أطلقت الفصائل التابعة للمعارضة السورية المسلحة في شمال غربي سوريا عمليةً عسكرية جديدة ضد قوات النظام السوري سمّتها "عملية ردع العدوان"، الهدف منها حسب الفصائل المسلحة توجيه ضربة استباقية لمواقع النظام، وبعد مضي ساعات على العملية أعلنت فصائل المعارضة سيطرتها على عدة بلدات ومواقع عسكرية في ريف حلب الغربي.
أهداف التصعيد ودوافعه:
أدلى حسن عبد الغني الناطق باسم غرفة عمليات الفتح المبين، التي تضم عدة فصائل معارضة بينها هيئة تحرير الشام والجبهة الوطنية للتحرير، بتصريحات إعلامية بالتزامن مع العملية العسكرية، قال فيها إنّ هذا التحرك يهدف بدرجة أولى "إلى كسر مخططات العدو عبر توجيه ضربة استباقية مدروسة لمواقع مليشياته"، مضيفًا القول "إن الحشود العسكرية للنظام تهدد أمن المناطق المحررة، وواجب الفصائل الدفاع عن المدنيين في وجه هذا الخطر الوشيك الذي يستهدف وجودهم وأمانهم".
كما اعتبر عبد الغني أنّ "الدفاع عن المدنيين في المناطق المحررة ليس خيارًا بل هو واجب، وهدفهم الثابت هو إعادة المهجرين إلى ديارهم، ولن ندخر جهدا لتحقيق هذا الهدف". وفق تعبيره.
وكانت مناطق ريف حلب الغربي قد شهدت منذ فجر أمس الأربعاء "اشتباكات وقصفًا عنيفًا متبادلًا بين قوات النظام والمليشيات الإيرانية من جهة، وفصائل الفتح المبين من جهة أخرى، حيث تصعد قوات النظام قصفها للمناطق المدنية".
على الصعيد السياسي، ليس مستبعدًا أن يكون التصعيد الحالي مرتبطًا بفشل اجتماعات أستانة الأخيرة وإخفاق أنقرة في التقارب مع النظام السوري، حيث اتهم وزير الخارجية التركي هكان فيدان مطلع الأسبوع النظام السوري بأنه غير مهتم بالتوصل لحل سياسي، وذلك بالتزامن مع لقاء المبعوث الأممي إلى سوريا وزير خارجية النظام لاستئناف اجتماعات اللجنة الدستورية.
جهّزت المعارضة السورية المسلحة نفسها لمواجهة قوات النظام في مناطق خفض التصعيد
وبحسب مصادر محلية في المنطقة فإنّ الفصائل في غرفة عمليات الفتح المبين "رصدت تحركات كبيرة لقوات النظام خلال اليومين الماضيين على محاور ريف حلب الغربي، الأمر الذي استدعى منها رفع الجاهزية، بالتوازي مع تصعيد النظام قصفه المدفعي والصاروخي على بلدات ومدن الأتارب ودارة عزة وبلدات ريف حلب الغربي بشكل عام".
وأفاد شهود عيان أن اشتباكات عنيفة دارت بين فصائل المعارضة المسلحة وقوات النظام "على محاور الشيخ عقيل والفوج 46 منذ فجر يوم الأربعاء، وسط قصف أرضي عنيف"، كما أفادت ذات المصادر بوجود "تحليقٍ للطيران الحربي الروسي في الأجواء، لرصد أي تحركات وضربها عبر غارات جوية".
يشار إلى أن تصعيد العمليات العسكرية أدّى منذ يوم الثلاثاء إلى موجة نزوح كبيرة "لمئات العائلات بريف حلب الغربي باتجاه منطقة عفرين وشمالي إدلب، في ظل أوضاع إنسانية صعبة يواجهها النازحون وسط أجواء البرد والأمطار".
فصائل المعارضة تستعيد مناطق من قوات النظام:
أفاد بيانٌ صادر عن إدارة العمليات العسكرية لمعركة ردع العدوان أنّ قوات المعارضة المسلحة "سيطرت على الفوج 46، أكبر المواقع العسكرية لقوات النظام غرب حلب"، وبحسب البيان ذاته تمكنت الفصائل المسلحة أيضًا من السيطرة "على 17 قرية وبلدة غربي حلب، ومن بينها قبتان الجبل وعنجارة وأورم الصغرى والشيخ عقيل وكفربسين".
كما أضاف بيان إدارة العمليات العسكرية أن قواتها "استولت على آليات وذخائر وأسلحة ثقيلة وقتلت أكثر من 40 عنصرًا للنظام والمجموعات العسكرية الموالية له".
وأردف البيان أنّ فصائل المعارضة "أسرت 6 من عناصر النظام واستولت على 5 دبابات ومدرعة ومستودع صواريخ".
