25-أغسطس-2021

علي شريعتي بعد خروجه من السجن عام 1958

أنا سنّي المذهب، صوفي المشرب، بوذي ذو نزعة وجودية، شيوعي ذو نزعة دينيّة، مغترب ذو نزعة رجعيّة، واقعي ذو نزعة خياليّة، شيعي ذو نزعة وهّابية؟!

لا أحد يستطيع أنّ يُنكر من إنَّ شعلة الثورة الإيرانية التي أطاحت بالشاه قامت على لهيب أفكار علي شريعتي الذي يلقب بـ"معلم الثورة"

هكذا يصف المفكر الإيراني علي شريعتي نفسه، في أحد كتابته معللًا كل هذا الجمع بين المتناقضات، بأَن المفكر الحُر يستحيل تصنيفه، يشرح الكاتب حيدر حب الله عبارة شريعتي بالقول: هذا النصّ يقصد منه أنّ المفكّر في فكره متحرّر من الانتماء الانغلاقي، بمعنى أنّه قد يلتقي مع التيارات المتناقضة، ليس لأنه فوضوي ومتناقض ومتهافت التفكير، بل لأنّه عندما ينتمي فهو يجيد الانتماء، فكثيرون منّا اليوم عندما ينتمون لدينٍ أو مذهبٍ أو تيار فكري أو ثقافي أو سياسي.. ينغلقون على الآخر انغلاق اطّلاع وانغلاق اقتناع.

اقرأ/ي أيضًا: علي شريعتي في رسائله.. الكتابة كمحوٍ للغياب

لا أحد يستطيع أنّ يُنكر من إنَّ شعلة الثورة الإيرانية التي أطاحت بالشاه قامت على لهيب أفكار شريعتي الذي يلقب بـ"معلم الثورة". يقول مهدي بازركان: "في الواقع انه دون جهود علي شريعتي، لما كانت الثورة تتفجر في ذلك الوقت، او لربما اتخذت مسارًا آخر".

كما لا يمكن لأحد أن يصنف شريعتي على تيار سياسي، أو ديني فالرجل لا يزال مثيرًا للجدل، وأفكارهُ لا تزال طرية، وحاضرة بقوة في الأوساط الثقافية، على الرغم من مرور ثلاثة عقود على وفاته في الغربة.

لكن يمكننا أن نصنف طريقة تعامل النظام الإيراني في ظل ولاية الفقيه، مع المفكرين والشخصيات التي ساهمت في بلورة الثورة الإيرانية 1979 إلى ثلاثة أوجه، فمع وافتهم المنية قبل نجاحها ومنهم شريعتي حاول النظام والمتصلين به، صب أفكاره في قالب الفكر الخميني، حتى أصبح شريعتي وبحسب مقدمات الكتب التي تتضمنها مؤلفاته مُقلدًا فخورًا بالخميني، وأنَّ أفكاره ساهمت في نحت نظرية ولاية الفقيه المطلقة!

أما الذين عاصروها وبعد ذلك انقلبوا على نتائجها، ومن ضمنهم أول رئيس لإيران أبو الحسن بني صدر، حيث تم عزله من قبل الخميني، وكاظم شريعتمداري وهو فقيه ذو قدم راسخة في الاجتهاد وذو رتبة دينية رفيعة وله باع طويل في النضال، وهو الذي انقذ رقبة الخميني من حبل المشنقة سنة 1963، لكن ما أن انتصرت الثورة حتى تم تجريده من رتبته الدينية سنة 1982 وتم نبذه إلى أحد الثكنات العسكرية قرب طهران، وذلك لأنه صاحب نظرية في الحكم الإسلامي مغايرة لنظرية ولاية الفقيه المطلقة، ولأنه كان غالبًا ما يثير مخاوف الخميني، أما هؤلاء الذين امنوا بخط الخميني بعد الثورة فان بعضهم تسنموا مناصب مهمة في الحكومة الإيرانية وأصبحوا تحت مظلتها يحضون باحترام بالغ. 

علي شريعتي ونظرية ولاية الفكر الملتزم

واحد من أكثر الكتّاب الذين حالوا قولبة شريعتي وجعله تابعًا للخميني ومؤمنا في خطه، هو الكاتب محمد حسين بزي، صاحب دار الأمير، والذي كان يحاول رسم هذه الصورة عنه من خلال كتابة المقدمات الخاصة بمؤلفات شريعتي المعربة فتم تقديمه للقارئ العربي بصورة مشوهة ومجافية للحقيقة، ومن يقرأ كل كتب شريعتي بما فيها التي ترجمت مؤخرًا في هذا العام لن يجد أي علاقة بين فكر شريعتي والخميني، بل أنَّ أسم الخميني لم يرد في كل متون كتاباته لا تلميحًا ولا تصريحًا! وهذا ما تسبب في خلق مشكلة بين دار الأمير وعائلة شريعتي والتي عدة دار الأمير، فاقدة لأية وجاهة قانونية بحسب البيان الصادر عنها وإنها غير راضية عن هذه المقدمات التي تكتب.

يفضل علي شريعتي أرقى عنوان تمييزي لوظيفة الإمامة والسياسة إنها "بناء الجماهير" لا "إدارتهم وحفظهم"

وهناك من تعمد الخلط بين فكرة ولاية المثقف الملتزم لشريعتي وبين ولاية الفقيه المطلقة التي يعتقد بها الخميني بجعلهما يصبان في نهرٍ واحد.

