31-أغسطس-2022
قربت حرب أوكرانيا من العلاقة بين روسيا وكوريا الشمالية (Getty)

قربت حرب أوكرانيا من العلاقة بين روسيا وكوريا الشمالية (Getty)

تتقاسم روسيا مع كوريا الشمالية العديد من المواقف. وفيما يخص الحرب في أوكرانيا تتبنى الأخيرة الموقف الروسي، فمنذ اللحظات الأولى للغزو، أعلنت دعمها المطلق لموسكو. لكن يبقى السؤال، ماذا يستفيد كيم جونغ أون من تحالفه مع فلاديمير بوتين؟

أتاحت الأحداث الأخيرة شرقي أوروبا الفرصة لكوريا الشمالية لتعزيز علاقاتها مع روسيا، فأصبحت من أبرز مؤيديها العلنيين

كما يشير تقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال"، فقد أتاحت الأحداث الأخيرة شرقي أوروبا الفرصة لكوريا الشمالية لتعزيز علاقاتها مع روسيا، فأصبحت من أبرز مؤيديها العلنيين. لكن الأسباب وراء ذلك ترتبط بتعقيدات عديدة إقليمية ودولية، وبطبيعة النظامين المثيرين للجدل.

كما توضح "وول ستريت جورنال"، فإن كوريا الشمالية تهدف إلى الحصول على فرص عمل عن طريق إرسال عمال كوريين إلى المناطق التي تسيطر عليها روسيا في إقليمي دونيتسك ولوغانسك شرقي أوكرانيا، لتزويد نظام كيم جونغ أون  بمصدر دخل  خارجي من وراء العمالة الكورية، يحتاجه بشدة. وتقع المنطقتان الانفصاليتان في شرق أوكرانيا وتمثلان معًا إقليم دونباس، وهو إقليم يتحدث أغلب سكانه اللغة الروسية، كما يعيش في الإقليم مواطنون روس، وكان الرئيس بوتين قد أعلن اعتراف موسكو باستقلالهما في 21 شباط/فبراير الماضي، أي قبل ثلاثة أيام من بدء الحرب.

وكانت كوريا الشمالية واحدة من خمس دول فقط صوتت ضد قرار الجمعية العامة  للأمم المتحدة في آذار/ مارس الماضي، والذي يطالب من روسيا بإنهاء حربها على أوكرانيا، وألقت بيونغ يانغ باللوم على "سياسة الهيمنة للولايات المتحدة، وحلفائها باعتبارها السبب الجذري لذلك"، وفي تموز/يوليو الماضي أصبحت كوريا الشمالية من الدول القليلة التي تعترف رسميًا بجمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الانفصاليتين كجمهوريتين مستقلتين، وهي الخطوة التي دفعت كييف إلى قطع علاقتها الدبلوماسية مع بيونغ يانغ.

ونظرًا لاستغلال اليد العاملة الكورية الشمالية من قبل نظام بيونغ يان، فقد حددت الأمم المتحدة عام 2019 موعدًا نهائيًا لمنع العمال الكوريين الشماليين من العمل في الخارج، ما أدى إلى قطع مصدر رئيسي للدخل الخارجي لنظام بيونغ يانغ. حيث كان النظام يوظف الآلاف من العمال الكوريين الشمالين في الخارج. وتواجد في روسيا  30 ألف عامل كوري شمالي، حيث تعتبر واحدة من أكبر الدول المضيفة لهم قبل حملة المنع. ومثّل العمال الكوريون الشماليون عامل جذب لأن أجورهم كانت زهيدة، وبحسب أجور العمالة في روسيا كان الكوريون الشماليون يتقاضون أجورًا تقل بنسبة 30% إلى 50% عن المهاجرين الآخرين الذين يأتون عادة من أوزبكستان وقيرغيزستان إلى روسيا.

وفي مقابلة لسفير روسيا لدى كوريا الشمالية ألكسندر ماتسيغورا مع صحيفة "Izvestia" الروسية قبل فترة، قال إن "العمال الكوريين الشماليين يمكن أن يساعدوا في ترميم المنشآت في دونيتسك التي تضررت من القتال في الصراع الأوكراني"، وأشار ماتسيغورا إلى أن "الكوريين الشماليين مهتمون بشراء قطع الغيار المُصنّعة في المنطقة، وإعادة بناء مرافق إنتاج خاصة بهم". ولم يخض السفير الروسي في المزيد من التفاصيل، لاحتمال أن تشكل تلك المعاملات المحتملة وأخرى، انتهاكًا لعقوبات الأمم المتحدة المفروضة على كوريا الشمالية بحسب ما لفتت الصحيفة.

