07-أغسطس-2016

طابور الخبز في مدينة القصير السورية (غوران توماسيفيتش/ رويترز)

ننتظر أيامنا تمر ونحن نراقبها. في جلسة أصدقاء لشرب البيرة تحدثنا عن السفر، لم أبادر للحديث عن أي شيء بل تجنبت وفضلت الاستماع. فرنسا، إيطاليا، التشيك، بريطانيا، هذه هي الدول التي مر عليها أصدقاؤنا يتفسحون ويكتشفون لغات وثقافات، بالإضافة إلى دولهم التي جاؤوا منها ونحن نحلم بفيزا إليها، آخرها كانت إسطنبول حيث كنا مجتمعين.

"أنا لم أكن إلا في سوريا، وجئت منها إلى إسطنبول مباشرة" هذه كانت عبارتي عندما نظر معظمهم إليّ ينتظرون مني أن أشير إلى أية دول قد سافرت ثم عزيت نفسي: "لكنني لم أترك مدينة سورية إلا وزرتها"، فلم ينبهر أحد لذلك فهذا هو الطبيعي بالنسبة لهم وهو بالفعل ليس كذلك، فقد زرت كثيرها وليس كلها.

لماذا لم نكن نسافر؟ لم أفكر كثيرًا بهذا السؤال حينها على الأقل، لكنني لاحقًا فكرتُ كثيرًا إلى درجة أنني أكتب الآن لماذا؟ الفقر؟ ربما! فدخل موظف عادي بسيط مثل أبي، لا يكمل الشهر أحيانًا كثيرة رغم أنه كان طبيبًا، ومن المفترض أن الطبيب في ذهن أي سوري، أو أي شرقي، هو ذلك الرجل الذي يتقاضى مبالغ جيدة دون أي يكون لديه رأسمال. يرد الطبيب "رأسمالي أنني أضعت سنينًا من عمري وأنا أدرس". يفكر ذاك الموظف كيف يمكن أن يُطعم أطفاله لحمًا يوم غد، أو قطعة فواكه، يفكر في جيبه كم تحتوي من النقود ليشتري لأطفاله شيئًا ما إذا طلبوه على غفلة من طموحاته في توفيرها، فما بالك إذا ما سأله هذا الطفل: "بابا لماذا لا نملك سيارة مثل جيراننا".

صعوبة الإجابة ستخلق إجابة سهلة: "سنشتري يا بابا لكن علينا أن نوفر النقود حتى نشتري. كيف سنشتري؟ وأنت تطلب مني نقودًا كل يوم؟". سيتعلم هذا الطفل منذ نعومة أفكاره وعذوبة دموعه الصافية أن عليه أن يوفر من مصروفه اليومي في سبيل أن تمتلك أسرته سيارة مثل جيرانهم، كي يذهبوا إلى البحر كل صيف، سيتعلم هذا الطفل ماذا سيجيب أولاده عندما يسألونه شيئًا مثل هذا.

مساء سيندس، الموظف ذاته، إلى جانب زوجته في الفراش ليحبها ويغازلها، وسيتوقف فجأة متمنيًا أنه لم يتزوج يومًا سيصرخان في وجه بعضهما البعض، ستُلغى كل الخطط التي كانا يتمنيان أن يضعاها هذا الشهر لأنها طلبت منه نقودًا لأجل مصاريف ما هنا وهناك، سيبكي وهو يشرب كأسًا وسيندب حظه والقدر.

العاطفة؟ نعم نمتلك العاطفة، نحن أناس عاطفيون نحب بعضنا البعض حدّ الأذى. أحب جاري، سأدخل بيته في أي وقت وأقلق راحته، أحب ابني سأطعمه حتى لو لم يكن يشتهي أو يحب، سأزوجه الفتاة التي أراها مناسبة له، لأنني لم أحقق ذلك وأنا في عمره، سأختار له فرع دراسته والمدينة، سأختار له أصدقاءه وثيابه، وغرفة نومه، وطريقة نومه أيضًا.

غباء... إجرام... لأنني أحبه لن أسمح له أن يسكن هو وزوجته بعيدًا عني، رؤيته كل يوم أهم من راحته، وهو سيرى نفسه مذنبًا إن طالب بالانفصال، فالانفصاليون في الأعراف الشرقية عمومًا مذنبون، بل وخونة، فكيف لنا أن نسافر، فزيارة بيت أحد الأقرباء تحتاج التخطيط ليوم كامل، وبروتوكولات مؤتمرات دولية ومشاورات ماراثونية على شراء شيء نحمله لهم في أيدينا، ومناوشات على طريقة لبسنا.

حتى حين نضحك مساكين في فرحنا قبل حزننا.
نحن لا نعرف السفر، مساكين نحن!

اقرأ/ي أيضًا:

في قريتي... حلم يجاور الشمس

الخاصرة مسكن الفرسان