وذكرت مصادر سورية أنّ حصيلة القتلى من الطرفين بلغت 100 قتيل على الأقل.
لماذا فصائل المعارضة أكثر تحفّزًا للمواجهة:
تأهّبت فصائل المعارضة منتصف شهر تشرين الأول/أكتوبر الماضي لفتح جبهة قتال جديدة ضدّ قوات النظام السوري في مناطق لم تشهد أي مواجهات منذ 2019، والمناطق المقصودة هي المناطق المعروفة بـ"منطقة خفض التصعيد"، حيث دفع الطرفان بتعزيزات عسكرية إلى حلب. وربط المتابعون بين خطوة الفصائل المعارضة وانشغال حلفاء النظام، وعلى رأسهم إيران وحزب الله في المعركة مع إسرائيل، أمّا الحليف الروسي فهو منذ فترة منشغل بالحرب في أوكرانيا.
وتمثّل هذه التطورات مجتمعةً، حسب البعض، فرصةً ذهبية للمعارضة السورية في حلب لاستعادة المناطق التي خسرتها عام 2019 شمال وغربي محافظة حماة وريف إدلب الجنوبي والشرقي والجزء الشمالي من محافظة اللاذقية، إضافةً إلى أجزاء واسعة من محافظة حلب شمال غربي سوريا، إذ تمكن النظام السوري حينها، مدعومًا بمليشيات إيرانية وبإسنادٍ جوي روسي، من السيطرة على تلك المنطقة، وترافق ذلك مع تراجع القوات التركية من قواعدها التي أنشأتها في تلك المناطق، باتفاق أستانة مع الجانب الروسي والإيراني.
وفي التفاصيل تحدّثت مصادر عسكرية من هيئة تحرير الشام وما يسمى "الجيش الوطني السوري"، عن اقتراب موعد ما أسمتها "ساعة الصفر"، مؤكدةً أن التجهيزات الخاصة بالمعركة في شمال غربي سوريا قد بدأت منذ أيام في كلٍّ من أرياف إدلب الجنوبية، وغربي حلب.
ونقلت مصادر سورية أنّ فصائل المعارضة المسلحة وفي مقدمتها هيئة تحرير الشام ـ التي تعد أكبر الفصائل في غرفة عمليات (الفتح المبين)، التي ستشرف على إدارة العملية العسكرية المرتقبة" ـ دفعت بأعداد ضخمة من التعزيزات العسكرية ذات التصنيف الهجومي مثل "الدبابات والمدافع الثقيلة وراجمات الصواريخ" وقوات بشرية من النخبة، إلى خطوط التماس مع قوات النظام السوري.
أخفقت أنقرة في مساعيها للتقارب مع النظام السوري
وتفيد المصادر أنّ قوات النظام متيقظة لتحركات فصائل المعارضة المسلحة في منطقة خفض التصعيد، وعززت هي الأخرى من قواتها هناك، عبر القيام بنقل أعداد كبيرة من الآليات الثقيلة والمقاتلين لتعزيز مواقعه العسكرية على خطوط التماس شمالاً، تحسّبًا لأي هجوم برّي محتمل من فصائل المعارضة.
ومع ذلك فإنّ التحليلات العسكرية تعتبر أنّ جيش النظام في موقف ضعف نتيجة افتقاده إسناد المليشيات الإيرانية والشيعية التي أعادت تموضعها ضمن مواقع عسكرية متخفية وبعيدة عن خطوط التماس والمناطق المكشوفة في محافظة حلب وريف إدلب، خشية استهدافها بالغارات الجوية الإسرائيلية والتحالف الدولي، وبالتالي فهذه القوات غير قادرة على المشاركة مع قوات النظام السوري في صد أي عملية برية للمعارضة، خشية انكشافها أمام القوات الإسرائيلية والأميركية على حدّ تفسيرات بعض المتابعين.
لكنّ اندلاع أعمالٍ قتالية في "منطقة خفض التصعيد" محفوف بعدة تحديات تتعلّق بالدرجة الأولى بالدول الضامنة، وهي تركيا وروسيا اللتان تقومان بمهام المراقبة العسكرية في مناطق خفض التصعيد، وعبّرت الدولتان أكثر من مرة عن مواقف معارضة لأي تصعيد عسكري هناك، ما حافظ على الهدوء في منطقة خفض التصعيد لمدة تزيد على 3 أعوام منذ 2019. فهل تراجعت الأطراف الضامنة عن مواقفها؟ أم إن فصائل المعارضة المسلحة ضربت عرض الحائط بتلك المواقف وفضّلت استغلال اللحظة الاستراتيجية في ظل انشغال حلفاء النظام بأنفسهم؟
ويشار في هذا الصدد إلى التصريحات التي أدلى بها القيادي في فصيل "جيش العزة" المعارض مصطفى بكور، التي قال فيها إنّ: "الفصائل الثورية تعرضت لضغوطٍ كبيرة من الحاضنة الشعبية للثورة خلال العام الأخير، من أجل تخفيف معاناة المهجّرين، وذلك عن طريق تحرير الأراضي المحتلة من الروس والإيرانيين وقوات الأسد، لضمان عودة آمنة وكريمة لهم".