اقرأ/ي أيضًا: فكر علي شريعتي.. أدوار الضعف والقوة

لكن في كتابه الأمة والإمامة يُنظر علي شريعتي لما أسماه ولاية "المفكر الملتزم" فمعنى الأمة عند شريعتي قائمة على أربعة اركان وهي:

  1. الاختيار (ناتج عن القرار الواعي حيث لا إكراه في الالتحاق بالجماعة).
  2. الحركة (دينامو الصيرورة).
  3. التقدم (محطات الصيرورة).
  4. الهدف (ماهية الجماعة التي تتحرك لها الصيرورة وتصنعها).

ويفضل شريعتي أرقى عنوان تمييزي لوظيفة الإمامة والسياسة إنها "بناء الجماهير" لا "إدارتهم وحفظهم".

ويرى الكاتب العراقي عبد الرزاق الجبران بحسب قراءته لشريعتي من انه يريد "ولاية المفكر الملتزم" لا "الفقيه" وسبب ذلك يترشح عن الإشكالية التي بات يمحور أعماله في الإصلاح الديني حولها.. أي مسألة فقدان الأيديولوجيا عند المؤسسة الدينية وفقيهها كمنظومة تغطي تحديات الواقع وتنفساته، والتي كانت خالية من الإجابات الإسلامية التي تحتكرها المؤسسة الدينية.

فهناك الكثير من القضايا الإسلامية، أو أبعاد عديدة من قضية إسلامية ما، لا تطرح في الأساس وتبقى مجهولة وإن طرحت فهي تطرح في حدود الفقه، أو بشكل سطحي ومجمل... والسبب هو عدم قدرة الفقهاء على الخوض في ذلك.

أما فيما يتعلق بالالتزام بولاية المفكر ومنع حدوث الاستبداد فان ذلك بحسب شريعتي يكون بوجود قيد الالتزام للمفكر في ولايته، أي يكون ذلك المفكر ملتزمًا بأركان الأيديولوجيا في جهة الإمامة فمن مميزاته أن يكون ملتزمًا بـ(التربية، والتغيير، والتكامل) لمجتمعه وأن يتحمل مسؤولية العدالة الاجتماعية والعدالة الطبقية، كذلك عليه أن يسير على ما سار عليه قادة الأيديولوجيا.

في ثلاثية تمثل هذا المسار (العقيدة، الوحدة، العدالة الاجتماعية) ومن مميزاته الأهم أن يكون متوفرًا على اقتضاءات الأيديولوجيا وملتزمًا بها: (الإيمان، المسؤولية، الصراع، التضحية) ومن اجل تحقيق ما يعرف بالنقاء الثوري كحاجز يقضي على الاستبداد ينبغي ان يحقق مبدأين: الأول: ألا يملك شيئًا، حتى لا يتحول إلى "محافظ" خوفًا على ضياع ما يملكه. الثاني: ألا يكون راغبًا في شيء. وذلك حتى لا ينجرف وينزلق من اكتسابه، أو يبدي ضعفًا بالنسبة له.

احتراف الدين وإسلام بلا مشايخ

كما أنَّ من الأفكار التي يتقاطع فيها فكر شريعتي مع الخميني هو كتاباته عن ظاهرة تدكين الدين "احتراف الدين"، وكذلك فكرة إسلام بلا مشايخ، وانتقاده الحاد لعلماء الإسلام حيث وجد علي شريعتي أن صفة رجال الدين تحولت إلى مهنة، بينما الإسلام لا يعطي ذلك حقًا أبدًا.. "فحتى الرسول (ص) وأقرب صحابته كانوا يعملون بأيديهم ويعتاشون على ذلك. إلى جانب وجودهم الديني.. فالإمام علي.. بإمامته الدينية وبإمارته المؤمنين.. وهو علي كان إلى جانب ذلك يعمل بكد يده، وأحيانًا يفتح جب ليهودي منحط".

علي شريعتي: "رجل الدين يقول لك دع الدنيا فان عاقبتها الموت دع الدنيا لأهلها ويقصد بأهلها هو وشركاؤه"

فكما أن الثروة كانت في التاريخ بيد طبقة خاصة والحكم كذلك، فالدين هو الآخر غدا في عتبة طبقة خاصة.

اقرأ/ي أيضًا: إيران المعاصرة في 4 كتب

أسبغوا على أنفسهم صفات تحايلوا بها على الناس مستغلين قدسية الدين. وكما أنَّ الناس كانوا يجبرون على الإذعان بواسطة السلطة والقوة، وكما كانوا يستعبدون بالمال، كذلك كانوا يخدرون بواسطة الدين (الذي هو ضد الدين) يقول شريعتي في احدى عباراته: "رجل الدين يقول لك دع الدنيا فان عاقبتها الموت دع الدنيا لأهلها ويقصد بأهلها هو وشركاؤه". فمن يقرأ أفكار شريعتي يجده في وادٍ وأفكار الخميني في وادٍ اخر مما يجعل الجمع بينهما متعسرًا إن لم يكن مستحيلًا.

 

اقرأ/ي أيضًا:

رسائل إدوارد سعيد إلى صادق جلال العظم

سينما كيارستمي المحبة للحياة الباحثة عن مباهجها