يقول رئيس قسم أمن منطقة آسيا والمحيط الهادئ في مركز أبحاث "Hudson " في واشنطن باتريك كرونين  لصحيفة "وول ستريت جورنال"، إنه "بالنسبة لكوريا الشمالية فإن دعم بوتين يفتح الباب أمام المزيد من عمليات التهرب من العقوبات المهمة، بالإضافة للتعاون التكنولوجي الحساس". وفي هذا الإطار علّق أستاذ العلاقات الدولية في جامعة الشرق الأقصى الفيدرالية الروسية أرتيوم  لوكين بأنه "ليس لدى بيونغ يانغ ما تخسره بالانحياز إلى موسكو، وليس لديها ما تخسره بإغضاب واشنطن لأن المحادثات متوقفة على أية حال".

التحالف الوثيق بين كوريا الشمالية وموسكو يمتد إلى أعلى المستويات، ففي وقت سابق من هذا الشهر تبادل قادة الدولتين الرسائل وفقًا لوسائل إعلام حكومية في بيونغ يانغ. وقد أشار كيم يونغ أون إلى أن العلاقات الثنائية وصلت إلى مستوى جديد "على الجبهة المشتركة لإحباط التهديد العسكري والاستفزاز للقوات المعادية"، وهي عبارة تُستخدَم غالبًا لوصف الولايات المتحدة وحلفائها، في حين أعرب بوتين عن رغبته في توسيع العلاقات بين البلدين. وقد عرضت إدارة بايدن الاجتماع مع القيادة في كوريا الشمالية في أي وقت تحدده، لكن بيونغ يانغ تجاهلت واشنطن، ولم يُجرِ البلدان أي محادثات رسمية منذ ما يقرب من 3 سنوات.

تقول الصحيفة، إنه بعد انتشار "كوفيد-19" كانت كوريا الشمالية من أوائل الدول التي أغلقت حدودها مع  الصين المجاورة، وفي بداية هذا العام استأنفت بعض الأنشطة التجارية عبر الحدود، قبل أن يدفع تفشي الوباء من جديد الدولة الفقيرة إلى الإغلاق مرة أخرى، وبداية هذا الشهر أعلن كيم جونغ ايل انتصاره على الوباء، وتعهد بتخفيف التدابير الوقائية من المستويات القصوى. في هذا السياق، يشير أنتوني رينا وهو المتخصص في العلاقات بين روسيا وكوريا الشمالية في مجموعة الأبحاث Sino-NK، إنه بـ"مجرد استئناف التجارة عبر الحدود، يمكن لموسكو أن تزوّد كوريا الشمالية بشكل غير قانوني، بالفحم أو تصدير سلع فاخرة محظورة".

والتقى الرئيس الروسي بالزعيم الكوري الشمالي شخصيًا مرة واحدة في عام 2019، بعد بضعة أشهر فقط من فشله في التوصل لصفقة نووية مع الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في قمة بفيتنام. وخلال مؤتمر الأمن العاشر الذي عُقِد مؤخرًا في موسكو، تعهد الرئيس بوتين  بـ"تعزيز القوات المسلحة الوطنية، والهياكل الأمنية الأخرى باستمرار، من خلال تزويد حلفائها بأسلحة ومعدات عسكرية متطورة"، وعلى الرغم من أنه لم يذكر كوريا الشمالية بالاسم.

يذكر أن الاتحاد السوفياتي السابق كان  قد ساعد كوريا الشمالية في بناء مفاعل في يونغبيون، الذي أصبح المنشأة النووية الرئيسية في البلاد، وفي التسعينات زود العلماء الروس كوريا الشمالية بتقنيات الوقود، التي ساعدت برنامج تطوير الصواريخ في بيونغ يانغ. ووفقًا لتقرير صدر عام 2017 عن المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، وهو مركز أبحاث مقره لندن، "يعتمد المحرك الذي يعمل بالوقود السائل المُستخدَم في إطلاق الصواريخ متوسطة المدى والعابرة للقارات على التكنولوجيا التي طورها الاتحاد السوفييتي".

وتلفت "وول ستريت جورنال" إلى أنه في الفترة الأخيرة كان السلاح التكتيكي الجديد المُوجّه الذي كشفت عنه كوريا الشمالية في عام 2019 يشبه إلى حد كبير تصميمًا روسيًا، ويقول خبراء أمنيون إنه في "الوقت الذي تسعى فيه كوريا الشمالية إلى تطوير تكنولوجيا أسلحة جديدة وتطوير صواريخها التي تفوق سرعة الصوت، والصواريخ التي تُطلَق من الغواصات، يمكن لروسيا أن تلتف على العقوبات، وتزودها بمكونات رئيسية أو تكنولوجيا محركات متقدمة".

الاتحاد السوفياتي السابق كان  قد ساعد كوريا الشمالية في بناء مفاعل في يونغبيون، الذي أصبح المنشأة النووية الرئيسية في البلاد

وهو ما تذهب إليه الباحثة في معهد بروكينغز بواشنطن باتريشيا كيم قائلة: "ترى بيونغ يانغ وموسكو أوجه تشابه واضحة في مواقف كل منهما، وتتشاركان في قضية معارضة العقوبات والنظام الغربي الذي تقوده الولايات المتحدة، وهذا التضامن المتزايد سيؤدي إلى تفاقم المنافسة بين القوى العظمى في المنطقة".