17-يناير-2023
الأردن والعاصمة الجديدة

زيادة السكان في عمّان وسوء الإدارة تزيد التحديات فيها (Getty)

أعلنت الحكومة الأردنية الأسبوع الماضي أن عاصمة إدارية جديدة ستُبنى وأن المشروع سيكون على مراحل تبدأ أولى مراحله عام 2025 وتنتهي عام 2033، في حين سينتهي العمل بالمشروع كاملا عام 2050 وستصل كلفة المشروع إلى أكثر من ثمانية مليارات دينار أردني (أكثر من 11 مليار دولار أمريكي).

المشروع الذي طرحت فكرته للمرة الأولى قبل أكثر من خمس سنوات من قبل حكومة هاني الملقي، خضع هذه المرة للدراسة الجادة

المشروع الذي طرحت فكرته للمرة الأولى قبل أكثر من خمس سنوات من قبل حكومة هاني الملقي، خضع هذه المرة للدراسة الجادة، إذ أعلن الناطق باسم الحكومة، فيصل الشبول، أن المدينة ستبنى بين العاصمة عمان ومدينة الزرقاء وأنه سيعلن عنها خلال مناسبة وطنية كبيرة وربما تحت رعاية ملكية.

كانت حكومة الملقي قد اقترحت فكرة المشروع عام 2017 إلا أن حكومة عمر الرزاز التي جاءت بعدها أعلنت عدم وجود نية لديها باستكمال المشروع، ليعود الخصاونة ويعلن بعد زيارة له إلى مصر وعاصمتها الإدارية نهاية العام الماضي عن طرح فكرة المشروع للدراسة التفصيلية.

الخصاونة قال إن حكومته حريصة على "الاستفادة من التجارب والمشروعات الكبرى في مصر، ودراسة تعزيز التنسيق والتعاون بين الجهات الحكومية الأردنية والمصرية في الاطلاع عليها والاستفادة منها."

كما أضافت الحكومة أن الهدف من إنشاء المدينة الجديدة يتلخص في استيعاب جانب من الزيادة السكانية والمستقبلية في المملكة، إذ بلغ عدد سكان البلاد عام 2022 أكثر من 11 مليون نسمة يعيش 38% منهم في العاصمة عمان. كما تشمل الأهداف الأخرى، وفقا للحكومة، التخفيف من الضغط على مرافق مدينتي عمان والزرقاء، بالإضافة إلى تقديم حلول لمشاكل التخطيط الحضري والبنى التحتية، وتحفيز النمو الاقتصادي وخلق فرص عمل وتشجيع الاستثمار.

العاصمة الأردنية عمّان

جريدة الغد نقلت عن رئيس هيئة المكاتب الهندسية، عبد الله غوشة، قوله إن "المدينة الجديدة" بالمفهوم الذي تتحدث عنه الحكومة ستصاحبها العديد من المشاكل سواء فيما يتعلق بموضوع الطاقة أو المياه، كما شكك في فرص نجاح المدينة خاصة وأنها ستنشأ على حوالي 277 ألف دونم من أراضي البادية ذات الطبيعة الصحراوية على بعد 40 كم من العاصمة، وشدد على أهمية تحديد هوية للمدينة الجديدة تكفل نجاحها، إذ عادة ما تقام المدن لتكون ذات طبيعة صناعية أو سياحية أو أنها تكون قريبة من مصادر مياه.

التجربة المصرية

استحضار رئيس الوزراء الأردني للتجربة المصرية في بناء عاصمتها الإدارية الجديدة أثار بين الأردنيين حالة من الذعر، فعاصمة مصر الإدارية الجديدة المنشأة في منطقة صحراوية شرق القاهرة، والتي أنفق عليها النظام المصري حوالي 59 مليار دولار بهدف استقطاب حوالي ستة ملايين مواطن، وصفت بأنها أنشئت فقط لإرضاء غرور الرئيس المصري وأن مخرجاتها الاقتصادية غير واضحة.

