11-أكتوبر-2017

علي أبو عجمية

ليس صائبًا وضع الشعر في مواجهة مع النثر أو العكس، الخسارة في هذه المواجهة نقدية بالدرجة الأولى، ثم تأتي بعد ذلك خسارة اللغة لوظيفتها ومكوناتها الدلالية والمعرفية، وإذا ما تجاوزنا الاعتبارات النقدية وحركتها والاستعلاء النقدي الذي صاحب تاريخ قصيدة النثر العربية، فإن من ينطلقون من عقلنة تلك العلاقة هم أصحاب الإنجاز في الكتابة وتطورها.

جمع علي أبو عجمية بين العمود والتفعيلة وقصيدة النثر في كتاب واحد

على هذه القاعدة بنى علي أبو عجمية مجموعته الجديدة "نهايات غادرها الأبطال والقتلة" (الأهلية للنشر، 2017)، في أربعين قصيدة تراوحت بين العمود والتفعيلة وقصيدة النثر، المأخوذ مباشرة من دروس الكتابة والقراءة اليومية ونقاشات الأصدقاء ومتمسكًا بالشرط الجمالي والمعرفي للكتابة الشعرية.

اقرأ/ي أيضًا: قصص "ليثيوم".. متاهات النفس البشرية

اللافت في مجموعة علي أبو عجمية صاحب "سفر ينصت إلى العائلة" إنجاز شعريتها بتعويل كبير على لغة المجاز والصور البلاغية من تشبيه أو استعارة، دون أن تذهب القصيدة في داخل المجموعة ضحية مجازاتها واستعاراتها، ودون أن تجردها من حساسيتها العالية. بحيث تبدو هذه التوليفة إضافة إلى الغنائية العالية في قصائدها، رغبة كبيرة في التجريب والعثور على ما يمكن اعتباره جديدًا بالمعنى الشعري للكلمة. "غبارُكَ الآن/ يكفي الطين والطرقا/ لتزدهي أرقًا أو تزدهي قلقا".

إضافة إلى ذلك، تشكل الخسارات والرغبة غير المعلنة للكفر في البيئات المتدينة، شغل المجموعة الشاغل فألها الحسن ونارها العذبة. وهي تتساوى بذلك مع سمة عامة طغت على الشعرية العربية الشابة بعد الثورات سواء كان ذلك في النزعة نحو الذاتية في الكتابة، أو في إعلان موقف من كل ما وشم المجتمعات المدنية في العقود الأخيرة من ميل واضح نحو التدين.

غير أن الشيق في "نهايات غادرها الأبطال والقتلة" لعلي أبو عجمية رغم مفردات الحسرة والخسارة الفادحة في صفحاتها، محاولات كاتبها الحد من إيقاعها وبحيث تبدو هذه المحاولات تداركًا وشيكًا في آخر لحظة، لما يمكن أن يتيحه النثر من استدعاء لطاقات اللغة وجمالها الكامن في التجريب. وفق ذلك، يقدم علي أبو عجمية اقتراحه الجديد مبنيًا على سهولة النثر وتدفقه من جهة، من جهة ثانية يقدم قصيدة غنائية لا تتنكر لجذورها الخليلية والغنائية دون أن تقصي النثر. يكتف تحت عنوان "حيوان الجاحظ": "يا حيوانَ الجاحظِ العظيم/ اترك التلّةَ واهبط إلى السَهْل. أنا هناك وحدي/ لدي قرطاس وحبر فاسد ودواة. خذها إليك/ خذها وامتحنّي بالكلماتِ الثلاث: الحياة والموت والحب/ أما نسبي فانحر شاة لطلعتهِ أو أسقط عُرجونًا على رأسه. أنتَ من كِنانة/ وأنا من دعجان/ ولذا سأضع عنّي عِمّتي لكي تعرفني/ وأصقلُ لك سيفي لكي تهابني".

في "نهايات غادرها الأبطال والقتلة"، يبدو الشعر محاولة للحد من إيقاع الحسرة في آخر لحظة

ممكن أيضًا في هذه النقلة، الحديث عن الارتجال كفكرة تتصل بالشعر كتابة وقولًا. تبدو قصائد علي أبو عجمية بمفرداتها والشغل المصاحب على الصور الشعرية داخل المجموعة، صورة أخيرة للشاعر الذي يؤمن بكل ما فكرة يتبناها ويصدق كل كلمة يقولها.

اقرأ/ي أيضًا: حسن بلاسم في "طفل الشيعة المسموم".. نصوص شبعت من الانتهاك

غير ذلك لا تحوي مجموعة علي أبو عجمية تلك النظرة المترددة للشعر والكتابة والتي تميز الكتابات الشابة في البدايات. بمعنى أن صاحب المجموعة عثر على صوته الخاص، قصيدته ناجزة وبلا آباء سابقين، لكن بقدر من الشك في الكتابة ونحو بحث عن مفهوم جديد للشعر وقضاياه. شأنه بذلك، شأن الكتابات الجديدة في القفز على القضايا الحيوية والذهاب إلى الذاتي وغير المطروق دون أن تستطيع إيجاد حلول لها في الشكل أو المضمون، أو تتخلى عن أسئلة قديمة حول الكتابة الذاتية باعتبارها فنًا خالصًا أو لا.  أما ما يفسر ذلك الذهاب نحو الذاتي، هو الرغبة في تحقيق الشعر وكاتبه لإنسانيته وسط أجواء القمع اليومي الذي يعيشها أبناء المدن الريفية، في نابلس أو في الخليل أو أي مدينة أخرى في العالم العربي.

 

اقرأ/ي أيضًا:

عبد الرزاق بوكبة.. معول الشعر في أرض السرد

عمر الجفّال.. حياة مريضة