01-مارس-2019

مع كل انهمار للأمطار تغرق العاصمة الأردنية عمّان تحت المياه (رويترز)

ألترا صوت - فريق التحرير

في الوقت الذي يعتصم فيه عشرات الشباب الذين قدموا رُجّالًا من مدينة معان في الجنوب الأردني المقفر، ليقفوا بباب الديوان الملكي في وسط العاصمة الأردنية عمّان، مطالبين بحقهم في توفير الوظائف وتأمين سبل العيش الكريم؛ كانت أمطار "الخير" تنصبّ صبًا على رؤوسهم، ليتبين لهم أن المدينة التي جاؤوا يطلبوا حقهم منها، تكاد تغرق من تحتهم، بعد فترة قصيرة من انهمار الأمطار الغزيرة التي أدت إلى تشكّل السيول وبعض الانجرافات الطينية القادمة من التلال المحيطة بوسط المدينة، ولاسيما في شارع قريش الممتدّ من منطقة رأس العين حتى منطقة رغدان. 

تسببت السيول التي عرفتها العاصمة الأردنية أمس، في حالتي وفاة، وانهيارات في جدر استنادية، وتضرر لعشراء المحال والسيارات

وترك الشباب المعانيون مكان اعتصامهم ليمدوا اليد التي أتت لانتزاع حقوقها، كي يساعدوا الناس الذين دهمتهم المياه من حولهم في أماكن عملهم ومنازلهم ومركباتهم، في ظلّ غياب تامّ للكوادر الميدانية وفرق الطوارئ التابعة لأمانة العاصمة، باستثناء آلية واحدة جابت وسط العاصمة لانتشال ما سحبته المياه من صناديق وبضائع تجارية، وسحب المركبات التي علقت في وسط الطرقات بعد أن غمرتها المياه، بالتعاون مع غيرهم من المواطنين وأفراد الدفاع المدني ومرتبات إدارة السير والأمن العام.

اقرأ/ي أيضًا: موسم الشتاء في الأردن.. تداعٍ حر لمؤسسات الدولة

جاء هذا المشهد ظهيرة يوم الخميس 28 شباط/فبراير، بعد أيام من إطلاق الأردنيين حملة على مواقع التواصل الاجتماعي، تطالب بإقالة أمين عمّان يوسف الشواربة، الذي اتهموه بالتقصير في أداء مهامّه والانشغال بحفلات تكريم فنانين وفنانات بعشرات آلاف الدنانير.

وكان الشواربة قد كرّم الإعلامية اللبنانية أنابيلا هلال والكويتية حليمة بولند وغيرهما، في ظلّ ظروف اقتصادية خانقة تعاني منها البلاد، وتصاعد الأصوات التي تطالب بتغييرات جذرية للتخلص من حالة الترهّل والفساد والارتهان للديون والمعونات الخارجية.

هذا وجاءت الأمطار الغزيرة التي شهدتها البلاد منذ صبيحة يوم أمس، لتكشف من جديد عن الحالة المتردّية للبنية التحتية في البلاد، في العاصمة وغيرها من المحافظات، بل في أكثر المناطق حيويّة في العاصمة، وأحد أنشط مراكزها التجارية، وهي منطقة وسط البلد، السوق التاريخي والمركزي لمعظم ساكنة المدينة وأغلبيتها الفقيرة في الضواحي والأحياء الشرقية.

وكانت النتيجة غرق وتضرر عشرات المركبات ومئات المحال التجارية والمطاعم والمراكز الصحية والمستشفيات، إضافة إلى عدد من الانهيارات في جدر استنادية، وحالتي وفاة بسبب السيول؛ أحدهما لشخص داهمته المياه في شقته الأرضية في أحد أحياء العاصمة، وآخر غرق في إحدى السيول التي تشكلت بسبب الأمطار جنوب العاصمة.

