22-أبريل-2021

تصعيد بين أوروبا وروسيا (Getty)

في خطوة يمكن وصفها بالداخلية لكنها في مضمونها تدل على محاولة الكرملين ممارسة ضغوط غير مباشرة على الغرب بشأن قضية المعارض الروسي أليكس نافالني، وجه الادعاء العام الروسي مطلبًا للمحكمة الروسية بحل مؤسسة صندوق مكافحة الفساد التي يديرها نافالني، بالإضافة لمكاتب الصندوق الإقليمية، في وقت تتصاعد فيه التوترات قرب الحدود الأوكرانية – الروسية في ظل التقارير التي تتحدث عن وصول تعزيزات عسكرية روسية، الأمر الذي يثير قلقًا لدى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، والدول الغربية حلفاء كييف البارزين في التكتل الأوروبي.

وجه الادعاء العام الروسي مطلبًا للمحكمة الروسية بحل مؤسسة صندوق مكافحة الفساد التي يديرها نافالني، بالإضافة لمكاتب الصندوق الإقليمية، في وقت تتصاعد فيه التوترات قرب الحدود الأوكرانية – الروسي

طرد متبادل للدبلوماسيين

التطورات الأخيرة في الأزمة الروسية – الغربية التي شهدت تصعيدًا من مختلف الجوانب خلال الأيام القليلة الماضية، بدأت فعليًا بإعلان إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن فرض عقوبات جديدة استهدفت 32 كيانًا وأفرادًا روس، بالإضافة إلى ثمانية كيانات وأفراد في شبه جزيرة القرم، كما تضمنت منع الشركات الأمريكية من الشراء المباشر لسندات الدين الروسية الصادرة عن البنك المركزي، أو صندوق الثروة الوطني، أو وزارة المالية الروسية، إضافة لإعلان واشنطن طردها 10 دبلوماسيين روس، وانضمت لاحقًا بولندا إلى واشنطن بإعلانها طرد ثلاثة دبلوماسيين روس، وردت روسيا بالمثل.

اقرأ/ي أيضًا: الاتحاد الأوروبي: الصراع مع روسيا ما يزال احتمالًا مطروحًا

وفيما وصفت خطوة وارسو بأنها تعبير عن تأييدها لموقف واشنطن اتجاه روسيا، فإن الإدارة الأمريكية قالت إن العقوبات الأخيرة جاءت ردًا على التحقيقات التي ارتبطت بالتدخل الروسي في انتخابات الرئاسة الأمريكية الأخيرة، والتقارير التي تحدثت عن وقوف قراصنة روس وراء الهجمات السيبرانية التي استهدفت مواقع وشركات أمريكية، إضافة للتدخل الروسي في أوكرانيا بدعمها الانفصاليين في شرق أوكرانيا الموالين لموسكو، دون أن يتم التطرق بشكل مباشر لقضية نافالني الذي يحظى بدعم غربي كبير.

لكن أزمة طرد الدبلوماسيين الروس امتدت في وقت لاحق من الأسبوع الجاري إلى جمهورية التشيك التي أعلنت طردها لـ18 دبلوماسيًا روسيًا، وقال رئيس وزراء التشيك أندريه بابيش إن "هناك شكوك في أن عملاء سريين يتعاونون مع المخابرات الحربية الروسية وراء انفجار 2014 الذي شهده مخزن للذخائر في قرية فريبيتيش التشيكية"، مشيرًا إلى أن براغ ستقدم الأدلة إلى حلف الناتو وحلفائها في الاتحاد الأوروبي، وردت روسيا بالمثل عبر طردها 18 دبلوماسيًا تشيكيًا على أراضيها، واصفة قرار براغ بأنه "عدائي" يُفهم في سياق محاولة "إرضاء" الولايات المتحدة.

فعليًا يمكننا وصف الأسبوع الجاري بأنه أسبوع تبادل طرد الدبلوماسيين بين الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين من جهة، وروسيا من الجهة الأخرى، فقد كان من بين فصول الأزمة الروسية – الغربية المتصاعدة، إعلان موسكو طرد القنصل العام لأوكرانيا في مدينة سانت بطرسبورغ اللكسندر سوسونيوك، وذلك بعد ضبطه "متلبسًا" أثناء حصوله على "معلومات سرية" من مواطن روسي، وردت عليها أوكرانيا بإعلانها أيضًا طرد دبلوماسي روسي.