وأضاف بكور: "استجابةً لرغبة الحاضنة الشعبية، وفي محاولة لاستغلال المستجدات على الساحة المحلية والإقليمية، بعد انشغال المليشيات الإيرانية وحزب الله، تقوم الفصائل الثورية بالإعداد لمعركة تحرير على أكثر من محور".
وأكد بكور "وجود تدريباتٍ مكثفة واستطلاع، وتحضير للعتاد، ونقل للقوات لمناطق الدخول البري، بانتظار الفرصة المناسبة لبدء الهجوم، وهذا أمر طبيعي في ظل وجود الاحتلال الأجنبي وعملائه المحليين، وحقيقة وجود ملايين المهجّرين في الخارج".
كما أكد بكور أن هدف فصائل المعارضة السورية المسلحة كان وما يزال: "إسقاط عصابة الأسد، ما يمثل المهمة الأولى للفصائل الثورية، والمطلب الرئيسي للحاضنة الشعبية، بالتالي فإن أي فصيل لا يضع إمكاناته المادية والبشرية في مصلحة معركة التحرير، فلا يمكن القول عنه إنه فصيل ثوري"، وفق تعبيره.
وعن الأهداف الأخرى من المعركة المحتملة، قال بكور: "الهدف الرئيسي للمعركة هو توسيع مناطق سيطرة الفصائل الثورية، لضمان عودة أكبر عدد من المهجّرين، وتضييق الخناق على الأسد، ومنعه من الاستمرار بعملية التغيير الديمغرافي من خلال إنشاء مستوطناتٍ للمليشيات الإيرانية وحزب الله في المناطق التي تم تهجير أهلها منها"، وفق قوله.
وفي حال تمكنت فصائل المعارضة من استعادة حلب قد تتغير المعادلات على الأرض بشكل كبير، فحلب تعدّ عاصمة سوريا الاقتصادية، وتخطط فصائل المعارضة لاستعادتها، حسب مصادر مختلفة، "من خلال الزحف عبر محافظة إدلب وجنوب حلب، نحو الطريق الدولي (M5) الذي يربط محافظة حلب بالعاصمة السورية دمشق، وقطعه، بالتالي ستصبح مدينة حلب العاصمة الاقتصادية في سوريا في عداد المحاصرة".
المواقف الدولية
وبالنسبة للمواقف الدولية من التصعيد العسكري المتوقع اكتفى بكور بالحديث عن "الموقف الأميركي"، قائلًا: "إن البيت الأبيض مؤيد دائمًا لقيام الفصائل الثورية باستهداف المليشيات الإيرانية وحزب الله في سوريا بشكل خاص".
أمّا الدول الضامنة فما تزال، حسب المصادر، على موقفها المعارض للتصعيد العسكري في مناطق خفض التصعيد.
حيث قال مصدر عسكري في "الجيش الوطني السوري" إن موقف أنقرة "إزاء التحضيرات القتالية الجارية للمعارضة شمال غربي سوريا رافض للتصعيد".
مضيفًا القول إنّ "تركيا كدولةٍ ضامنة لمنطقة عدم التصعيد، لا ترغب في أي عملية عسكرية لفصائل المعارضة السورية ضد قوات النظام السوري وحلفائه، واضعةً في أولوياتها المحافظة على آخر بقعة جغرافية تمتلكها المعارضة، وعدم إحداث أي تطورات عسكرية وأمنية قد تحدث موجة لجوء جديدة للسكان في المنطقة"، مشيرًا إلى أنّ "المناطق التي تسيطر عليها المعارضة وتركيا، فيها ما يقارب 4 ملايين سوري، وتخشى أنقرة أن أي تطور عسكري قد يدفعهم باتجاه الحدود السورية التركية" وفق قوله.
وأضاف المصدر العسكري أن "الجانب التركي أبلغ جميع الفصائل العسكرية الموالية، وأبرزها الجيش الوطني السوري، رفع حالة الاستنفار والجاهزية لأي تطور محتمل في المنطقة، مع إرسالها رسائل شفهية ومباشرة إلى (هيئة تحرير الشام)، بأنه يرفض المشاركة في التصعيد المحتمل".