01-يوليو-2016

النحات علي يماني

تشغل موضوعة الانعتاق لوحات ومنحوتات الجزائري علي يماني، حتى بات سؤال التحرر هاجسَها الأثير، وتحول إلى أفق فلسفي للتجربة، بما يجعل المتلقي في مواجهة قيوده المختلفة، فيستسلم للأسئلة الوجودية التي من شأنها أن تذيب لديه جليد التحفظات والتخوفات والتردد. 

لا يهتم يماني بسؤال المنطلق: "من أين جئت؟"، بل بسؤال الأفق: "إلى أين أنا ذاهب؟"

لا يهتم يماني بسؤال المنطلق: "من أين جئت؟"، بل بسؤال الأفق: "إلى أين أنا ذاهب؟"، وهو سؤال أكثر وظيفية وتحريضًا على التمسك بخيار الحرية. "الحرية مثل التفاحة، من تضييع الوقت والمتعة، وهي بين يديك، أن تبحث عن الشجرة التي انحدرتْ منها، وتنسى كيف تقضمها بالطريقة التي تمنحك الإحساس بالمتعة والقوة".

اقرأ/ي أيضًا: لبنان.. لا سينما بوجود الرقيب

ولادته عام 1989 الذي فصل فيه الشارع الجزائري في ضرورة الانفتاح السياسي والثقافي والاقتصادي، ومآل ذلك الانفتاح المغشوش من طرف النظام الحاكم إلى العنف والإرهاب، بكل ما ترتب عنه من تمزيق للأجساد والأرواح والأمكنة، برمجته وجيلَه على السؤال نفسه الذي شغل جيل ثورة التحرير في خمسينيات القرن العشرين، سؤال الحرية والانعتاق، ولكن من منظور مختلف. "هم شُغلوا بتحرير المكان من التبعية لاحتلال أراد طمس ملامح هويته، ونحن شغلنا بتحرير الإنسان، من الخضوع لشعارات مغشوشة تتعلق بالوطن والوطنية، كان حاملوها أولَ من خانها في الميدان".

 

يرى يماني أنه على الفن التشكيلي في الجزائر أن ينخرط في توريط الإنسان الجزائري في مراجعة مفاهيمه المغلوطة عن الحياة نفسها، فهو شغوف بشكل مرضي بالموت والموتى، ويقدس كل ما يتعلق بهما، مما حرمه من الانتباه إلى الجمال المبثوث في يومياته ومحيطه وبات يعمل للآخرة أكثر من عمله لدنياه. "المنظومات السائدة تعادي الجمال وتنتصر للتشوهات، حتى بات ذلك الانتصار للرداءة شرطًا من شروط أن يتمكن المواطن من منصب أو مكسب أو حاجة، وظل حصار الموهبة في كل الميادين معطى متفقًا عليه من طرف كل الشرائح، وهذا أخطر ما يمكن أن يقع فيه شعب من الشعوب".

يفهم علي يماني الفن ويمارسه بما هو مضاعفة لجرعة الإحساس بالجمال في الحياة

اقرأ/ي أيضًا: ميريل ستريب: أنا لست دومًا سعيدة

لا يفهم صاحب لوحة "فكّرْ في اللا مفكر فيه" الالتزامَ الفنيَّ من منظور سياسي أو أخلاقي، فالفن عنده منظومة قائمة في حد ذاتها، ولكن يفهمه ويمارسه بما هو مضاعفة لجرعة الإحساس بالجمال في الحياة. "حين رسمت لوحة الفتى الذي يشرب الماء، انطلقت من بديهية بسيطة جدًا هي أننا لا نستطيع أن نصل إلى مقام المطالبة بالحق السياسي المهضوم ونحن لا نستمتع بلحظة شرب الماء. علينا أن نسترجع علاقتنا العميقة مع الوردة والقطرة والعصفورة والنسمة والنغمة، ففي ذلك استرجاع لعلاقتنا بإنسانيتنا التي يُراد تعليبها".

إلى جانب هواجس الاستمتاع بالحياة والاستثمار في جموح الشباب وخدش سلطة الموت والصراع مع الذات المستكينة، وهي كلها عناوين للوحات عرضها في محافل مختلفة، يراهن يماني على الاستثمار في جماليات السفر معايشة ورسمًا، والانطلاق منه في تجديد الروح المبدعة. "لا أملك عنوانًا معينًا ولا أسعى إلى امتلاكه، لأنني حين أستلم رسالة تصلني إلى عنوان محدد، أحسن بأنني أشبه الميت الذي يملك قبرًا".

زرناه في مدرسة الفنون الجميلة بمدينة تلمسان، 700 كيلومتر غربًا، فوجدناه عاكفًا على إنجاز المنحوتة التي سيقدمها في سياق تخرّجه من المدرسة، مع بحث يرصد ظلال التحرر من الموت في الفنون التشكيلية. "ليس للموت إلا لون واحد هو لون السكون، عكس الحياة الثرية بتعدد الألوان التي طالما كانت جسرًا لتحرر الإنسان من سلطة القيد". 

اقرأ/ي أيضًا:

فيلم where to invade next.. الحلم الأمريكي إلى أين

طلال الناير.. إقامة دائمة في شرايين أفريقيا