أزمة نافالني تعود إلى واجهة الأزمات الداخلية في روسيا

أمام هذا التصعيد الدبلوماسي غير المسبوق، برزت تطورات جديدة بشأن ملف نافالني (44 عامًا) الذي ينظر إليه الغرب على أنه المنافس السياسي الأمثل لهزيمة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في انتخابات الرئاسة الروسية القادمة، فقد برزت تقارير مؤخرًا تتحدث عن تدهور الحالة الصحية لنافالني داخل محبسه الروسي، مما استدعى نقله من السجن الإصلاحي رقم اثنين – حيثُ يقضي عقوبة السجن – إلى المستشفى المخصص للسجناء الواقع ضمن السجن الإصلاحي رقم ثلاثة في مقاطعة فلاديمير، ووصفت السلطات الروسية الوضع الصحي بأنه "مقبول".

وكانت السلطات الروسية قد اعتقلت المعارض الروسي البارز في أحد مطارات موسكو عند عودته من برلين في كانون الثاني/يناير الماضي، حيثُ كان يخضع للعلاج في إحدى مستشفياتها بعد تعرضه لمحاولة تسميم بغاز الأعصاب نوفيتشوك الذي يعود للحقبة السوفيتية، وأصدرت النيابة الروسية في وقت لاحق قرارًا بتحويل الحكم الصادر بحق نافالني بالسجن لمدة ثلاث سنوات ونصف مع وقف التنفيذ الصادر عام 2014 إلى عقوبة السجن بالنفاذ، مشيرةً إلى أن القرار جاء بسبب انتهاكه لشروط الإفراج المشروط، فيما وصف نافالني الاتهامات الموجهة إليه بأن "دوافعها سياسية".

وتأتي التقارير المرتبطة بالحالة الصحية لنافالني، بعدما صرح طبيبه الخاص ياروسلاف أشيكمين أن نتائج الفحوص التي تلقاها من عائلة نافالني تظهر معاناته من ارتفاع حاد في مستويات البوتاسيوم، والتي يمكن أن تسبب السكتة القلبية وارتفاع مستوى الكرياتينين التي تشير إلى تردي حالة الكلى، مضيفًا بأنه "قد يموت مريضنا (أليكسي نافالني) في أي لحظة"، وتدهورت الحالة الصحية لنافالني بعدما أعلن دخوله في إضراب عن الطعام منذ 13 آذار/مارس الماضي، ويقول فريق المحامين الخاص بنافالني إنه أصبح "ضعيفًا جدًا" و"يجد صعوبة في الحديث والجلوس"، مطالبين بنقله إلى أحد المستشفيات المدنية في موسكو.

وفيما تشير التوقعات إلى تنظيم حركات احتجاجية في موسكو وسانت بطرسبورغ تلبية للدعوات التي وجهها نافالني مطالبًا أنصاره بالنزول إلى الشارع، كشفت تقارير صحفية يوم الثلاثاء عن توجيه الادعاء العام الروسي مطلبًا لحل مؤسسة صندوق مكافحة الفساد الذي يديره نافالني، وقال الادعاء العام إن المؤسسة تتعاون مع مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكية من أجل "تهيئة الظروف لتغيير أسس النظام الدستوري"، إضافةً لعمل المؤسسة على "زعزعة استقرار الوضع الاجتماعي والسياسي في البلاد".

بوتين يوجه خطابه السنوي للحديث عن الأزمات الداخلية

تفاعلات الأزمة الروسية مع الغرب وصلت في ذروتها لمطالبة رئيس الوزراء التشيكي الدول الأعضاء في التكتل الأوروبي بالتضامن مع براغ من خلال انضمامهم لطرد الدبلوماسيين من أراضيهم، وهو ما يأتي برفقة تصريحات ممثل الشؤون الخارجية للتكتل الأوروبي جوزيب موريل التي جاءت في أعقاب انتهاء المؤتمر الافتراض مع وزراء خارجية دول التكتل، وكشف فيها عن حشد روسيا لمائة ألف جندي قرب الحدود مع أوكرانيا، مضيفًا بأن الحشد الروسي هو الأكبر على الإطلاق، ووصف بوريل التقارير الواردة بشأن الحالة الصحية لنافالني بأنها "حرجة"، مشددًا على أن التكتل الأوروبي سيحاسب موسكو بشأن سلامة نافالني الصحية.