ولم يصدر حتى الآن بيان حكومي رسمي يقف على حجم الأضرار والخسائر في الأرواح والممتلكات التي نجمت عن الأمطار الغزيرة في الأمس، في الوقت الذي يؤكد فيه رئيس غرفة تجارة عمّان، خليل الحاج توفيق، أن المياه التي داهمت المحال التجارية بمنطقة وسط العاصمة، ألحقت خسائر تقدر بملايين الدنانير، مطالبًا في تصريح صحفيّ بتشكيل لجنة تحقيق حكومية للوقوف على ما حدث ومحاسبة المقصرين وتعويض المتضررين.

#عمّان_تغرق.. إعلان وفاة المدينة!

"الكوارث بطّلت أسبوعية، وصارت يوميّة"، يقول الشاب علي حرارة لـ"ألترا صوت"، وهو صاحب "بسطة" لبيع الكعك في شارع الجاردنز بعمّان. وأشار حرارة إلى تكرار الحوادث التي يدفع ثمنها الأردنيون مرّتين: "مرة بسرقة أموال الضرائب التي يدفعونها وتذهب في غير مصارفها المتوقّعة، ومرّة حين يتحمّلون ضريبة الفساد التي تنال من أرواحهم ومصادر رزقهم".

أما في وسط البلد، ومن أحد أقدم المطاعم الشعبيّة، يقول أبو خالد، إن مصلحته قد تعطّلت: "رزقنا ورزق الشباب العاملين في هذا المطعم يوم بيوم"، وهي حال أغلب المحال والمصالح التجارية التي تعطّلت منذ الأمس.

أما على مواقع التواصل الاجتماعي، فأطلق المستخدمون الأردنيون هاشتاغ "#عمان_تغرق" لرصد أضرار السيول، وكذا للتعبير عن غضبهم وهم يرون المدينة تغرق أمام أعينهم، في الوقت الذي ينشغل فيه المسؤولين بحفلاتهم الفنية، وفي الوقت الذي تدعي فيه الإدارة السياسية أن إمكانات البلاد وبنيتها التحتية "المتينة"، تجعلها جاهزة لاستقبال الاستثمارات الأجنبية، وضمان نجاحها وازدهارها!

الكاتب الأردني الساخر أحمد حسن الزعبي، علّق على غياب أمانة العاصمة عن المشهد في الأمس، فقال في تغريدة لاذعة على تويتر، إن "مؤسسات الدولة يقودها أشباه رجال"

أما الناشط الأردني الشاب محمد الزواهرة، فقد ذكّر أنّ "الفساد في البلاد يتجلى بكافة الصور والحالات"، معللًا ما يحدث بالفساد المالي والإداري وسياسة التنفيعات في العطاءات الحكومية، ومؤكّدًا أن "الطريق الوحيدة الميسّرة في هذه البلاد هي طريق الفساد وسوء الإدارة".

بينما طالب آخرون بفتح تحقيق فوري لكشف أسماء المقاولين الذين تولوا عطاءات البنية التحتية خلال السنوات العشر الماضية، وكشف الحقائق للمواطنين لمعرفة أسباب ما حدث، خاصة مع تكرار هذه الحوادث مع كل انهمار مطريّ.

أطلق الأردنيون هاشتاغ #عمّان_تغرق ليعبروا فيه عن غضبهم من غرق مدينتهم دون أن يكون للحكومة دور في الإنقاذ أو حل المشكلة جذريًا

وتناقل مواطنون صورًا ومقاطع فيديو للسيول والانغلاقات التي حدثت بالأمس، والتي وصلت إلى المستشفيات العامة الرئيسية، ومن بينها مدينة الحسين الطبية، والمعالم الأثرية مثل المدرج الروماني، أحد أهمّ المعالم الأثرية التاريخية في وسط العاصمة، والذي تحوّل مسرحه إلى بركة طينية كبيرة، والعديد من المنشآت الحيوية في مناطق مختلفة في الأردن.

 

 

 

اقرأ/ي أيضًا:

الأردن في المؤشر العربي.. تدهور الاقتصاد يفسر كل شيء

النكتة السياسية في الأردن.. ملاذٌ للغلبانين