04-أغسطس-2015

عمر محفوظي في محترفه

حتى يشكّل رؤيته الأخيرة، احتاج الفنان المغربي عمر محفوظي (1981) إلى شجاعة وأدوات جديدة ليحطم عدة حواجز من حوله. يقول لـ"الترا صوت": "كنتُ محاصراً بكل ما هو مغربي، لكنني بعدما عرفت الفن الكلاسيكي، وتجربة فن القرن العشرين، وما بعد الإمبريالية والفاشية، قررتُ أن أخرج عما هو محلي إلى قيم إنسانية أكثر حرية، شارك الجميع في بنائها". 

هكذا قام بإعادة النظر في ذاته الشرقية، متكئاً على الصوفية والشعر: "الأمر كان مواجهة مع ذاتي، ومع التابوهات الجامدة التي حملتها منذ الصغر. حاولت أن أعالجها بطريقتي الخاصة. ورغم تأرجحي إلا أنني أردت إقناع نفسي في النهاية. كان الأمر عبارة امتحاناً مقلقاً". ثم يضيف: "استعملت أدواتٍ أجنبيةً للحديث عن مسائل محلية، أعالجها من الداخل ولا أعتبر ذلك خيانة". 

كل ما يفعله التعليم هو أن يخرجنا أساتذة يعملون عند الدولة

بعد الثانوية العامة، "البكالوريا"، رفض محفوظي أي انخراط في التعليم الأكاديمي، بسبب القيود والتوجهات الضعيفة التي تقولب الطلبة، يقول: "كل ما يفعله التعليم هو أن يخرجنا أساتذة يعملون عند الدولة، وأنا أرفض ذلك. قررت فتح ورشتي الخاصة في طنجة، واستقليت تماماً عن أهلي، ابتعدت عن سلطة البيت، وبذلك واجهت المجتمع، الأسرة، التابوهات، المقدسات".
 
أول معارضه كان بعنوان "الوعود"، وقد كان بمشاركة أصدقائه من المدرسة في سن الثامنة عشرة، يقول: "بالغنا بالصباغة التعبيرية الألمانية، وكنا متأثرين ببيكاسو. فترتها لم نكن نعرف ما هو الفن المعاصر ولا الفيجول آرت، بالأحرى لم تكن لدينا ثقافة فنية، ولكن بنفس الوقت كان يعجبنا فرانسيس بيكون، والصباغة الاستشراقية". ثم يكمل: "عرضنا لوحات تعبر عن تخوفات جنسية عند الرجل والمرأة. الضبابية الجنسية حكمت أعمالنا. لا يعرف المتلقي إذا كانت اللوحة لرجل أو امرأة. رسوماتي بالذات كانت بدون أي انتماء". 

تحت عنوان "سُعار" قدم محفوظي أول معارضه في طنجة، في جاليري "دار الفن". يقول عن تجربته: "جاءت بعد مضيّ وقت طويل. كانت راشدة نوعاً ما. اشتغلت على الجانب الحيواني للإنسان على شكل بورتريهات. عناصر هذا المشروع غير مرتبطة ببعضها البعض، مثل الكون المتحرك والفاني المحكوم بالدمار. هكذا نأتي للحياة ثم نمرّ بالدمار، ثم الفناء الذي لا مفر منه ولكننا نهادنه بالإيمان". ويستطرد: "هذا الإيمان الذي ينتظر منه الناس جائزة في النهاية، ولكن هذا خدعة. خدعة صريحة تقوم بها الدولة أيضاً في سبيل تعزيز قوتها عبر استغلال الناس بالروحانيات. هذا النوع من الفناء تنقصه المواجهة الشخصية".

الفنان هو من يقف إلى جانب الإنسانية وحريته الفنية الخاصة

الفنان، بالنسبة له، هو من يقف جانب الإنسانية وحريته الفنية الخاصة. وفي نوع من الرفض للغباء البشري والفني المرتبط بالقبح، اعتمد محفوظي الصباغة و"الفيديو آرت" في مشروعه "الربيع المحروق". أساس هذا المشروع صور إعلامية لشباب يحرقون صور الدكتاتوريين، بما يبرز تفاعل الفنان مع قضاياه المحلية، من دون أن يركن إلى الصورة الإعلامية بهدف إنتاج معنى جديد على حدّ قوله. "كنت متفائلاً بالثورات، ولكنها استغلت بطريقة متطرفة" يعلّق.

في عمله الأخير "عمر محفوظي 1981"، يشتغل الفنان على ذاكرة العائلة، وعلى المتخيل الجماعي لأهل طنجة من خلال "الفاترينا" وألبوم صور قديم له مع عائلته. وضع كتباً دينية مذهّبة، وتلفازاً بالأبيض والأسود، وشرائط فيديو تبث أفلاماً أو قضايا عربية، وصوراً لأشخاص بوجوه مخربش عليها بقلم أسود، في إشارة إلى قطيعته مع ماضيه، وتمرده على النمطية في الأفكار والأسلوب، وبحثه عن كينونة جديدة لنفسه.

إلى جانب "الفاترينا"، صف الفنان مجموعة من الكراسي "الملكية" على شكل هرم، لكن كرسياً واحداً منها كان خارج السرب. يقول محفوظي: "انطلقت من العالم الداخلي، من منزلي، لكي أقارب بينها وبين فكرة البرتوكول والسلطة بطريقة غير مباشرة. البرتوكول هو من يضيف الصفة السلطوية للفرد كما يبدو جلياً في لوحة الملك".

عمر محفوظي2/ المغرب
من أعمال محفوظي

هذا الخليط أضاف إليه استعراضاً سمعياً مستغلاً النشيد الوطني، ولكن عبر إعادة غنائه بالقُبلة على يد الملك، معتمداً في هذه التقنية على صور تلفازية. عرض العمل في باريس وينتظر محفوظي أن يعرضه في مراكش في حال تحملت صالة العرض المسؤولية معه. لكن ربما سيقع مشروع "عمر محفوظي 1981" تحت بند المنع.

كذلك يعمل محفوظي على مشروع يهتم بقبح وبشاعة "داعش"، وسيستخدم فيه الصباغة فقط كي يعالج الصورة المتطرفة التي تتناقلها وسائل الإعلام إلى المواطن العربي. ترتبط فكرة "داعش" عنده بفكرة الفناء التي تحدث عنها سابقاً، والتي تربط بدورها بالإيمان، الجائزة النهائية كما يمسيها، وبالتطرف من ناحية ثانية. 

وفي مبادرة فنية شخصية، يعمل محفوظي على العناية بمشروع الإقامة الفنية "بوردر" في طنجة. فضاء يوفر الأدوات والمساحة الكافية للفنانين لينجزوا مشاريعهم الخاصة، ويفتح أفق التعارف وتبادل الثقافات فيما بينهم. بالأساس، هذه المبادرة جاءت احتجاجاً ضد "النيوكلويانيست" الفرنسية الثقافية التي تدير معظم المبادرات الثقافية في طنجة وخارجها.