلميه "باب المقام" (2005) و"سلّم إلى دمشق" (2013)، ويرى أن ما يمكن أن ينتجه ويخرجه هو مختلف عن رؤى أطراف الصراع: "للأسف وجدت أنه لدي مشاريع كثيرة لكنها لم تجد للآن فرصة لإنتاجها، لذلك اخترت لنفسي أن أسعى وراء سينما مستقلة ليست خاضعة لإنتاج القطاع العام، فالجهة المنتجة الوحيدة هي القطاع (العمومي)، ولابد أن تكون الإنتاجات على صورة هذا القطاع، وأن تتبنى وجهة نظر الدولة، فلا أحد يتبناك دون أن تخدمه، وتقدم تنازلات بلا حدود تفقد فيها فيلمك، وأنا لا أقبل ذلك".

يقطع محمد ملص شكوك الآخرين برؤيته في أن يكون سينمائيًا بين مواطني بلده ومعهم في نفس الوقت: "لقد اخترت الإنتاج المستقل لأكون حرًا في التعبير عن الناس وليس طرفًا ضد الناس".

حمار محمد ملص ما زال هو الفارق بين من يرى أن الوطن مجرد سلة مال يجنيها من جسد امرأة مرمي على الشاشة الكبيرة لجمهور من المراهقين والعسكر، وبين من يرى الوطن في فم السياسي وجيبه.. ولذلك أراد هؤلاء شراء حمار محمد ملص ليكون منقذهم من تهمة على مقاسهم وحدهم.

اقرأ/ي أيضًا:

صح النوم يا سوريا

نهاد علاء الدين.. بطلة الإغراء السورية التي نسيتها الأضواء