07-يوليو-2022
علي أصلان

الشاعر علي أصلان

الشّعر الذي تقدمه مجموعة الشاعر علي أصلان (1990) الجديدة الموقّعة بـ"عرّاف في غابة الدّم – نبوءات السيّد أحمر" شعرٌ شخصيّ لو أمكن قول ذلك، بمعنى أنّه ينطلق من زاوية شخصية تغرق في تفاصيل مقيتة وفجّة، لتطلع وتنبعث على شكل قصائد وشذرات ونصوص وصور شعريّة، تملك حيثيّتها وتتعاطى مع صاحبها ومحيطه.

لا يمكن فصلُ الشّعريّة العراقيّة عنِ الحياة فهي مادته الأساسيّة. منها يسحبُ غذاءهُ ويروي عطشه. وقد شهد الشّعر العراقي تحوّلات لافتة بعد سقوطِ النّظام والفوضى الّتي شهدتها البلاد

لا يمكن فصلُ الشّعريّة العراقيّة عنِ الحياة فهي مادته الأساسيّة. منها يسحبُ غذاءهُ ويروي عطشه. وقد شهد الشّعر العراقي تحوّلات لافتة بعد سقوطِ النّظام والفوضى الّتي شهدتها البلادُ، من غيابِ مظاهرِ الدّولة وكذلك تداعيات الاحتلال الأمريكيّ وسنوات الطائفيّة المريرة. يقول علي أصلان في مجموعته: "وحيدين نركلُ القنابل المُسيلة للدموع/ هذه كرة القدم التي نعرف/ منّا من يركلها بالقدم/ ومنا بالرأس/ هذه كرة القدم التي تقتلنا/ لم تكن مدوّرة/ نلعبها بأعدادٍ هائل/ وبفريقٍ كبير/ لساعاتٍ طوال/ دون ملل أو نتيجة/ لم نجد سواها متعة/ الموت لعبة لا تنتهي".

تقوم العمليّة الشّعريّة لدى الشاعر على أسلوب لا يُمكن اعتباره تدوينًا للمأساة العراقيّة فحسب، بل هو بمعنى ما تحويلٌ للمأساة إلى دراما كونيّة عابرة للطّائفة والعرق. هكذا وببراءة خالصة يقدّم في مجموعته، بثيمة المجموعة الأساسية وهي الدّم، العراقيّ بما يمثّله كبطل أسطوري لعشبة الخلود.

يحيل عنوان المجموعة إلى ضرب من الأسطرة والإبهام والسّحر والتنجيم. العرّاف هو نفسه الشّاعر والغابة هي بلده الغريق والذبيح الذي ينتقل فيه من منطقة إلى أخرى والحال نفسها والضحية نفسها والمشهد واحد هو الدّم: "صور جثثكم البارعة... بدلاتكم المرقّطة بالدم... فالحب يُسلقُ بقطرات الدم.. يصنع منا عزرائيل وجبات للأرباب".

بمرارة عراقيّة ونثر ذي طابع خاصّ ينقل أصلان الحياةَ اليوميّةَ العراقيّةَ إلى مادّة دَسِمَة شعريًا. اليوميات الشّاذة واللاموزونة والخارجة عن كلّ توقع ومقدور، بما فيها مِنْ غرائب وكوارث وإرهاصات. حين يقول: "جارتي العجوز آسف/ سأكرّرها وأسكّرُ ببابك/ وأتركُ أعقاب السجائر وعلب الحزن الفارغة/ وأزرع هذه الزجاجة الفارغة على الشباك/ آسف لأني لم أغسل عتبتك هذه الليلة/ كوني نسيتُ الصنبور على السواتر/ أعدك بطلاء بابكِ القماش/ بما تبقّى من حسرات المصابيح العتيقة/ وأعوضكِ عن لطافة صغيركِ/ ذاك الذي أصبح طعامًا للفتاوى".

منشأ هذه النصوص/القصائد سردي إخباري يحوي إضافات شعوريّة وسياقات غرائبيّة تعمل على قلب وتشتيت التنبه عن الشاعر كصاحب نص وتحويله إلى متنه الذي يقدّمه. النصوص الـ 26 المقدّمة أمامنا موجزة ولامعة في أغلبها تبدأ سرديتها وتنتهي إلى قفلة والتماعة خاطفة قد يكون الشّاعر تقصّد سكبها على هذه الشّاكلة. يقدّم أصلان الحادثة بوصفها أمرًا جديدًا ومستغربًا ليقفل نهاية إلى أنّه بات شكلًا مألوفًا ومعتادًا. "ما الذي يقنعهم بموتي/ وهم يُحضّرون لي الطعام/ وأكواب الشاي/ ويوقظوني كلّ صباح/ ربما لأني لم أرتدِ الأبيض/ أو لم أكن على هيئة زجاجة حليب/ ولم تُنخر عيناي/ ولم يصبح وجهي سندويشات للنمل/ لم يقتنعوا بموتي ما دمتُ أتحرّك أمامهم/ أو ربّما لأنّهم مثلي/ كلنا نعيش داخل هذا القبر المضيء/ لا فرق بيننا وبين روّاد فضاء وادي السلام/ إلّا بياض الملابس".

عرّاف أشجار الدم

بالقوَّة والحُزن اللّاذع، بالشجن والحَرَارةٌ الفائقة، بالسّخرية المريرة وباللّقطات الهوليووديّة الصّادمة بضروب التفنن بالقتل ومشاهده وأشكاله، يملأ علي أصلان يومياته العراقيّة، ولو شئنا هناكَ خيطٌ رفيعٌ منَ القَسوةِ ينسحبُ على الجُملة الشّعريّة في قصيدة الشّاعرِ نفسها. تجربة كباقي التجارب الشّعريّة التي تتصدّر المشهد الشبابي العراقي، في أغلبها متشظّية. كلُّ شاعر تسكنه تلك المحاولة لكي ينفرد بنفسه.