أعلن الفريق الإعلامي لقافلة "الصمود" المغاربية المتجهة إلى معبر رفح، في بيان صدر ظهر الجمعة، أن القافلة انطلقت بهدف الاعتصام عند المعبر الحدودي وكسر الحصار المفروض على قطاع غزة، مؤكّدًا أن جميع المشاركين تم اطلاعهم مسبقًا على طبيعة المهمة وأهدافها.
لكن القافلة واجهت عقبات ميدانية غير متوقعة، بعد توقّفها الإجباري عند مدخل مدينة سرت شرقي ليبيا، حيث أوقفتها قوات الأمن والجيش التابعة لسلطات شرق ليبيا الموالية للواء المتقاعد خليفة حفتر، مساء أمس الخميس. وقد اضطرت القافلة إلى قضاء ليلتها على جانب الطريق، وسط ظروف لوجستية صعبة، في انتظار الحصول على إذن بمواصلة المسير.
وأكد المنظمون أن هذا التوقف لم يكن ضمن الجدول المقرر، مشيرين إلى أن التواصل مستمر مع السلطات الليبية لتجاوز العقبات القائمة، مع احترام القوانين والإجراءات المحلية، دون المساس بالهدف الرئيسي المتمثل في الوصول إلى معبر رفح الحدودي.
القافلة واجهت عقبات ميدانية غير متوقعة، بعد توقّفها الإجباري عند مدخل مدينة سرت شرقي ليبيا، حيث أوقفتها قوات الأمن والجيش التابعة لسلطات شرق ليبيا
دعم شعبي ليبي وتحوّل القافلة إلى مخيّم ميداني
أعلنت اللجنة التنظيمية للقافلة أن الاستجابة الشعبية الليبية كانت واسعة، إذ بادر المواطنون من المناطق القريبة إلى تزويد المشاركين بالماء والطعام والخيام. وتحولت القافلة فعليًا إلى "مخيّم ممتد على مسافة تقارب كيلومترين"، بحسب أحد المتحدثين باسم القافلة، وذلك بانتظار موافقة السلطات في بنغازي على استكمال المسار.
وفي هذا السياق، أوضح وائل نوار، أحد المتحدثين باسم القافلة، أن ضعف الاتصال مع العالم الخارجي ناتج عن "تشويش متعمد على شبكة الإنترنت"، مشيرًا إلى أن القوات الأمنية على مشارف سرت منعت القافلة من العبور، بحجة انتظار التعليمات من القيادة. وأشار إلى تضارب المعلومات حول إمكانية العبور، قائلًا: "هناك من يؤكد أنه سيسمح لنا بالمرور خلال ساعات، وآخرون ينفون ذلك بسبب رفض مصري مفترض".
"لن نعود إلى الوراء": موقف مبدئي من أجل غزة
نوار شدد على موقف القافلة الثابت قائلًا: "كل خطوة نحو غزة هي خطوة لا رجعة فيها، ونأمل أن تكون وقفتنا على معبر رفح في مواجهة الكيان الصهيوني، لا في ليبيا ولا مصر ولا أي أرض عربية أخرى"، مؤكدًا تمسكهم بالهدف الإنساني والسياسي المتمثل في كسر الحصار عن غزة.
وبحسب بيان تنسيقية العمل المشترك من أجل فلسطين، فقد تم الاتفاق بين اللجنة التنظيمية وقوى الأمن الليبية على تقديم مراسلة رسمية إلى الحكومة، مع تحيين قوائم المشاركين وتقديمها للسلطات، بانتظار التعليمات من بنغازي.
من جهتها، كتبت المقررة الأممية الخاصة بحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية، فرانشيسكا ألبانيز، في منشور على صفحتها في منصة "إكس": "أتمنى ألا تخضع السلطات المصرية لمرتكبي جرائم الحرب، وأن تسهّل مرور هؤلاء البشر الذين تركوا كل شيء خلفهم لمحاولة كسر الحصار".
القاهرة تعتقل وتُرحّل متضامنين: رفض صريح للمشاركة
بالتوازي مع تحرك القافلة برًا عبر ليبيا، وصل عشرات النشطاء العرب والأوروبيين إلى مطار القاهرة جوًا، بنية الانضمام إلى القافلة من الداخل المصري. إلا أن السلطات المصرية منعتهم من الدخول، واحتجزت عددًا كبيرًا منهم لساعات طويلة تجاوزت في بعض الحالات 24 ساعة، في ظروف صعبة، قبل أن تقوم بترحيلهم إلى وجهات مختلفة، مع مصادرة جوازات سفرهم مؤقتًا.
وكان من بين المرحّلين 26 ناشطًا جزائريًا، بالإضافة إلى نشطاء من جنسيات متعددة، جاؤوا استجابة لدعوة التحالف الدولي لمناهضة الاحتلال للمشاركة في مسيرة "الصمود" الهادفة إلى الاعتصام على معبر رفح.
انتقادات حقوقية وأممية للسلطات المصرية
في تعليقها على التطورات، أدانت "الشبكة المصرية لحقوق الإنسان" ما وصفته بـ"حملة اعتقالات واسعة" طالت النشطاء القادمين للمشاركة في قافلة الدعم لغزة، مؤكدة أن عددًا منهم أُوقف رغم حيازته تأشيرات دخول رسمية، وتم اقتيادهم إلى جهات غير معلومة دون الإفصاح عن أسباب قانونية.
شخصيات جزائرية موقوفة
ومن بين الموقوفين البارزين، أستاذ علم الاجتماع الجزائري الدكتور نور الدين بكيس، الذي كتب في صفحته على منصة "فيسبوك": "شكرًا لكل من سأل عنا، وسامحينا يا غزة". كما نشر تسجيلًا مصورًا من داخل مطار القاهرة، اعتبر فيه أن المشاركة في القافلة "شرف"، مؤكدًا أن هدفهم هو إبقاء القضية الفلسطينية حيّة في الوعي العربي والدولي.
كما أوقفت السلطات المصرية ثلاثة محامين جزائريين، هم: مصطفاوي سمير، محمد عاطف بريكي، وعباس عبد النور، واحتجزتهم مع مصادرة هواتفهم ووثائقهم دون تبرير، ما أثار استنكارًا من عدد من المحامين الجزائريين الذين دعوا حكومتهم إلى التدخل العاجل، وطالبوا بتحرك عاجل من المنظمات الحقوقية الدولية.
اختبار لإرادة الشعوب
وفي ظل التعتيم الإعلامي ومحاولات الحصار السياسي للقافلة، يعيد هذا الحراك تسليط الضوء على غياب الإرادة الرسمية العربية لفك الحصار عن القطاع، مقابل حضور متصاعد للمبادرات المدنية العابرة للحدود. وبينما يُمنع المتضامنون من الوصول إلى غزة، يبقى السؤال مطروحًا بقوة: من يخشى القافلة؟