20-يناير-2018

كان نظام السيسي ولا يزال متخوفًا من تصدر سامي عنان للمشهد السياسي (رويترز)

بات الأمر منتهيًا، الرئيس الحالي ووزير الدفاع سابقًا، في مواجهة مباشرة مع من كان قائده يومًا من الأيام، رئيس أركان القوات المسلحة المصرية الأسبق، سامي عنان. في يومٍ واحد تشتعل المنافسة في الانتخابات الرئاسية المصرية المقررة إجراؤها بدءًا من 26 آذار/مارس 2018، حيث أعلن السيسي رسميًا خوضه الانتخابات عبر مؤتمر استمر لثلاثة أيام أُذيع على كافة القنوات التلفزيونية المصرية، بحضور العديد من الشخصيات العامة.

تشير التوقعات إلى أنه في حال استكمال السباق الانتخابي بمرشحيه الحاليين، تحديدًا السيسي وعنان، فإنها ستكون حرب "تكسير عظام"

بعدها بساعات قليلة يخرج مقطع فيديو مُسجل لسامي عنان، يُنشر عبر صفحاته على فيسبوك، مُعلنًا فيه ترشحه رسميًا لرئاسة الجمهورية.

وصحيح أن الضابطان العسكريان السابقان، عنان والسيسي، ليسا المرشحين الوحيدين في الرئاسيات المقبلة، فهناك خالد علي الذي جذب حوله شريحة من الشباب المعارض، وهناك أيضًا مرتضى منصور، ولكن يبدو أن المنافسة الحقيقة تنحصر بين الذين خلعوا قبل سنوات قليلة بزاتهم العسكرية، حتى بات حريٌّ تسميتها بانتخابات "نادي الضباط".

اقرأ/ي أيضًا: معنى ترشح سامي عنان في انتخابات الرئاسة المصرية

وتشير التوقعات، إلى أنه في حال استكمال السباق الانتخابي بمرشحيه الحاليين، تحديدًا السيسي وعنان، فإنها ستكون حرب "تكسير عظام" بين الضابطين ومؤيديهما، ليس فقط من الشارع المصري، وإنما مؤيديهما داخل مؤسسات وأجهزة الدولة المصرية.

ولا تمثل خطورة عنان، كما السيسي، في شخصه، فكلاهما حقيقةً بلا خبرة سياسية، كما لم تتح للجماهير فرصة التعرف على برامجهما، إن كانت لهما برامج. ولكن قوته الحقيقية قد تتمثل في الرافضين للسيسي، عبر التصويت الانتقامي، من بعض المعارضين، كما أنه كعسكري سابق يرضي رغبة بعض أنصار الاستقرار ومحبي الجيش أو من باتوا يُعرفون بـ"الدولجية".

اغتيال عنان

بالنسبة لعنان، لم تكن هذه المرة الأولى التي يعلن فيها عزمه دخول السباق الرئاسي، ففي انتخابات 2014، قام بالتحضير للمشاركة، ثم بشكل مفاجئ أعلن انسحابه في مؤتمر صحفي، سبقه اجتماع بعدد من مؤيدي السيسي، وعلى رأسهم مصطفى بكري ومحمد مسلم. 

وقال عنان وقتها إن انسحابه يأتي لحرصه على الحفاظ على وحدة الجيش المصري. وأبرز ما أثار الريبة أنه قبيل الانسحاب بأيام، تعرض عنان لمحاولة اغتيال في 10 آذار/مارس 2014، وفقًا لحملته الانتخابية، لكن وزارة الداخلية نفت وقوع الحادث أصلًا، واتهمت عنان بالدعاية الانتخابية عن طريق اختلاق حادثة محاولة اغتياله. وعلى كل وأيًا كانت صحة الروايتين، ظل قصة الاغتيال هذه علامة استفهام كبيرة في العلاقة بين السيسي وعنان.

وعلى كل لا يُمكن فصل حديث السيسي في مؤتمره الأخير "حكاية وطن" عن ما حدث ويحدث، عندما قال: "لو أقدر أمنع الفاسد عن إنه يتولى أمركم من بعدي، لمنعته"، مُضيفًا: "أنا عارفهم كويس (الفاسدين)، واللي هيقرب منهم من الكرسي ده يحذر مني. فيه ناس فاسدين لن أسمح لهم بالاقتراب من الكرسي ده"، وإن كان من غير الواضح من يقصد السيسي بالفاسدين، لكن على أية حال لا يُستبعد أنه يقصد عنان مثلًا. ويرى البعض أن حديث السيسي هذا هو أقرب لإعلانه تصفية من يسعى ويرغب في منافسته، كما حدث مع أحمد شفيق.

حرب إعلامية

فشلت محاولة الاغتيال الجسدي لعنان، ولربما لم تحدث أصلًا. لكن الاغتيال المعنوي له استمر منذ إعلانه نيته الترشح في رئاسيات 2014، وحتى إعلانه الانسحاب. ومن المتوقع تكرار الأمر خلال الفترة الحالية في ظل سيطرة كاملة لنظام السيسي على وسائل الإعلام المصرية.

وبالعودة لعام 2014 وقبل انسحاب عنان من سباق الانتخابات، قاد الإعلام المصري حملة ضده للحد الذي وصل لتهديده من الإعلامي القريب من الأجهزة الأمنية أحمد موسى، إذ قال موجهًا حديثة لعنان: "هعورك"، فيما استنكرت لميس الحديدي فكرة ترشح عنان نفسه، بينما اتهمه إبراهيم عيسى بأنه مرشح محتمل للإخوان.