وأمام مجمل هذه التطورات الداخلية والخارجية بخصوص الأزمة الروسية مع الغرب، كشفت وثيقة داخلية صادرة عن وزارة الدفاع الأوكرانية أن روسيا بدأت بإجراء تدريبات عسكرية بالقرب من ممرات الشحن التجارية في البحر الأسود، في خطوة تهدد بخنق الاقتصاد الأوكراني، وجاءت الوثيقة السرية بعد أيام من إعلان موسكو تعطيل السفن الأجنبية في أجزاء من البحر الأسود لإجراء مناورات عسكرية حتى شهر تشرين الأول/أكتوبر القادم، وهو ما دفع بالمتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية لوصف المناورات الروسية بأنها مثالاً على "حملة موسكو المستمرة لتقويض وزعزعة استقرار أوكرانيا".

وفيما كانت التوقعات تشير إلى أن الخطاب السنوي لبوتين أمام البرلمان سيتضمن رسائل مباشرة من الكرملين بشأن قضيتي أوكرانيا ونافالني معًا، فإن بوتين توجه في كلمته بدلًا من ذلك إلى التركيز على القضايا المحلية، بما في ذلك الاقتصادية والصحية والاجتماعية، وأعلن عن توجهات الحكومة الروسية اتجاه خفض الضرائب، وتقديم قروض، لدعم الشركات الصغيرة والمتوسطة في روسيا، فضلًا عن توجيهه بإعداد نظام متكامل من الإجراءات لدعم الأسر التي لديها أطفال، وتقديم منحة شهرية للنساء "الحوامل المحتاجات"، بحسب ما أشار موقع روسيا اليوم.

وتضمنت كلمة بوتين السنوية رسائل غير مباشرة يمكن ربطها في سياق قضيتي أوكرانيا ونافالني، بعدما أشار إلى أن بلاده تقوم "بتوخي أقصى درجات ضبط النفس" إزاء ما وصفه بالمواقف العدائية اتجاه موسكو، مضيفًا بأنه "يمكن القول إننا نسلك سلوكا متواضعًا، وكثيرًا ما لا نرد إطلاق ليس على حملات عدائية بل وعلى صفاقة صارخة"، قبل أن يمضي مؤكدًا على أن موسكو لن تسمح لأحد بتجاوز الخطوط الحمراء التي تحددها بنفسها، وتابع محذرًا بأن "مدبري أي استفزازات تهدد المصالح الجذرية لأمننا سيندمون على ما فعلوه بدرجة لم يندموا بها منذ وقت طويل".

توقعات متضاربة بشأن الحشود الروسية قرب أوكرانيا

وعلى الرغم من تجنّب بوتين الإشارة المباشرة إلى قضيتي أوكرانيا ونافالني، فإن التطورات التي تشهدها الحدود الأوكرانية فيما يخص القضية الأولى برزت في تصريحات وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا يوم الثلاثاء، حين أشار إلى أن التوقعات تتحدث عن وصول تعزيزات عسكرية روسية إلى الحدود الأوكرانية ضمن قوة مشتركة قوامها 120 ألف جندي روسي خلال أسبوع، وتتجاوز تقديرات الدبلوماسي الأوكراني الحشود العسكرية التي أرسلتها موسكو في عام 2014 إلى الحدود الأوكرانية عندما ضمت شبه جزيرة القرم إلى الاتحاد الروسي.

ويختلف المحللون بشأن الدوافع الروسية وراء التعزيزات العسكرية الأخيرة قرب الحدود الروسية، حيثُ يصف فريق من المحللين التعزيزات العسكرية الروسية بأنها محاولة من الرئيس الروسي لاختبار الإدارة الأمريكية الجديدة، ومحاولة إضافية لممارسة الضغط على الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي من أجل تقديم تنازلات فيما يخص الأزمة الأوكرانية – الروسية المتصاعدة، ووجه زيلينسكي دعوة مباشرة لنظيره الروسي يقترح فيها عقد قمة ثنائية في شرق أوكرانيا لبحث الأزمة المتفاقمة بين الطرفين. 