يأتي ذلك في ظل أزمة اقتصادية لازالت تخيم فوق رؤوس المصريين، فالمديونية الخارجية للبلاد وصلت إلى أكثر من 157 مليار دولار والتضخم السنوي وصل إلى أكثر من 18%، كما انخفض سعر الجنيه إلى أدنى مستوياته، في حين شددت إدارة البنك الدولي شروطها للموافقة على أي قروض مستقبلية وأحجم المستثمرون الأجانب عن المخاطرة في البلاد بسبب إمساك الجيش بزمام الاقتصاد برمته.

وفي حين أنه أريد بالعاصمة الإدارية الجديدة في القاهرة أن تكون بناطحات السحاب وطرق المواصلات الحديثة ونمط العيش المترف فيها مقرا للمؤسسات الحكومية والسفارات والبنوك، وموقعا لمبان ستكون مركزا للجيش المصري فيما سيصبح أكبر مقر عسكري في العالم، تنقل وول ستريت جورنال في تقرير لها حالة التشكيك السائدة بين العاملين في السفارات الأجنبية والبنوك والذين لا زالوا يرفضون الانتقال إلى المدينة العصرية التي لازالت مهجورة، كما تنقل عن الموظفين الحكوميين المصريين حالة السخط، إذ يجدون أنفسهم مجبرين على السفر يوميا للعمل في المدينة التي لا يملكون العيش فيها بسبب ارتفاع تكاليف السكن فيها، وتقع على بعد ساعتين ونصف من أماكن سكنهم في القاهرة.

تكاليف إضافية واقتصاد متعب

وهكذا، يخشى كثيرون من تكرار التجربة المصرية في الأردن، لا سيما وأنها أثبتت إلى الآن عدم جدواها في مصر، بل وتسببها بالمزيد من المشاكل الاقتصادية، وهذا ما عبر عنه وزير الصحة الأسبق، سعد الخرابشة، في تغريدة له على موقع تويتر استهجن فيها إنشاء المدينة الجديدة مع تجاهل المديونية الآخذة بالازدياد.

بلغ حجم مديونية الأردن مطلع العام الماضي حوالي 41 مليار دولار في نسبة تقدر بـ 110.6% من الناتج المحلي الإجمالي وفقا لوزارة المالية، في حين تشير إحصائيات لوزارة المالية أن الدين الداخلي للأردن بلغ حتى منتصف العام الماضي 19.4 مليار دولار، ووصل الدين الخارجي إلى حوالي 21.4 مليار دولار، كما بلغ معدل التضخم نهاية العام الماضي 4.23% ليسجل أعلى مستوياته منذ أربع سنوات.

رئيس هيئة المكاتب والشركات الهندسية، عبدالله غوشة قال في منشور على حسابه على فيسبوك "ضمن عجز الموازنة، وتراجع المشاريع الرأسمالية بسبب نقص التمويل، من أين سيتم توفير تمويل المدينه الجديدة؟ سنعود وأذكركم بنفس العنوان بعد عشرين سنة. مدينة خادم الحرمين في الزرقاء مساحتها 21 ألف دونم، وصممت لـ 350 ألف نسمه والآن نتحدث عن مساحه 277 ألف دونم لمليون نسمة، الأرقام للمقارنة"، وهو بذلك يشير إلى تجارب سابقة مشابهة لم تكلل بالنجاح، إذ عكفت الدولة خلال السنوات الماضية على إنشاء مدينتي "خادم الحرمين الشريفين" في محافظة الزرقاء و"أهل العزم" في منطقة الجيزة ولا زالت المدينتان تفتقران إلى السكان.

في هذا السياق، يقول رئيس جمعية المستثمرين في قطاع الإسكان، كمال العواملة، إنه قبل التفكير في إنشاء مدن جديدة، الأولى إيجاد حلول لمدن تم إنشاؤها إلا أنها تواجه نوعا من التعثر.

من ناحيته، يقول أستاذ العمارة والتخطيط الحضري،  مراد الكلالدة، إن إنشاء مدينة جديدة في الأردن لا يمثل "أولوية"، وقال إن أسبابا من قبيل وجود "اكتظاظ سكاني وازدحامات مرورية" كما تقول الحكومة لا تستدعي إقامة مدينة جديدة، وإنما تتطلب إيجاد "إجراءات تعالج هذه المشكلات".