في الخفاء والعلن، كان السيسي يعمل على تقليم أظافر الجميع، سواءً عنان أو غيره. ولم يترك مؤسسة إلا وخاض فيها حربًا للسيطرة الكاملة عليها

ويعطي إعلان عنان الترشح عبر مقطع فيديو مسجل على مواقع التواصل الاجتماعي، رسالة تفيد بعدم رغبة موافقة وسائل الإعلام المصرية إذاعة خطاب ترشحه، وهو ما أكدته مصادر مقربة من عنان.

اقرأ/ي أيضًا: "محدش هيترشح هنا".. فوبيا النظام المصري من المرشحين للرئاسة أمام الجنرال

ويظهر عنان في خطابه بلغة واثقة، وتعبيرات دقيقة ومميزة بترميزها الذي بدا واضحًا. قال عنان: "أيها الشعب السيد في الوطن السيد"، ثم تابع: "أتوجه إليكم بهذا الحديث، بعد سنوات عصيبة مرت بها بلادنا التي تجتاز اليوم مرحلة حرجة من تاريخها مليئة بالتحديات وعلى رأسها توتر خطر الإرهاب الأسود في مصر، وتردي أوضاع الشعب المعيشية التي تزداد سوءًا يومًا بعد يوم فضلًا عن تآكل قدرة الدولة المصرية على التعامل مع ملفات الأرض والمياه وإدارة موارد الثروة القومية وعلى رأسها المورد البشري". 

وإضافة لذلك أعلن عنان مبدئيًا أنه سيعين نائبين له كلًا من المستشار هشام جنينة الرئيس السابق للجهاز المركزي للمحاسبات، صاحب المعركة الشهيرة مع النظام، والتي انتهت بعزله من منصبه، وكذا حازم حسني، أستاذ العلوم السياسي، وقد أعطى ذلك تفسيرًا لقوة الخطاب، ودقة التعبيرات المستخدمة فيه، كما أنه بدا واضحًا توددًا لفئات من المعارضة المصرية.

وفي الخفاء والعلن، كان السيسي يعمل على تقليم أظافر الجميع، سواءً عنان أو غيره. ولم يترك مؤسسة إلا وخاض فيها حربًا للسيطرة الكاملة عليها، وآخرها المخابرات العامة بعد إطاحته بخالد فوزي وتعيين مدير مكتبه وأقرب رجاله إليه، عباس كامل، مسيرًا لأعمالها.

موافقة الجيش

تحدث عنان خلال خطابه عن القوات المسلحة المصرية، محملًا النظام الحالي وسياساته الخاطئة تحميل الجيش المصري وحده مسؤولية المواجهة، "دون سياسات رشيدة مكن القطاع المدني من القيام بدوره متكاملًا مع دور القوات المسلحة"، على حد تعبيره. 

وأشار عنان إلى ضرورة استيفائه بعض الإجراءات التي لابد من القيام بها كونه رئيسًا أسبق لأركان حرب القوات المسلحة، ولا يعرف على وجه الدقة ما هي هذه الإجراءات التي عليه الانتهاء منها، وهل تمنع القوات المسلحة من الترشح للرئاسة؟ غير أن البعض يرى في إشارته تلك محاولة منه لإعطاء انطباع عن رضا الجيش، أو بعض شرائحه، من ترشحه، لجذب مزيد من اهتمام الجماهير له من أنصار ومحبي المؤسسة العسكرية.

وقد لا تكون الجملة إشارة حقيقة لموقف الجيش، ولكن في كانون الثاني/يناير2017، نشر الإعلامي أحمد موسي مكالمة مسربة بين عنان حين كان رئيسًا للأركان، وبين محمد البرادعي، خلال شهور تلت كانون الثاني/يناير 2011. وعقب نشر التسجيلات هاجم نشطاء وحقوقيون وشخصيات عامة إذاعة تسجيل لرئيس أركان الجيش المصري، وطالب البعض بتحويل أحمد موسي للمحاكمة العسكرية، ولكن قيادات الجيش الحالية لم تلقي بالًا للتسريبات، ولم تحقق في قضية التنصت على مكالمات كان أحد أطرافها رئيس الأركان!

أمام تلك الإشارات التي كانت تصل بين الحين والآخر، كان تخوف النظام من وجود عنان، خاصة لو التفتت حوله المعارضة بكل أطيافها للتخلص من السيسي، وهو ما قد يظهر في تجميع التوكيلات، فوفقًا للقانون يحتاج المرشح الحصول على 25 ألف توكيل على الأقل من مواطنين، أو 20 توكيل من نواب في البرلمان، تبدأ الهيئة الوطنية للانتخابات في تسلمها بداية من 20 كانون الثاني/يناير ولمدة 10 أيام، أي بدءًا من اليوم.

كان النظام ولا يزال متخوفًا من تصدر عنان المشهد، خاصةً لو التفتت حوله المعارضة بكل أطيافها للتخلص من السيسي

يُذكر أن سامي عنان كان الرجل الثاني في المجلس العسكري المصري الذي أدار البلاد عقب الإطاحة بحسني مبارك بعد ثورة يناير. وقد شارك عنان في حرب الاستنزاف كما شارك في حرب 6 تشرين الأول/أكتوبر 1973، ضابطًا الدفاع الجوي، ثم تدرج في المناصب وصولًا لرئاسة أركان الجيش المصري منذ 2005 وحتى عزله في عهد مرسي في 2012.

 

اقرأ/ي أيضًا:

حصاد مصر في 2017.. قمعٌ وقتل ومنعٌ وحجب

نظام السيسي المتصدع