وفيما يرى فريق ثانٍ من المحللين أن الحشود العسكرية الروسية قد تكون محاولة من بوتين لصرف الرأي العام الروسي عن المشاكل الداخلية التي تواجهها حكومته من خلال التصعيد الأخير مع أوكرانيا،  أعرب فريق آخر من المحللين عن قلقهم من أن تكون الحشود العسكرية الروسية مقدمة لعملية عسكرية جديدة داخل أوكرانيا مرةً أخرى، وتأتي التوقعات الأخيرة في وقت وقع الرئيس الأوكراني قانونًا يسمح بتعبئة جنود الاحتياط خلال 24 ساعة، في حال تفاقم الوضع في شرق أوكرانيا الذي يخضع لسيطرة الانفصاليين المدعومين من موسكو.

وكانت موسكو قد حظرت يوم الثلاثاء الرحلات الجوية فوق شبه جزيرة القرم وأجزاء من البحر الأسود المحيطة بشبه جزيرة القرم بسبب ما وصفته بتدريبات بحرية ستجريها في البحر الأسود ما بين يومي 20 – 24 نيسان/أبريل الجاري، وهو ما دفع واشنطن لوصف حظر الرحلات الجوية بأنها "تصعيد غير مبرر"، وانضم حلف الناتو للتعبير عن رفضه التصعيد الروسي الأخير في أوكرانيا، وهو ما أكدته المتحدثة باسم الحلف أوانا لونجيسكو بوصفها "العسكرة الروسية" في شبه جزيرة القرم بأنها "تهديدات إضافية لاستقلال أوكرانيا"، فضلًا عن مساهمتها "بتقويض استقرار المنطقة".

وفي خطوة تدل على استعراض للقوة أمام موسكو إضافة لتوجيه رسائل إيجابية للدول الأعضاء في حلف الناتو، قالت بريطانيا إنها تخطط لإرسال سفينتين حربيتين تابعتين للبحرية الملكية إلى البحر الأسود في أيار/مايو المقبل، وذلك بعد التقارير التي تحدثت عن إلغاء مخطط إرسال سفينتين حربيتين إلى البحر الأسود، بعد بروز مخاوف من أن تؤدي مثل هذه الخطوة إلى تصعيد التوترات مع روسيا.

وبالنظر إلى التطورات الأخيرة المرتبطة بالأزمة الأوكرانية، ترى رئيسة مركز تحليل السياسة الأوروبية ألينا بولياكوفا أنها تأتي في وقت تواجه إدارة بوتين العديد من الاضطرات الداخلية، في مقدمتها سوء إدارة ملف مكافحة فيروس كورونا الجديد، إضافة للأزمة الاقتصادية التي يشهدها الاتحاد الروسي متأثرًا بالعقوبات الأمريكية – الأوروبية المشتركة، مشيرةً إلى أنه حين يواجه الكرملين أزمة في إدارة المشاكل الدخلية يقوم بجذب أنظار الروس للسياسة الخارجية، وهي السياسة التي انتهجها الكرملين عندما ضم شبه جزيرة القرم، حيثُ سجل حينها ارتفاع معدل تأييد بوتين بين الروس.

 التطورات الأخيرة المرتبطة بالأزمة الأوكرانية تأتي في وقت تواجه إدارة بوتين العديد من الاضطرات الداخلية، في مقدمتها سوء إدارة ملف مكافحة فيروس كورونا 

أما فيما بتعلق بقضية نافالني الذي كان صعوده السياسي سببًا بانخفاض شعبية بوتين بين الروس، فإنه في حال إثرار الدعوات التي وجهها الادعاء العام الروسي لحظر مؤسسة صندوق مكافحة الفساد بوصفه "منظمة متطرفة"، وفقًا لصحيفة نيويورك تايمز،  ستُجبر المؤسسة المستقلة على العمل بشكل سري في روسيا، وهو ما قد يؤدي إلى مواجهة العاملين في المؤسسة أحكامًا بالحبس لسنوات طويلة بسبب عملهم ضمن مؤسسة محظورة داخل الاتحاد الروسي.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

موسكو: انتقادات الغرب لاعتقال نافالني "حالة من الهيستيريا"